«الزواج سنة الحياة» كما يُقال، ورابطة أسريَّة مقدَّسة، وكيان اجتماعي قائم على مبدأ الحبِّ والمودَّة والسكن، كما أنَّ أعظم فرحة تنتظرها المرأة على أحرِّ من الجمر، وتعد لها بشغف هي «ليلة العمر»، لكن ماذا لو كانت المرأة حماة ؟! هل يحظى هذا النوع من الزيجات بقبول المجتمع، الأبناء والأقارب؟ هل يُنظر له من جانب فكاهي كـ«مراهقة متأخرة» أم يُــقابل بالرفض والاستنكار في العُـرف الاجتماعي؟. في ما يأتي نسرد لكم بعض الحكايا.
تروي لنا فاطمة الشريف (27 عاماً)، سكرتيرة طبية في مجمع عيادات، قصة حيرتها مع حماتها، إذ تقول: «لمست في حماتي تغيراً مفاجئاً، أصبحت تدللني، خاصة عندما تزورني أخواتي، لا تعتزم الخوض معي في أي مشاكل، وتبادرني بالكلام الرقيق، وذلك عكس طباعها تماماً، إضافة إلى أنَّها أصبحت رفيقتي الدائمة في مناسبات عائلتي الكريمة، ترتدي أجمل الموديلات العصريَّة، ولم أرغب بسؤالها عن سر كل ذلك الاهتمام، فتحدثت فيه مع أختي الكبرى، إذ سألتها عن أحوال الوالد بعد طلاقه، واستطردت: ولماذا تتركونه وحيـداً؟ فأجابتها أختي أنَّه ينوي استعادة شيء من شبابه، وبحكم قدرته المالية خطب إحداهنّ، وتذكر الراوية: فور عودتنا إلى البيت استدعتني حماتي إلى غرفتها، وأطلقت صرختها المدوية، «لا تملكن الذوق، تنقصكن الخبرة في الحياة، لا تدركن شيئاً عن أمر والدكن، حسبنا الله ونعم الوكيل لم أكن لأتكبد عناء الزينة والرايح والجاي».
جميلة الجميلات
ويخبرنا (أ. ك – 35 عاماً)، موظف في إحدى الشركات القابضة، عن قصة حماته ومعاناة أبنائها معها، إذ يقول: «هي خمسينية، وأجمل أخواتها، كما تحب أن تبدو شابة نضرة، أحبَّت أحدهم وتعلقت به كثيراً، وذات يوم زفت البشرى إلى ابنها الأكبر: سيأتي أحدهم إلى خطبتي اليوم، أود أن أستقر، ممكن تقابله؟ تعجب الابن ثم حاول أن يدرك سبب هذه العلاقة هل ينقصها الاهتمام من قِبل أبنائها، فناقشها، لكن لقوتها لم يقو أن يُكمل، وقابل العريس الجديد مغلوباً على أمره، أتمت مراسم زواجها في عمارتهم الخاصة، ولكن يا فرحة ما تمـت، انفصلت عن عريسها، ثم عادت إليه ثم تطلقت طلاقاً بائناً في المرة الثانية، وتزوجت أحدهم، وتطلقت، وكل ذلك في غضون 3 سنوات فقط»!
صديق ابني حبيبي
مهند الباشا (37 عاماً)، فني في شركة تقنية معلومات، يخبرنا عن تجربة حماته، فبعد أن تطلقت من زوجها الأول وهي في عمر 48، وقد أنجبت فتى وفتاة واحدة، وكانت معلمة في إحدى مدارس جدة الثانوية، طلبت من ابنها أن يبحث لها عن سائق أمين، وكان السائق صديق ابنها، تغدو صباحاً في أجمل حلتها وتعود إلى منزلها وهي فرحة، تعجبت ابنتها الوحيدة، التي كانت لاتزال فتاة تسكن مع أمها، من سبب انشراحها الدائم فأجابتها الأم قائلة: الله فتحها في وجهي، وستسمعين خبراً يسركِ قريباً، حتى أتى اليوم الذي باغتها فيه السائق الجديد باعتذاره؛ لأنه وجد عملاً أفضل، تذمرت، واشتكت، وتوسلت إليه ألا يتركها، وصارحته بحبها، تعجب الشاب وتركها تمضي إلى البيت، لكنها بدأت تطارده بالرسائل النصية، نوت أن تخبر ابنها، إذ ذهبت في اليوم التالي على عجل وأبلغت ابنتها أنها تريد ابنها في حديث فردي خاص، وأخبرته عن أمر حبها العفيف كما تقول، وأنها تريده على سنة الله ورسوله، يُذكر أن ابنها لم يمانع مطلقاً وقال: أول مرة أرى أمي جريئة! الغريب في الأمر أن صديق ابنها بادلها المشاعر ذاتها وتزوجها فعلاً».
