تاكسي بنات


وكأنّما من فيلم خرافي تطلع صورهنّ، في البذلات الزهرية اللون، المنسجمة مع لون السيارة التاكسي. وهي آخر بدعة في مجتمعنا اللبناني.

***

وعندما اتصلت بي السيدة التي تقدّم برنامجاً في إحدى المحطّات العربية، وطلبت إجراء مقابلة أعطي من خلالها رأيي بهذه الظاهرة، اعتذرتُ لأني لا أجد في الأمر غرابة، وبرغم كونها فكرة طريفة، وتوظَّف لأغراض سياحية، أو تجارية؛ ولا علاقة لها بما كتبتُ وأتابع كتابته في ما يخصّ المرأة، ونضالَها، أو إعطاءها الفرصة كي تحقّق ذاتها وتعيش أفكارها وطموحها، إن في العلم أو العمل.

***

لكن المشهد يلفت الإنتباه. وقد عبرت صُوَرُه في النشرات الإخبارية لدى بعض المحطّات، والمواقع الإعلامية، ممّا دفعني لأقول كلمة في هذه الظاهرة.

***

وقبل سبعة عقود من الزمن، طرح المفكِّر اللبناني "عمر فاخوري" سؤالاً، لا يزال طرْحُه جائزاً في بعض المجالات: أين هي المرأة؟ وبالطبع، كان يقصد حضور المرأة في المجتمع، كما في حاضرات العلم، من معاهد وجامعات.

وقد جاءه الجواب على مدى السنين المنصرمة، في نهضة نسائية لافتة، وعلى شتّى الصعُد، من الشؤون الإجتماعية الى العلمية والتربوية؛ إذ توصَّلت المرأة، وخصوصاً في لبنان، لتكون رئيسة جامعة، ومعهد للبحوث العلمية مع الدكتورة "سلوى نصّار".

وعميدة في جامعة كبرى وعريقة كالجامعة الأميركية مع الدكتورة "هدى زريق". واخترقت المرأة السلك الدبلوماسي، فكانت سفيرة، ومنذ سنوات، مع الدكتورة "سعاد طبّارة".

وهذا، حتى أختصر، ولا أذكر تقدّمها في مجالات الفن والعلم والأدب والتربية. وكان فيها، جميعها، مكانة للمرأة مقدَّرة، ومميّزة؛ الى ان وصلت الى الندوة النيابية، وقد دشنت الخطوة الأولى "ميرنا بستاني" في إثر وفاة والدها في حادث الطائرة الشهير. ثم تلتها سيدات، دخلن المجلس النيابي أو الوزارة مثل "نائلة معوَّض" و"بهيّة الحريري".

وبرغم ذلك، لا يزال حضورُها في المجال السياسي، خجولاً، وليس كما يُتوقّع للمرأة التي بدأت نضالها قبل ما يناهز القرن من الزمن، ومع رائدات في الصحافة والأدب والعمل الإجتماعي الذي يدور في فلك الصمت، إنما يبقى في صميم النهضة الحضارية.

***

ولستُ هنا في مجال الكتابة عن الرائدات، وقد سبق ان دوّنت سيرة بعضهن في موسوعة من ستة أجزاء. إنما أتوقّف عند هذا المشهد الحديث لحضور المرأة، مع "تاكسي البنات" لأتساءل إذا كان من مظاهر التطوّر، أم أنها عودة الى عصر الحريم؟

ثم أسارع الى الردّ على السؤال، فأعتبر ما يجري من بعض ترف العصر، ومن باب السعي لإضافة لون جديد الى حياتنا الإجتماعية، وهو اللون الوردي، وفي اللهجة المصرية يقولون "بامبي"، وقد اقترن دائماً بحضور الأنثى، ومنذ لحظة ولادتها، إذ يُفترض ان يتمّ إعداد الجهاز للطفلة المولودة بهذا اللون...

***

لكن المرأة العصرية تُحاول تَخَطِّي كل الألوان التي تُقيّدها؛ وهي تتطلّع الى المزيد من الإختراق في العلم كما في السياسة، ولو كان طريق نضالها لا يزال طويلاً؛ خصوصاً حين نلاحظ، في هذا الزمان، توانيها عن بذل جهد أكبر، كي تصبح في مراكز القرار.

ومقابل مشهد سائقات تاكسي اللون الزهري، تواجهنا مظاهر وتجمّعات، لمناسبات سياسية، حيث لا حضور لخيال امرأة، ولا يرد ذكرٌ لاسمها، وكأنها أحالت المسؤولية على ولي أمرها، ليقول عنها، وباسمها، الرأي والكلمة الفصل. وهذه الحالة تبدو غريبة، حين نعلم ان أبواب الجامعات مفتوحة أمامها، وفي كل مجال واختصاص، لكي تنهل من العلوم ما توظّفه في خدمة مجتمعها، ورقيّ وطنها.

***

أما تاكسي البنات، فلا بأس به، تشكيلة جديدة من جملة ما يحفل به المجتمع من مظاهر السلوى والطرافة.

للتواصل مع الكاتبة إمـلي نصــر اللـه [email protected]