الإيمان .. رحلتك الداخلية

د. سعاد الشامسي 
د. سعاد الشامسي
د. سعاد الشامسي

الحياةُ بطبيعتها مليئةٌ بالهموم، يُزاحِمُها القلق والمتاعب.. وتُعثِّرُنا في مواقفَ لا تُحصى، ما بين حُزنٍ ويأس، تعبٍ وهلاك..

دمعٍ وخوف.. مليئةٌ هي الحياة بالشيء ونقيضهِ.. والإنسانُ هالكٍ ضعيف.. لا يُطيقُ تلكَ القسوة، وقلبُهُ ليس بالقوةِ ليحتملَ ثِقلَ المطرقة..

الحياةُ ثقيلةٌ نعم، وربما نراها غيرَ عادلة.. تختلُّ أحياناً الموازين، وتقع أعمِدةُ المَنطِق وتنكسرُ أطرافُه، فلا يبقى للعقلِ مِن سبيلٍ للتحمّل..

وكيف يتحمّلُ الإنسانُ ثِقلَ الحياةِ وخشونتَها، ودقاتِّها المُتتاليةَ فوق رأسِهِ، من دون أن يشعرَ باليأس، ويرغبَ في الانسحاب؟!

من أجل هذا خُلق الإيمان، نعم... الإيمان بالرحمن الرحيم.. الإيمان بوجود مَلِكٍ عظيمٍ يتصرف بِنا كما يشاء.. الإيمان بأننا ضُعفاء أمام عظمته، وأنهُ يرانا.. يكفي ذاك الشعور بأنك مسؤول مِن عظيمٍ قدير، وأن خيوطَك وأقدارَكَ وسُبُلَك كُلَّها بين يديهِ، يُحرِّكُها كيفما يشاء، إلى ما فيه خيرُك ونجاتُك..

الإيمانُ يا عزيزي وعزيزتي.. أن تؤمنَ باللهَ وقُدرتِهِ على تغيير حياتِك.. مهما كانتِ الظروف.. مهما صَعُبتِ الأسبابُ وتعقّدتِ الخيوط، وصارت الطُّرُق متشابكة، فهُناك من يراك، يسمَعُك، ويُمَهِّدُ لَك طُرُقًا للنجاة، فلا تيْأَسْ!

رُبّما الإيمانُ هو أكبرُ قوى مُحرِّكةٍ لكُلِّ شيء؛ فالإيمان يُعطينا طاقةً عظيمة، تُحرِّكُ فينا كُلَّ ساكن.. حين نيأسُ من الطريق، ونرى الحياةَ ظالمة، وتدمعُ أعيُنُنا على ما مضى، ونشعرُ بندمٍ فظيع..

يكفينا فقط قدرٌ بسيطٌ من الإيمان، حتى نعود إلى أنفسنا.. نُبعثُ للحياةِ مِن جديد، ونصنعُ لأنفسِنا طُرقًا للنجاة.. نعودُ لنستمتعَ بالحياة، لنصنعَ منها لوحةً جميلةً تُسعِدُنا رؤيتُها..

نعم.. إنهُ الإيمان بالله!.. نتحدث هُنا عن الإيمان بِكُلّ أطيافهِ وأنسجتهِ.. ربما كَلمة الإيمان في حد ذاتِها تعني الأمن.. الشعور بالراحة الداخلية، بقلبٍ ساكنٍ خالٍ من القلق والخوف..

الإيمانُ هو الطريقُ الصوابُ إلى الحقيقةِ المُطلقة؛ ألا وهي قُدرةُ اللهِ ورحمتُهِ بنا، ومُتابعتُهِ لمساراتِ حياتِنا.. فإن كان في الحياةِ راحةٌ فهي الإيمان، وإن كان في الدُنيا حقيقةٌ واحدةٌ ليسَ بها زيفٌ أو كَذِب.. فهي الإيمان.

وإن كان هُناك هدفٌ نبيلٌ نعيشُ مِن أجلِهِ، فهو الإيمان.. وأولى طُرُق الإيمان، هو الإيمانُ بُقدرة الله على نَجْدتِك مِن كُلِّ ضائقة، حين تقعُ في براثِن الهلاكِ وتظنُّ النهايةَ قادمةً لا محالة، ويتملّكُ قلبَكَ يأسٌ مُفرِطٌ لا تقدِرُ على إخمادِهِ..

حينها.. تأتي قدرةُ اللهِ ورأْفتُهُ، فيُلْقَى إليك طوقُ النجاةِ من حيثُ لا تحتسب!

ربما تأتيكَ النجدةُ الإلهيةُ وعنايتُهُ في صورةِ رِزق.. بابٌ واسعٌ من الرِزق يُفتح لأجلك..

أو رُبّما في صورةِ شخصٍ مُقرّبٍ يُهوِّنُ عليك الحُزن والوحدة، ويخففُ دموعَ عينيكَ بيديهِ ثم يجففها.

إذاً، تأتيك النجاةُ في صورٍ عديدة، بشرط أن تؤمنَ بأنّ الفَرَجَ قادِم، وأن العنايةَ الإلهيةَ لن تترُكَكَ بائساً وحيداً.. ما دام في قلبك ذرةُ إيمانٍ صادق..

الإيمانُ وما أحلاه، حين يكون خالِصاً من قلبِ مُؤمنٍ صادِق..

لا يبغي من الحياة إلا الشيءَ البسيط..