مهووس بعارضات الكليبات، وبتدلل وتغنج بعض المطربات، ولا يترك مشهدًا واحدًا يفوته، إن ظهرت إحداهن وثيابها شحيحة، قصيرة، لا تستر حتى خمس جسمها، كأنها تستفزني بذلك، وأنا ابنة بيئتي المحافظة، بل قد يصل الأمر غالبًا إلى أن يقذفني بما لا تعشقه أذن، ولا تهواه امرأة شابة مثلي، ويا ليته يراني شابة كما أرى نفسي، بل يراني امرأة هرمة، وبثيابي المهلهلة، التي تفوح منها رائحة الثوم والبصل «على حد قوله»، امرأة من العصر الحجري، لا تفهم العالم أو الألفية الثالثة، ولا تتعلم من «الموزات» الجميلات المنشورات على كل الفضائيات صباح مساء، ولعل جملة قالها زلزلت أعماقي وهي: «هزي وسطك مرة يا امرأة، وانزعي عنك هذه الثياب...أف، لم أرَ امرأة بهذه البلادة!»، أتدرون أن هذا الذي يقول لي اليوم «أف» حفيت قدماه ورائي قبل أن أقبل وتقبل عائلتي أن تزوجني إياه، لكن لما تمكن ظهرت براثنه، ويطالبني بهز الوسط وتحريك الخصر والأرداف، طبعًا تحت تأثير «المخدرات» التي يتناولها يوميًّا أمام الشاشات، وكتمتها في نفسي، وقدمت في مدرسة للرقص الشرقي سرًّا، وفي يومي الأول ذهبت بـ«هلاليعي الطويلة»، وهذا الاسم يطلقه سي السيد زوجي على ثيابي المحتشمة الطويلة، ويا لامتلاء صالة التدريب!! الكل يريد أن يتعلم هز الوسط أم ماذا؟ والمدرب كان رجلاً، لقد كنت أعتقد وإلى وقت ليس بالبعيد، أن تموج الجسد هو اختصاص نسوي.. كنت حافية القدمين تلسعني برودة الأرض، أخذت لي مكانًا بين الصفوف، وأمرنا أن نقف وقفة مستقيمة، وأديرت أسطوانة الموسيقى، وارتفعت وبدأ العد التنازلي للرقص: يسار.. يمين.. ومن اليسار إلى اليمين.. والعكس يمين يسار.. ولفة للوراء.. وسقطت فاقدة كل توازني، والتفت الكل إليّ، وانفجروا ضاحكين، ونسوا في لحظة أنهم هنا كذلك ليتعلموا، ومنهن من كانت أسوأ مني، ساعدتني إحداهن على الوقوف، لنكمل الدرس، وضممت بعدها قدمي بجوار بعضهما مؤدية تعليمات المدرب، لا ألتفت، وإنما أحرك ما استطعت تحريكه وأنا واقفة في المكان نفسه، وبعد أكثر من ثلاثة أشهر تعلمت الالتواء كحية تبحث عن فريسة، في حين تتعاقب حركاتي المختلفة بتحريك كل ما استطعت أن أحركه من كتفيّ، وإذا تطلب الأمر قد أدخل ذراعيّ وعنقي ليكتمل تدفق انسجام الرقصة في سلاسة، وكلما تقدمت بخطواتي في التعلم، ازددت اعتقادًا أن الرقص الشرقي ليس، كما يعتقد البعض، أنه نوع من رقص العوالم والغازيات، بل هو فن من الفنون الذي تبلور تكوينه من ذلك الشعور الديني في العصور القديمة، وآثار مصر القديمة شاهدة عليه برسوماتها، حقيقة أول من لا يعلمها زوجي، الذي هو من ضمن أولئك الذين يفهمون الرقص على أنه وسيلة رخيصة لإشباع وجدان عينيه، وكل حاسة من حواسه الخمس، وبدا عقلي يغلي كإبريق شاي، كلما فكرت أنني هنا من أجل أن أصبح شبيهة بواحدة من تلك العارضات، وهو ينعم براحة البال، ولا يكلف نفسه شيئًا من المعاناة، ويعمل كذلك مجهودًا ليخلص من بدانته من أجلي، ويصبح شبيهًا لمهند، أو أي عارض من الرجال، وحان يوم انتقامي، فبعد أن نام طفلي الرضيع، ارتديت نفس «هلاليعي الطويلة»، وأقفلت التلفاز، وبدأت أرقص أمامه بلا موسيقى بكل ما أوتيت من جنون، اعتدل في جلسته من هول المفاجأة، وبدأ يترجاني بأن أكف عن هذا الجنون، نعم ما تفعله زوجته يسميه جنونًا، وما تفعله العارضات يسميه رقيًا وحضارة وذكاء خارقًا، ولم أكف لساعتين كاملتين عن الرقص، حتى جف ريقه وخارت قواه من المناشدة، وضاع رجاؤه، وحسم صراخ طفلي الأمر، فركضت وأحضرته، ووضعته له في حضنه، وأعقبت وأنا ألهث من هذا الركض الفرعوني: «أرضع الولد واعتن به، ولا تخبره أن والده مهووس بهز الوسط، وحين ترغب في المرأة التي اخترتها يومًا لأنها سلكت الطريق المستقيم وتربت عليه، لتشاركك حياتك، فلنا حينها بعدها كلام»، وانطلقت لألبس عباءتي وأغادر البيت، لكنه كان أسرع ووقف أمامي قائلاً: «هزي وسطك مرة يا امرأة شطبناها من قاموس حياتنا، فاتقي ربك»، لكن أتظنون أنه تاب واتقى ربه كما اتقيت، بل يحرص على أن يتابع عارضاته ومطربات نصف درجة من ورائي.
تحذير: الرجاء من قارئات «سيدتي» ألا تحذو واحدة منهن حذوي، وتقلدني في طريقة تصرفي مع زوجي، لأنه فعل فيه من خراب البيوت ما لا تحمد عقباه، فزوجي تلميذ نجيب، يستوعب أي درس ألقنه إياه، وقد لا يكون أزواجكن شبيهين بالسيد زوجي.