يحدث أن تكثُر المشاكل بين الوالدين وقد ينفصلان، ويحدث أن تزيد ساعات عمل الأب فيغيب عن البيت لساعات، وأحياناً كثيرة يتغيب الأب لسفر يطول توفيراً للقمة العيش، والنتيجة واحدة وهي: غياب الأب، لتبدأ معاناة المراهق والتي تأخذ في البداية سمة الخجل والانطواء، الشرود والسرحان، ثم تكبر وتكبر لتشكل اضطرابات نفسية يتصدرها اليأس والاكتئاب، هنا يرى علماء تربية الطفل أن هذا الغياب لا يعد مشكلة في سنوات الطفولة الأولى؛ حيث ينشغل الطفل بلعبه وحاجاته، مكتفياً بحب أمه ورعايتها المحببة له، ولكن الأمر يختلف حين يشب الطفل أو الطفلة، ويدخلان مرحلة المراهقة. من أجل هذه القضية وبحثاً عن سبل توفير جو صحي بالبيت؛ يقوم فيه الوالد بدوره التوجيهي، وإن قلت ساعات وجوده..كان حوارنا مع اختصاصية الطب النفسي وتربية الطفل الدكتورة ماجدة مصطفى الأستاذة بتربية حلوان
الطفل ومدى إحساسه بالافتقاد
- تؤكد الدكتورة ماجدة أن الطفل من 1 - 7 سنوات يتعرض فعلياً لاضطرابات نفسية طفيفة جراء افتقاده للأب رغم انشغاله بلعبه ورعاية أمه له، ولكنها تمر بسرعة ولا يحس بها الابن أو يكتشفها، وذلك إذا تم اكتشاف الأمر مبكراً وتم معالجته
- عكس ما يحدث للابن المراهق -الابنة- الذي يتصف بفورة الانفعالات والحاجة إلى التغيير وإثبات الذات، وتبعاً لما يشاهده ويحسه داخل جدران بيته يأخذ أفكاره عن نفسه، وعن معنى الرجولة، ما يشكل سلوكه مع الآخرين
مظاهر اضطراب المراهق لافتقاد الأب
- أول ما تتمثل في الإحساس بالقلق الدائم من كل شيء حوله
- الشعور بخجل مذموم يمنعه من أخذ حقوقه، مع حزن وميل للكآبة وعلى أتفه الأسباب
- خوف من الظلام وأوهام تدور برأسه وحده، وأحياناً يتركز الخوف على المواجهة مع أبيه أو ملاقاة أصدقائه.
- مرات يأخذ الإحساس بوحشة الأب وعدم ملاقاته لفترة زمنية شكل الاضطراب أو الانطواء والميل إلى الوحدة، أو الحزن والشرود والسرحان في المدرسة ووسط الناس وكأن الطفل يائسا من حياته
أسباب اكتئاب المراهق لفقدان الأب
- أول الأسباب التي تصل بالطفل إلى مرحلة الاكتئاب، ترجع إلى كثرة المشاكل بالبيت بسبب غياب الأب لعمله مدة أطول خارج البيت
- أو لوجوده بالبيت لكن من دون مشاركة فعّالة، أو لسفره وما يترتب على هذا الغياب من افتقاد وغياب القدوة للابن المراهق
- مرات يكون غضب الوالد وعنفه في معاملة الابن، أو تدليله الزائد له ساعات وجوده القليلة بالمنزل - كأنه يعوض ما فاته- ما يعتبر سبباً لعدم الإحساس بوجود الأب، فتستمر حالة الفقد ومعها الإحساس بالاكتئاب
- هناك من الآباء من يلجأ إلى الصرامة والحزم والتهديد في معاملة الابن، إضافة إلى تخويفه الدائم من العقاب والنقد والسخرية مما يؤدي إلى طمس صورة الأب الصديق المعين وقت الشدة في عيون الابن
- كما أن ضيق وقت الأب وغيابه الدائم عن البيت يرمي بالمسؤولية الكاملة على الأم، التي يزداد خوفها على الابن فتحرمه من الاحتكاك بالناس والتفاعل معهم إضافة إلى عدم تعويده على التعبير عن رأيه والتنفيس عن انفعالاته نظراً لكثرة أعبائها
خطوات للتصالح مع اكتئاب المراهق
تقول الدكتورة ماجدة:
- في حالة وجود الأب وعدم سفره للخارج أو العمل لساعات طويلة، عليه أن يحرص ويشرف على توفير الجو النفسي السوي بالبيت مادياً ومعنوياً من حيث المكان الصحي المناسب والأمور المعيشية الميسرة، ومعنوياً يكون بتقديم الحب والحنان والتواد والتعاون الذي يتوافق ومراهقة الابن
- وجود الأب القدوة أمام الابن بالبيت أو بديله -الخال والعم- حتى يستطيع المراهق التعايش مع بعض جوانب صورة الرجل
- الحرص من جانب الأب خلال ساعات دوامه بالبيت على توفير الجو الاجتماعي المناسب ليلتقي الابن بأصدقائه ويندمج معهم، ويتم ذلك باقتراح زيارة صديق وتوصيله بالعربة للمكان، أو التحدث معه عن قيمة الصداقة وسبل استمرارها
- عدم انقطاع حبل التواصل بين الوالد وابنه حالة السفر؛ ويتم ذلك بتكليف الابن -مثلاً- بالموبايل ببعض المهام الأسرية التي تتسم بالطابع الرجولي، ومناقشته في كيفية القيام بها، مع الوعد بمكافأة حالة تنفيذها
- على الأب أن ينتهز فرصة وجوده بالبيت باقتراح النزول مع ابنه للتسوق أو زيارة أحد الأصدقاء، بهدف تمضية بعض الوقت معه، ومحاولة إدماج الابن في مهام الرجال وعالمهم
- ما الذي يمنع الأب من الحديث مع ابنه عن ذكريات طفولته، ومواقف شبابية مر بها، عن دراسته وأسباب نجاحه، أحلامه وما أنجزه منها، بمعنى أن ينقل له ما يدور بفكره وما يحلم به رجلاً كرجل
- في النهاية على الأب ان ينقل للابن المراهق أسباب غيابه عن البيت أو دواعي سفره، مع الحرص على إفهام الابن أن السفر أو التغيب عن البيت لساعات طويلة ليس من باب توفير الرفاهية وزيادة الرصيد بالبنك، بقدر ارتباطها بالحاجة وتهيئة مستوى لائق لمعيشة الأسرة