أسمع صوت نبض ضعيف، يختفي تدريجياً، يوصلونه أمامي بالأجهزة، يظهر خط متعرج، دليل العيش فقط، ما أظلم الحياة المادية، التي لا تبث روح الإنسان الحقيقية..
أجد جثة بجانبي لا يدري بموتها أحد بعد، فأسليها بالأسئلة من دون أن أنتظر الإجابة: هل تراودك الرؤية حول موتك، أنا تأتيني الغيمات كل ليلة لتنتشل روحي من هذا الجسد الغارق في الماء، ولكن يداً توقف المهمة، فأعيش بقلب منهك..
تعال أروي لك حكاية العمر مع هذا القلب الذين يحاولون إنقاذه أمامك:
بدأت الحكاية حين شعرت بملل مريع لا يُشفيه سوى الحب، فأخذت أبحث عمن تُحبني، لعلي أفتش فيها عن سبب يدعوني لمزيد من العيش، أسكن آخر طابق في البناية الممتلئة بنساء عاشقات يحكمن إغلاق نوافذهن حين يلمحن الرغبة في روحي، وقعت في حب إحداهن، فعذبتني بالحب، وأجلستني في مواقد النار، وكوت هذا القلب حتى اعترفت لي أننا نختلف في العرق والدين، وأن هذا الحب حرام وعلينا أن نقتلع قلبينا من الجذور، فاقتلعت قلبها واقتلعت قلبي، صنعت منه منفضة للسجائر، وصنعت من قلبي كرسياً هزازاً تمارس رياضة التأمل عليه..
وافترقنا، حين قاست المسافة بين الجسر والنهر، ومن وقتها أرى كل النساء جثثاً جميلة، فراشات قيد الفناء، وأسير بقلبها الذي أسأت استعماله، أروي لها أشعاراً يضيق بها قفصي الصدري:
منذ غيابك، هذه المدينة تعض قلبي كل ليلة
أنوار كثيرة، مواقد مشتعلة، نساء وحيدات، كؤوس فارغة.. ليال طويلة
وحدي أغسل بها قلبك
ألفه بشاش كان كفناً لموتى قبلي وأركض به لأقرب طبيب
على بعد مسافة سبع وعشرين جرحاً
يقول لي الطبيب: تحتاج إلى دعامات
أقول له: ألا يمكن أن أستمر به هكذا؟
يُجيبني باستحالة الأمر
فأفضل الموت به على أن يُصلح
أحبه هكذا، خردة تركها الأحبة
ورثٌ يتآكل في صدري لا أستغني عنك
أنظر إلى وجهي في الماء، أرى أن الماء أهل الدمع
الماء بارد على خلاف روحي التي تشع ناراً
أبحث عن النور، والإثارة في روحي
التي وجدتها ميتة
تعلو سرير شاهق
كلب وحيد يرتوي خمرة رخيصة ويأكل الخبز المتعفن
لا أعرف مجرى للسعادة ولا تأتيني رسائل منك
لذلك كل يوم أقرر الموت
وأودع جثثاً.. أودعها الحكاية بيننا
يحضر الطبيب، يتعجب من حالة القلب الذي يُعذب جسداً يأويه
فأقترح عليه: انزع سكين الحياة منه، وأرسلني لحيث لا يوجد عرق ودين..