كما أن شغفنا واهتماماتنا تتطور مع مرور الوقت، فلقد وجد علماء النفس أن اهتماماتنا تتغير أكثر مما نتوقع.. فكّري بأكبر اهتماماتك قبل عشر سنوات، سيكون غالباً مختلفاً تماماً عن اهتمامك الحالي.. ترى الدكتورة أميرة حبراير الخبيرة النفسية، أن الدلائل تُشير إلى أننا في توقع الأشياء التي تُسعدنا، نبالغ في تقدير حجم التأثير السلبي المترتب على التغييرات السيئة في حياتنا؛ لأننا نغفل عن الجوانب الإيجابية التي تظل ثابته تجاه التغيّرات، كما أننا ننسى قدرتنا النفسية العظيمة على التأقلم مع الأوضاع الجديدة، وذلك يعني أن إحساسنا وشغفنا حول ما سيُسعدنا، يتأثر كثيراً بالوضع الراهن: نحن نُحب ما تعوّدنا عليه، ونبالغ في تقدير المخاطر الناتجة عن تغيير مسارنا الحالي في الحياة إلى مسار آخر.
إذاً، سواء اتبعتِ “شغفك” أو “إحساسك”؛ فأنتِ تُخاطرين بالالتزام بمشاريع قد تفقدين اهتمامك بها على المدى الطويل؛ فلا بد من وجود طريق أفضل لإيجاد مجال مُرضٍ.. إليك الأسباب التي تجعلكِ في مجالٍ مُرضٍ.
الانخراط في المجال الجديد
أفضل مؤشرات الرضا الوظيفي هي خصائص الوظيفة نفسها؛ عِوضاً عن شغف موجود مسبقاً، وقد أظهرت الأبحاث أن ما عليك البحث عنه هو عمل يجعلك تندمجين فيه، وعند إيجادك له، سيتكون لديك على الأرجح شغف طويل الأمد لذلك العمل.
يمكن تقسيم العمل الذي يتيح لك الانخراط فيه إلى خمسة عوامل:
الاستقلال: ما مدى سيطرتك على طريقة عملك؟
شعور الإنجاز: ما مقدار إنجاز الأعمال التي تتطلبها وظيفتك، بحيث تبدو مساهمتك في الحصيلة النهائية للعمل واضحة جداً؟
التنويع: إلى أي مدى يتطلب منك عملك أداء نشاطات مختلفة باستخدام مهارات ومواهب مختلفة؟
تقييم جهة العمل: ما مدى سهولة معرفة مستوى أدائك الوظيفي؟
المساهمة: إلى أية درجة يمكن لعملك أن يُحدث تغييراً بحيث يُحسّن من حال الآخرين؟
كل من هذه العوامل تساهم أيضاً في التحفيز والإنتاجية والالتزام، ومن العوامل الأخرى التي تساهم في تحقيق الرضا الوظيفي، عامل الإحساس بالإنجاز من العمل وحجم الدعم الذي تتلقينه من زملاء العمل، بالإضافة إلى عوامل “الصحة” مثل استلام راتب قليل أو السفر لمسافات طويلة لمقر العمل.. ستلاحظين أن هذه العوامل ليس لها علاقة فيما إذا كنتِ تعملين في مجال شغفك أم لا.
الملاءمة الشخصية
لا توجد هناك وظيفة واحدة مثالية للجميع؛ فالعوامل الشخصية مهمة في تحديد المهنة المناسبة، وكل شخص لديه نقاط قوة تختلف عن الأشخاص الآخرين؛ لذا عليك أن تختاري مهنة تُناسب نقاط قوتك؛ حتى تصبحي مُتمرسةً فيها، وهذا جزء آخر مُهم لتحقيق المتعة في العمل.
إن السؤال الأساسي لتقييم مدى ملاءمتك للمهنة هو: إذا كنتُ سأستثمر وقتي، فكم هي نسبة نجاحي بهذه المهنة مقارنةً بمهن أخرى يمكنني اختيارها؟ فالتركيز يكون على العمل الذي يمكنك أن تتفوقي فيه، ولا يعني بالضرورة أن تكوني متفوقةً فيه حالياً.. إذا كنت خريجة جامعة حديثا ونظرتِ إلى نقاط قوتك الحالية فقط، قد تستنتجين أن أفضل الخيارات المهنية لك تكون في مجال الموسيقى أو رياضة البيسبول أو الفلسفة، ولكن تحديد خياراتك المهنية بهذه الطريقة، قد يكون خطأ فادحاً. صحيح أنك قد لا تتمتعين بالمهارات المتطلبة بعد، مثل: الإدارة والتسويق أو الترميز والبرمجة، ولكن هذا لا يعني أنه لا يمكنك تطويرها وإتقانها.
التركيز يكون على ما يمكنك أن تتفوقي فيه؛ حتى ولو لم تكوني تتقنينه الآن، إذا أردتِ أن تتوقعي مستوى أدائك في العمل؛ فإن أول خطوة تقومين بها هي أن تتعلمي إتقان العمل بقدر الإمكان.. تحدثي إلى مَن يعملون في نفس المجال، واسأليهم عن أهم مواصفات النجاح الضرورية برأيهم، وقيّمي نفسك وفقاً لذلك.. اسأليهم لماذا ترك الناس هذا العمل، واكتشفي كيف كان أداء الأشخاص الذين عملوا بمجال عملك في الماضي.
التخطيط للمستقبل
في وقتنا الحالي، لدينا حرية أكبر في اختيار المهن أكثر من أي وقت مضى، وقد يُعزى ذلك إلى انتشار فكرة “اتباع الشغف”، والتي تجعلنا نُبحر في تخيّلاتنا في العمل في مجال شغفنا الذي نستمتع به بدوام كامل وأجر سخي.. في الواقع، الوظائف التي تقع في مجال شغفنا مثل: الرياضة والفن نادرة، والمنافسة عليها محتدمة، قليل من الأشخاص من هم على كفاءة (أو حظ) عاليين للحصول على هذه الوظائف، وسيتبقى للآخرين وظائف أقل مقابل جهدهم لسنوات في الحصول عليها.. الجانب المشرق هو أن هذه الطريقة ليست الوحيدة أو الأفضل للحصول على مهنة مُرضية؛ بدلاً من ذلك، ابحثي عن وظائف قد تتفوقين فيها حتى ولو لم تُحيي شغفك فوراً.. حاولي أن تعرفي أكثر عن هذه الوظائف، وجرّبي تلك التي تبدو واعدةً، وتأكدي من أن العمل يوافق معايير العمل المدرجة أعلاه.. قد يبدو ذلك أقل حماساً من “اتباع شغفك”، ولكنه الطريق الأفضل لتحقيق رضا مهني عميق وعلى مدى طويل، أليس ذلك هو المهم؟