زوج وإن كان مستورداً
وتصف (م. السقاف- 27 عاماً)، خريجة إدارة أعمال، قصة حماتها من زواجها الأول، وشيء من البسمة ترتسم على شفتيها، إذ تقول: «بعد عودتي من شهر العسل لاحظت اهتمامها الكبير بابنها، تطهو كل ما لذ وطاب من المأكولات، إلى أن أتى اليوم الذي شكا فيه الابن اهتمام أمه المبالغ فيه لخاله، فنصحه أن يخلق قصة رفضه لخاطب تقدم إليها، ويبرر ذلك بأنها إنسانة وقورة، كبيرة في السن، وفية لزوجها، ولا ترغب في الزواج مرة أخرى، وأنك كذلك لا تستطيع الاستغناء عنها، فطبق الابن نصيحة الخال، استشاطت غضباً، وثارت كالبركان ورددت: من أمرك برفض الخاطب، أنا أمك، وتعبت فيك، وحقي الآن أن أستمتع بما تبقي من حياتي، أتستكثر عليّ زوجاً وأنا زوجتك بفتاة من أجمل الفتيات، وها أنت في رغد الآن، أحضر لي زوجاً الآن وإن كان مستورداً من الخارج، وما أن هدأت حتى أخبرها أن ذلك مقلب، وأنه لن يمانع زواجها مطلقاً إن تقدم لها أحدهم طالما كان ذا خلق ودين».
سكن واستقرار
ويقول أبو القاسم، 36 سنة، مدير مالي في إحدى الشركات: حماتي مدرسة لغة عربية، بعد أن استقر كل من أبنائها وبناتها، واطمأنت إلى أحوالهم، وبعد وفاة زوجها بـ11 سنة، قررت أن تتزوج مرة أخرى، ذات يوم حاولت معرفة رأي ابنها الأكبر ذي الـ27 سنة، فأتت إليه بعين يكسوها الخجل، إذ قالت: صديقتي امرأة عاقلة زوجت أبناءها وانفض كل منهم يسعى في حياته، هي الآن تريد أن تستقر وفي مدينة قريبة منهم، تريد أن تأخذ رأيي وتخاف من نظرة المجتمع لها ونظرة أبنائها بالدرجة الأولى، ويستطرد أبو القاسم قائلاً: ولكن ابنها ذكي أيضاً وفهم أنها تتحدث عن نفسها فرد عليها: حذري صديقتك من ذبح ابنها لها، فكلام الناس لا يرحم.
يذكر الراوي أن الفتيات وقفن في صف أمهنّ في الزواج، وأقنعن الذكور بذلك، وأثناء استعدادها للزواج ذكرت الحماة أنها تريد أن تسافر لشهر العسل، وتريد «سواريه» ثوباً للزفاف.
الرأي الاجتماعي
أحمد فوزي، اختصاصي اجتماعي في مدينة البعوث بالقاهرة، يذكر أن نسبة نجاح أو فشل هذه الزيجات يعتمد على تقبل البيئة والمجتمع، فمجتمعنا الشرقي لا يُنصف المرأة غالباً في هذه الحالات، وذكر أن أسباب هذه الزيجات تختلف أيضاً من مجتمع إلى آخر، فالمرأة في المجتمع الغربي قد تلجأ إلى البحث عمـّن يساعدها فيما تبقى من عمرها، أو تجنباً للعيش في دار المسنين في بعض الأحيان، أما المرأة الشرقية فنادراً ما تلجأ إلى الزواج في هذا العمر، وإن حدث ذلك فإما أن تكون ميسورة الحال، أو تخاف الوحدة في خريف العمر المتبقي، فالاحتياجات النفسية هنا مقدمة كثيراً على باقي الأسباب، ولا توجد مراهقة متأخرة للنساء بعد الخمسين عاماً. وأضاف: أنا أشجع هذه الزيجات عند تكافؤ الطرفين مادياً وفكرياً، وأرى أنها ستحدث خللاً في المجتمع إذا اتجهت النسوة إلى استقطاب الشباب الأقل سناً بحكم المقدرة المالية.