"أما زِلتَ تضع آمالَك في غدٍ؟"...
فأُجيبُهُ:
باللهِ لا تَسَلْ إن كنتُ أنتظرُ هذا الأملَ أم لا؟
فأنا أنتظرُهُ بكل ما يحتويني من يأس..
بلِ اسْأَلْ كم قلباً يائساً حول العالم بنبض الأمل ما زال ينتظرُ رُغمَ سوداوية العقولِ البائسةِ مِن حولهم..
نعم لنعترفْ.. جميعُ القلوبِ تنتظر، بشر، مخلوقات، جنّ وإنس، جميعهم ينتظرون أمراً ما…..
والآن..
دعْني أنتزِعُ تِلكَ الغِشاوة المُبهمة من رؤوسِ كَلِماتي، وأنفِضُ السطورَالسالفةَ من غُبارها اللغوي، حتى تعِي ما أكُتُبُ، وأتنحّى جانِباً كي تَمُرَّالمعاني لعقولِ ناظريها، ربّما لستُ وحدي في تلك الباخرةِ العمياء، بل متأكد بأنني لستُ وحدي.
فالباخرةُ تسري في بحرِها الهائِج من دون قبطان، والركبُ على متنها ككومة قشٍّ، لا يقدرون على ثَنْيِ مسارِها.. مهما بلغت بوصلتُهم من القوة..
وإني لأتساءَل.. لِمَ تتغيرُ الأقدارُ وتسيردوماً ضِداً لنا، تُغوينا بالبداياتِ الرائعة، وتَعِدنا بطُرُقٍ مُمهّدةٍ وجنَّاتٍ تَعُجُّ بالسعادة، ثُمّ لا تلبثُ أن تتبدل أحوالها.. فتُلقينا بأطنان من الحجر..
نُحِبُّ ونفترقُ، وينكسرُ القلبُ بين فَكّي "المقصلة"، فنعجزُ عن الجهرِبمشاعرنا أمامَ أعيُنِ العالم، وآهٍ مِن قسوةِ تِلكَ الأعيُنِ المُترقبة، المُريبة.. تُطارِدُنا في كُلِّ نحوٍ وصوب، وتُكِنُّ لنا شيئاً مُرّاً...
وكلُّ عين تترقّب! تتصيّد! تنتظر! لماذا؟
أَلَمْ تُخْلَقي لأمرٍ آخر؟ بل لَمْ تُخْلَقِي لمراقبةِ الآخرين بل مراقبة ذاتِك.
فنراقبُ الآخرين ويراقبنا الآخرون ونُهدِرُ أوقاتَنا بعيداً عن رغباتَنا.
حزينٌ أنا.. على كُل لحظةٍ تُهدَرُ بعيداً عن أقلِّ رغباتي، ممنوعاً مِن حقوقي العاطفيةِ بالحياة، وكأنَّ السماءَ قررتْ مُعاقبَتي على الحُلم، كسائر البشر..
وما الضّير في أن أحُلمَ بشيء من السعادة، الراحة، والحُب.. نعم الحب بل العشق والجنون؟
ما الضّيرُ في أن أُعلم قلبي أبجديات الحب ليعشق، ليحيا، ليستمر، ولَما خُلقتِ القلوبُ فينا إلاَّ لتعشق!
قد قال جلالُ الدِّين الرومي:
لا تَكُنْ بلا حُبٍّ.. كي لا تشعرَ بأنّكَ مَيّتٌ، مُتْ في الحبِّ وابقَ حَياً للأبد.
نحيا بين ذكرياتٍ جميلةٍ على أملِ أن نستمرَّ مع من يشاركُنا تلك الذكريات ولكن……
حزينٌ أنا.. على كُل إنسانٍ يُشاركُني تِلكَ اللحظاتِ التَعِسة، والأفكارَ البائسة، حول ماهيةِ حياتِنا وجدواها، حول ذاكَ الشيءِ السعيدِ الذي ننتظرهُ لسنوات..
لكنّهُ لا يأتِي أبداً.. وإن أتى نتذمر، نشتكي، كأن قلوبَنا تخشى السعادة والفرحَ والابتسامة.
ربّما تحجُبُ عنّا الأقدارُ كُلَّ حُلو، لتزيدَ مِن لهفتِنا في هذه الحياة.
تدفعُنا لنسعى بحثاً عن الخيطِ المفقود..
وتَحُثُّنا لنتحركَ في كُلِّ اتجاه، حتى نلتَمِسَ الطريقَ الصحيح..
مِنْ حُبٍّ…. مِنْ حياة
فنخطو فيه على عُجالة، نحو كُلِّ ما قضينا سنواتٍ نبحثُ عنهُ..
لَكِن.. إلى متى أيها العالَم؟ إلى متى ينبغي علينا أن نتحملَ هذا العناء، ونُعيدَ شحنَ طاقتِنا كُلَّما نفدت؟ إلى متى سنظل نكذبُ على أنفُسِنا كِذْباتٍ مُلفقة، كيلا ندع فُرصةً لتِلكَ المشاعرِ المُضطربةِ للسيطرةِ علينا؟
الأمرُ أصعب من أن تشرحهُ كَلِمات...
لكل عين تراقبنا.. سؤال