فترة العزل أو الحجر الصحي التي يعيشها العالم اليوم بسبب جائحة كورونا لم يحدث لها مثيل منذ قرن؛ حيث يراها الكثيرون مصدراً لتعطل الحياة والملل والفراغ واللا شيء! ولا تقتصر هذه الأحاسيس وما خلفها من سلوكيات على مكان دون آخر، وعلى الرغم من صعوبتها؛ وجد البعض فيها نافذة أمل تساعده على إتمام بعض الأمور التي جلبت لهم شعور الرضا الذاتي.
من هذا المنطلق، التقت «سيدتي» بعض الشباب والفتيات؛ ليُخبرونا عن تجاربهم الإيجابية في فترة العزل.
كتاب وتحديات إلكترونية
مروة ناضرين، صانعة محتوى ومديرة أعمال، تقول: «منذ بداية هذا العام، حوّلت عملي ليصبح إلكترونياً؛ كي أستطيع التنقل بحرية، فأصبحت معتادة على البقاء في المنزل والعمل عن بُعد، لم يتغير عليّ سوى الروابط الاجتماعية من خروج مع الأهل والأصدقاء وتمّ استبدال مكالمات الفيديو بها؛ ما ساعدني على إتمام كتاب مجاني يهتم بتعزيز الوجود في الشبكات الاجتماعية، وقمت بتحدٍّ إلكتروني والآن أعمل على تحدٍّ آخر».
استثمار للقلب والنفس
تقول «رباب آل هنيدي»، صانعة محتوى ومدربة رياضية: «خلال فترة العزل، وجدت نفسي في صراع: هل هذا الوقت هو وقت العمل والإنجاز أو الراحة والاسترخاء؟ وقررت استغلاله لتحقيق الهدفين، فجدول العمل والإنجاز يشمل القيام بممارسات لتعزيز الشعور بالامتنان مثل شرب كوب قهوة لذيذ، تناول فطور مشبع، وقمت بالتسجيل في دورتين إلكترونيتين إحداهما رياضية والأخرى في مجال التنمية البشرية، بوصفي صانعة محتوى أقوم بمشاركة الآخرين روتيني اليومي وطرح أفكار قابلة للتطبيق، أما جدول الراحة فيشمل: النوم العميق، ممارسة اليوغا، القراءة ٢٠ دقيقة، وكتابة صفحات الصباح، إضافة إلى إنجاز المهام المعلقة مثل الانتهاء من كتابي عن التغذية الرياضية»، مؤكدة أن هذه الممارسات تساعد على خلق القبول للنفس والتخفيف من المشاعر السلبية، كما أنها استثمار للقلب والنفس واللذين يعتبران مركزاً للحب والوعي.
تركيز عالٍ!
خلود بادحمان، كاتبة ومدربة في مجال الوعي النفسي، ترى أنّها فترة تركيز عالٍ؛ لأن الأشخاص في حالة استكنان وثبات في مكان واحد، لذا هناك هدوء يساعد على التركيز؛ ما ساعدها على إنجاز الكثير، حيث استطاعت كسب المعارف في المجال التقني من خلال دورات إلكترونية، وقامت بتصميم كتابها «تنفس حلمك»، كما بدأت بإعداد برنامجين «تجارب خلود، ومذكرات الإرشاد»، وحرصت على تجنب موجة المشاعر السلبية التي قد تنتج عن متابعة الأخبار، فكانت تطمئن نفسها بأن البقاء في المنزل واتباع الإجراءات الاحترازية ووجود جهات مختصة بالأمن الصحي والغذائي، كافية لإبعاد شبح التوتر.
قراءة وأبحاث وحملات إلكترونية إنسانية!
أحمد النسي، طالب المرحلة الثانوية، تمكن من قراءة أحد عشر كتاباً خلال شهر واحد، ويطمح للمزيد؛ حيث يرى أنّ القراءة تساعد في عمليات الفهم والتحصيل الدراسي وتنمية الذكاء والقدرات العقلية.
من جهة أخرى يقول مصعب الشيخ صالح، إعلامي وكاتب صحفي: «في ظل العمل من المنزل، وجدت فراغاً كبيراً يهدد بتحول الوضع النفسي إلى قلق واكتئاب؛ لذا قمت بتنظيم حملة إطعام وافد عبر شبكة تويتر، ولاقت الحملة إقبالاً ممتازاً من جميع الدول الخليجية، قمنا بتوزيع مواد غذائية تكفي نحو ٢٥٠٠ وجبة لما يقارب ٢٥٠ عاملاً عن طريق متطوعين، وذلك بالتنسيق الإلكتروني والهاتفي بين المتبرعين وبين الحالات الإنسانية، كذلك قضيت بعض الوقت في مساعدة طلبة جامعيين لإنجاز أبحاثهم، وتوجيههم لآلية حلها والحصول على المصادر الصحيحة».
الرأي الاجتماعي
يرى المستشار الأسري والاجتماعي، صادق ياسين، أن المجتمع -بلا شك- يمر في هذه الفترة بظروف خاصة نتيجة الوباء، إلا أنّها فرصة حقيقية وثمينة للراحة والاسترخاء ومراجعة الحسابات وإثبات الذات، وإتمام بعض الأمور التي تمّ تسويفها بحجة الانشغال الدائم؛ فهذا الأمر سينعكس إيجاباً على نفسية الفرد من خلال إحساسه بأنّ الوقت لم يَضِعْ سدًى؛ فلا مانع يعوق الإبداع، وهناك أبعاد على المجتمع؛ حيث سيكون هذا الفرد بمنزلة حافز ومشجع للآخرين على استثمار جزء من أيامهم في العزل.
إنجازات تاريخية في الحجر
عبر التاريخ، هناك العديد من المبدعين أنجزوا أحد أعمالهم الخالدة في أثناء فترات الحجر الصحي وانتشار الأوبئة:
- في أثناء تفشي الكوليرا بين عامي 1892 و1899م، استطاع الكاتب الروسي الشهير «أنطون تشيخوف» من كتابة أشهر قصصه القصيرة، بما في ذلك الغرفة رقم 6 والراهب الأسود.
- الطاعون الذي اجتاح لندن، بين سنتي 1665 و1666م، مكّن الكاتب الإنجليزي «جون ميلتون» من كتابة عمله الملحمي «الفردوس المفقود».
- ألكسندر بوشكين، تمكن من إتمام بعض أعماله الكلاسيكية ورائعته التراجيدية «يوجين أونيجين» في أثناء تفشي وباء الكوليرا وفي فترة من التباعد الاجتماعي، حيث انعزل في منزل عائلته بموسكو.
- أخيراً، من الطريف الذكر بأن التفاحة التي رسمت خارطة حياة إسحاق نيوتن، سقطت عليه في أثناء فترة الاسترخاء، وفي وقت توقف الدروس في جامعة كامبردج نتيجةً للطاعون!