ربما اسمه يثير الضحك والفضول لكل من يسمعه، ولكنه في الواقع عبارة عن ممر ضيق معبأ برائحة البخور والعطور والموضات....و الزحمة
زنقة الستات ..هذا الممر الذي يقع في وسط مدينة الإسكندرية وفى أحد أقدم أحيائها العتيقة..مظهره يبدو غريبا ببلاطاته القديمة التى حُدث جزء منها، ومحلاته الصغيرة التى لم ينجح الزمن فى نثر غبار الحداثة فيعيد تشييدها وهندستها أو حتى توسعتها، وبمحلاته المتراصة المكدسة ببضائع ومرتجعات ومنتجات لكل الفتيات، وأسرار وحكايات وإكسسوارات ونوادر و"إفيهات" لكل الستات..
تابعوا المزيد: ملاهى البسطاء فى العيد تحافظ على الأراجيح التراثية بعيدا عن تكنولوجيا الحداثة
زنقة الستات وبداية غريبة لسوق
يقول الباحث أحمد الطويل لهذا السوق بداية غريبة، فقد كان إسطبلا لخيل القوات الفرنسية المحتلة، منذ ما يقرب القرنين، ثم بعد ذلك تحول مع الوقت إلى سوق للتجار المغاربة بتدكاكينه الغريبة، فكل محل كان اصطبلا لأحد الخيول، وكان تجاره ممن هاجروا إلى الإسكندرية واستوطنوا في هذا المكان وعرضوا منتجاتهم، ليبدأ المصريون المشاركة في عرض بضائعهم في السوق، ثم تبعهم الرومان واليونان، ليظهر السوق كالحية الأفعوانية تتلوى يمنيا وشمالاً بغير نهاية، وبدأ يتفرع منه محلات صغيرة كذلك على الرغم من صغره..
السوق الحالى
كان التجار يبيعون مستحضرات التجميل وأدوات الزينة كالمكاحل وأحمر الشفاة، والبودرة إلى جانب وصفات التجميل، والعطور ووصفات الطب الشعبي البدائية، وحليات المناديل المطرزة بالترتر وخرج النجف وإكسسوارات "الملايات اللف"، و"البراقع" و"المنديل بأوية"، و"اليشمك" و"خيوط الطاقية الشبيكة" ، و"زر الطرابيش" وغيرها من عناصر الموضة فى ذلك الزمن.. ومع تقدم الوقت اختفى المغاربة وبقيت تجارتهم وظل السوق خاصا بالنساء واحتياجاتهم واهتماماتهم وكل ما يثير انتباههم.
زنقة مزنوقة أم أحجية المتاهة فى بيت جحا..
وعن هندسة السوق يقول: يشبه السوق من الداخل "بيت جحا" فأنت تدخل من مدخل لتخرج فتجد نفسك بمدخل آخر ومكان آخر يبيع منتجات أخرى، وكأنها المتاهة. ففي هذا الممر الضيق المتشعب، الذي لا يزيد عرضه عن نصف المتر ، تجد العديد من المداخل والمخارج ، منها مداخل من سوق ليبيا وسوق الميدان 'سوق الخضار' وسوق الترك ومن أشهر تلك المداخل، ومدخل بوابه شارع فرنسا أو سوق الذهب والتي تحاط ببوابة كبيرة من الحديد المشغول صنعت في تلك الحقبة حتى تكون بوابة أمان لكل من تسول له نفسه الاقتراب من محلات الذهب العتيقة.
يقول أحمد الطويل : على الرغم من ضيق شارع الزنقة إلا أن التجار يعرضون منتجاتهم الفريدة في فترينات زجاجية أفقية ورأسية خارج المحال الصغيرة المتلاصقة المتراصة بجانب بعضها البعض أو يعلقون بضائعهم المدهشة وعلى احدث صيحات الموضة على وحدات عرض خارجية تتدلى من أعلى فتصطدم برؤوس المارة أثناء سيرهم فى الممر الضيق المزنوق...
تابعوا المزيد: فى الإسكندرية تماثيل تتحرك وتعود فى حلة جديدة
مواكبة الموضات والصرعات
تتبارى المحال الصغيرة والدكاكين ذات الحجم الواحد واللون الواحد فى طريقة عرض لوازم الخياطين ، ومستلزمات الخياطة، والتطريز، الخيوط، والكلف، والزراير، والمحابس، وشرائط ستان، والأقمشة، والستائر، وغيرها من مستلزمات العناية بالجمال والبشرة ومستحضرات التجميل والإكسسورات التجميلية والتصنيعية بكافة ألوانها وأشكالها وماركاتها لإرضاء جميع الأذواق، فمن هذه المحال الصغيرة المتلاصقة تخرج صرعات الموضة بأحدث خطوطها وأشكالها لتُعرض في كبرى المحال بالقاهرة والإسكندرية، فالزنقة هى العميل السرى لبيوت الأزياء المصرية ...
زنقة الستات شارع يتحول لايقونة درامية
مخرج الأفلام الوثائقية احمد نبيل نجيب يقول : اشتهرت الزنقة مطلع القرن الماضي عندما ذاعت شهرة أشهر ثنائي نسائي إجرامى ، "ريا وسكينة" واللتان كانتا تعملان في مهنة الدِلالة، التى تقوم على شراء الأقمشة من تجار الجملة وبيعها للزبائن في منازلهم، وقد كانتا تجتذبان الضحية من الزنقة ، بإغرائها بما تحمله من أشكال وألوان من الأقمشة المختلفة، وما أن تقع الفريسة حتى تُجهزا عليها فتقتلانها وتسرقا مصاغها بعد استدراجها إلى بيتهما في منطقة اللبّان .
تحولت الزنقة منذ هذه الحادثة لأيقونة درامية استغلها صناع الدراما ومبديعها فى العديد من الاعمال الرائعة مثل مسرحية ريا وسكينة لشادية، و فيلم الصاغة لفيفى عبده ، ومسلسل زيزينيا ليحي الفخرانى وصايع بحر لأحمد حلمى، ومؤخرا فيلم زنقة الستات لحسن الرداد.
تابعوا المزيد: حلقة الأسماك بالإسكندرية 200 عام من السحر والفن