يبدو أن كثيراً من رموز التاريخ والفن قد وقعت ضحية لحادث مقتل المواطن الأمريكي الأسود (جورج فلويد)، الذي قتلته الشرطة بطريقة عنصرية ولا إنسانية، كانت حديث مواقع التواصل الاجتماعي على مدى الأيام الفائتة، ما دفع الآف الناس حول العالم للتظاهر رافعين شعار Black Lives Matter (أرواح السود تهم)، ومطالبين بأن لا يكون فلويد اسماً آخر يضاف إلى أسماء ضحايا العنصرية، وأن يكون موته حافزاً لإعادة النظر في بعض القيم الاجتماعية ومحاولة تغييرها.
الفيلم يثير حفيظة النقاد
وكان من ضمن مطالب المتظاهرين التخلص من بعض الرموز التاريخية والفنية وعدم التعامل معها كأيقونات، لأنها عنصرية وتشير من قريب أو بعيد إلى السود بطريقة غير لائقة وخالية من الاحترام، أو لأنها تؤرخ لفترة العبودية يوم كان السود يُباعون ويُشترون في أمريكا وغيرها، وقد كان الفيلم السينمائي الشهير(ذهب مع الريح)، الذي أُنتج عام 1940 هو واحد من الرموز التي وقعت ضحية هذا الحراك، حيث قامت منصة HBO Max الأمريكية الشهيرة برفع هذا الفيلم من قائمة الأفلام السينمائية المتاحة للجمهور من خلال اشتراك شهري، وقد جاء هذا القرار بعد أن انتقد بعض الإعلاميين المفاهيم العنصرية التي يطرحها هذا الفيلم، ومنها تمجيد العبودية وتكريس الصورة النمطية عن السود وعدم التعامل معهم كبشر، وإنما كممتلكات خاصة تعمل في المزارع كما تعمل الدواب، وقد فعلت الشيء نفسه شركة (وورنر) التي سحبت الفيلم من قائمة العروض السينمائية، التي كان من المقرر عرضها هذا الشهر على أكبر الشاشات في باريس، وكان الجمهور على موعد مع هذا الفيلم الأيقوني في الثالث والعشرين من هذا الشهر، ولكنهم ألغوا العرض؛ خوفاً من ردود الفعل الغاضبة، كونه يتحدث عن زمن الرق والعبودية في الجنوب الأميركي خلال الحرب الأهلية الأميركية التي اندلعت في السنوات (1861- 1865).
ذهب مع الريح أول الضحايا والبقية تأتي
وفيلم (ذهب مع الريح) Gone with the Wind هو أنجح فيلم في تاريخ السينما على الإطلاق وواحد من أهم ما أنتجته أستوديوهات هوليوود من كلاسيكيات، وهو مأخوذ عن رواية بنفس الاسم للكاتبة (مارغريت ميتشل) (1900- 1949) التي وُلدت في مدينة أتلانتا في ولاية جورجيا، وعملت في الصحافة وكتبت روايتها الوحيدة التي لاقت نجاحاً لافتاً عند نشرها عام 1936، وقد وجد المخرج نفسه في محنة وهو يبحث عن ممثلة تؤدي دور (سكارليت) في الفيلم، ووقع اختياره أخيراً على البريطانية (فيفيان لي) مع بطولة رجالية للنجم (كلارك كيبل)، وكان النجاح مدوياً عند عرض الفيلم في أمريكا عام 1940، ثم في دورالعرض العالمية، وقد وصلت إيرادات الفيلم إلى أكثر من 400 مليون دولار في ذلك الوقت، بما يعادل المليارات في حسابات هذا اليوم، كما حصل على تسع جوائز أوسكار في نفس عام إطلاقه في دور السينما، ولم يواجه الفيلم طوال هذه السنين أي نوع من الانتقاد أو الاتهام بالعنصرية، خاصة أن الممثلة الثانوية في الفيلم (هاتي مكدانيال) كانت سوداء، وقد حصلت على أوسكار أفضل ممثلة ثانوية، وظهرت كامرأة ذات شخصية قوية ولها كلمتها وسطوتها، ولكن يبدو أن هذا الفيلم سيكون أول الضحايا وستتبعه أفلام أخرى، خاصة أنه ليس الوحيد المتهم بتجاهله لمعاناة السود واكتوائهم بقسوة العنصرية.