يشهد التاريخ أن المملكة العربية السعودية احتضنت منذ بداياتها، ولا زالت، أجناساً من شعوب مختلفة، عربية وغير عربية، من خلال تقديم أفضل فرص العمل في القطاعات المختلفة، إذ تهافت جمع غير قليل منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- للعيش في بلادنا، فوجدنا صوراً من التاريخِ لأشخاصٍ يقفون بالقرب من ملوكنا يرتدون أزياء بلدانهم، من منقبين عن النفط، إلى معلمين وأطباء، واكبوا مشاريعنا التنموية، فالتُقطت صورهم في المدارس ومحطات القطار والموانئ البحرية.
وبعد أعوامٍ تمت سعودة جنسيات متعددة ممن عاشوا على أرضنا وانخرطوا في حياتنا الاجتماعية، من تجار وقائدي طائرات وأطباء، ومن ربطتنا بهم علاقات النسب.
ومع التغيرات العالمية، وفي ظل تحقيق التنمية والتطور، ظهر نظام جديد في دول الخليج العربي لاستقطاب النخبة من المتميزين والمبدعين من شتى الدول، على اختلاف جذورهم، ضمن برنامج منح الإقامات المطولة، والتي اختلفت مسمياتها ما بين الإقامة المميزة، والذهبية، والدائمة، التي تعنى بتوفير الاستقرار المعيشي لأصحاب الكفاءات، مع تعزيز الأمن الوظيفي والعائلي، لأجل استمرارية العجلة التنموية، وضمن برامج الاستقطاب الحديثة أيضاً كان برنامج إقامة المستثمرين لزيادة المدخولات الاقتصادية جراء الاستثمار في مملكتنا.
وفي عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، وجه أمراً بفتح باب التجنيس بعد أن كان مقفلاً لأعوام، ولكن فتح الباب بتوجه مختلف، إذ يهدف إلى استقطاب أصحاب العقول الفذة في مجالات الطب والفن والثقافة والرياضة وتقنية المعلومات، لخلق بيئة مناسبة لتلك العلوم، وتعزيز عجلة التطوير لمن حسنت سيرتهم الذاتية في بلادنا وأظهروا ولاءهم لوطننا وحبهم للعلوم والابتكار.
سيعتقد البعض أن السعوديين بالدماء هم الأحق بمنافع الوطن من غيرهم، وأن الدم أكثر فداءً للوطن من العقل، ولم يدر بخلدهم أن ما قامت به المملكة العربية السعودية اليوم هو ما انتهجته الدول الإسلامية قديماً، وجميع الدول التي تسعى لدفع عجلة التقدم، وهو ما أحدث طفرة التطوير على مر العصور في كثير من المجالات العلمية التي مازلنا نعيش من جراء نتائجها ونظرياتها وعلومها إلى اليوم. فابن الهيثم، عالم الفلك والفيزياء، انتقل من البصرة إلى القاهرة، وابن البيطار من الأندلس إلى دمشق، والطبري من فارس إلى البصرة، والفنان التشكيلي الأسباني بيكاسو عاش وتوفي في فرنسا، والرحالة كولومبس الإيطالي استقر في أسبانيا، هكذا انتقل الفكر والإبداع لأكثر الأوطان رعايةً لها.
إن استقطاب العلماء والمبدعين نهج عالمي وتاريخي لمن يسعى للتقدم، والنظر إلى العالم والعلماء بانفتاح، بعيداً عن الطبقية والعنصرية، هي الرؤية التي تتجه نحوها بلادنا اليوم، لتحقيق النمو المتسارع في عالم البقاء فيه للأقوى علمياً، فبالعلم تبنى الدول وترتفع، لذا تظهر سعوديتنا اليوم بوجه جديد في منح الاستقرار والفرص والمستقبل الواعد للعلم والعلماء، وسيحفظ التاريخ للملك سلمان فتح هذا الباب، لتكون بلادنا حاضنة لعقول تسهم في دفع عجلة التطور عالمياً.