يعد الدكتور فريد المريني من أشهر الأطباء النفسانيين بالمغرب له كتابات باللغة الفرنسية في قضايا ثقافية واجتماعية متنوعة، إلى جانب تخصصه في الطب النفساني، حيث سلط الضوء على عدد من الإشكالات النفسية خلال فترة الحجر الصحي، كما تتبع حالات عانت نوعاً من فوبيا الحجر والاضطراب الذي خلقته جائحة كورونا. سيدتي التقته بعدما اقترب موعد رفع الحجر في المغرب، خاصة وأن عدداً من الناس تخوفوا من العودة إلى حياتهم العادية.
اجتياز المرحلة
يعتبر الدكتور الأخصائي في الأمراض النفسية والعقلية أن التعامل مع رفع الحجر الصحي مرتبط بكيفية اجتياز مرحلة الحجر نفسه، فهناك من اجتازه بشكل جيد وآخرون العكس عانوا الأمرين بسبب الخوف من الإصابة والهلع الذي جعلهم في حالة اكتئاب مستمر وضغط نفسي رهيب، ويجب العلم أننا خلال الحجر مررنا بعدة مراحل أولها فترة الذهول والتساؤل عن كيفية التعامل مع الحدث وصعوبة تدبير الأمر، وبعدها جاءت مرحلة التأقلم مع الوضع على مستوى العائلة وعلى مستوى العمل، حيث أناس كثيرون اشتغلوا عن بعد من منازلهم، وهكذا عدد هام من الناس استطاعوا تدبير هذه الأزمة بشكل جيد، وهذا ما لاحظته، كما يقر الدكتور المريني من خلال عدد من زبائني الذين ظلوا على تواصل معي، تأقلموا مع الوضع الجديد وتحملوا اللحظات الصعبة، فالتخوف بالنسبة لنا خلال مرحلة الذهول والتأقلم هي تبني فعل وقائي ضد أعراض الاضطراب مابعد الصدمة stresspostrhaumatique
فهناك بعض الناس لم يتمكنوا من تحمل الوضع والتغيير الذي ظهر في حياتهم بشكل مفاجئ وعاشوا اضطرابات كثيرة وصعوبة في تقبل الوضع، وهذا ما عشناه من خلال تتبع حالات مرضية في فترة الحجر لم تتمكن من التخلص من الإحساس بالهلع والخوف، وهو الخوف الذي سيستمر حتى ما بعد رفع الحجر.
ويواصل الدكتور المريني حديثه مع سيدتي نت ليقول أولاً بالنسبة للناس الذين عانوا ويعانون من صعوبات الحجر الصحي، يجب أن نعلم أولاً أن قليلاً من القلق والخوف والضغط النفسي أمر عادي، وكثيراً مايتم تجاوز هذه المرحلة الأولى من الخوف. وفيما يتعلق برفع الحجر فهو أيضاً يتطلب اشتغالاً على النفسية للتأقلم مع وضع آخر وهذا لايعني أن الناس سيتكيفون بسرعة مع وضعية جديدة في حياتهم، ولابد من أن يتم احترام الإجراءات الوقائية والصحية مثل الحفاظ على مسافة الأمان وغسل اليدين باستمرار ووضع الكمامة، هي كلها تدابير يجب التعامل معها والتعود عليها مدة طويلة واستحضارها يومياً في السلوك اليومي. ما قد يخلق الرهاب لدى البعض. فالتقليل من هذا الخوف يتطلب التحلي بروح المسؤولية الجماعية والالتزام بالاحترازات الوقائية، فحينما لايحترم البعض الإجراءات الصحية، حيث قد يعود الى حياته العادية بلا أي إجراء وقائي في الأماكن العمومية ويكون غير مبال بالنظافة أو وضع كمامة في المرافق العمومية، هذا التعامل غير المسؤول، قد يذكي قلق الكثيرين من انتشار المرض ويوقعهم في التوتر النفسي الذي سيعيق حتماً حياته اليومية. لذا يجب على الجميع أن يكون مسؤولاً عن صحته وصحة الآخرين، ويعي أن رفع الحجر لايعني العودة إلى حياة عادية مائة بالمائة.
ويلخص الدكتور الآثار النفسية الناجمة عن رفع الحجر، هي نفسها التي قد يكون تسبب فيها الحجر، أي ما يسمى بأعراض الاضطراب ما بعد الصدمة التي تؤدي إلى توتر دائم وأرق وصعوبة في التأقلم مع سير الحياة العادية، أي قد لا يجد البعض وسيلة للخروج من هذا الاضطراب وتصبح نفسيتهم محصورة، وتدور فقط في فلك المرض، وما قد يقع ولا يقع والخوف من الإصابة بخطر الكوفيد.
علماً بأن خلال الحجر تقع مشاكل مختلفة من قبيل العنف الزوجي الذي تصاعد أحياناً في عدد من الأسر والمواجهات مع المراهقين الذين قد لا يتقبلون في هذه المرحلة من عمرهم الاصطدام بسلطة الآباء، مما خلق توترات قد تلقي بظلالها حتى ما بعد الحجر الصحي، فالالتزام بسلوك جيد في الحجر قد يثمر علاقات جيدة سليمة بعد رفع الحجر، لكنها للأسف قد تزداد سوءاً حتى بعد انقضاء الحجر.
ويؤكد الدكتور المريني أن المرحلة هي درس مهم علمتنا نوعا من الرجوع إلى أنفسنا والتفكير في العالم وكيف هو الآن، وهي لحظات تأمل في علاقتنا يبعضنا البعض كبشر في ارتباطنا بتعاملاتنا اليومية وفي علاقاتنا بالنظام الليبرالي وطاحونة الاستهلاك التي لم تمكننا من الانتباه لأنفسنا ولا للناس الذين نحبهم ولا للكرة الأرضية. اعتقد يضيف الدكتور، أن هذا الوباء جعلنا ننتبه لكل الأخطار المحدقة بنا، وأرى أن قيماً جديدة تتأسس في جميع مناحي الحياة على المستوى الفردي والسياسي والإعلامي، وعلينا أن نطرح الأسئلة الحقيقية والاستفادة من هذه الأزمة التي هي صحية، وأيضاً الأزمات التي ستليها اقتصادياً واجتماعياً، كل هذه الأزمات ستعمل على خلق وإعادة بناء قيم أخرى تتلاءم أكثر مع الإنسان ومع مستقبل أبنائنا وأبناء هذا الكون، إنها لحظة حاسمة في تقديري واعتبر أن القيمة الأساسية التي كانت ظاهرة للعيان في الفترة الأخيرة هي قيمة الصحة، وحان الوقت لإعادة منح الأهمية سياسياً واقتصادياً للبعد الصحي والعلاجي، حيث لمسنا مدى أهمية هذا البعد في هذه الجائحة الذي أخذ الأولوية القصوى، وحين أقول الصحة فأعني العودة إلى الصحة الفردية، ولكن أيضاً وضع الإنسان في قيمه وجعلها في قلب اهتماماتنا، ليعانق الوطن قيماً أساسية وحيوية تنبني عليها الأجيال في المستقبل.