عقب ستين عاما من التخطيط والحلم والخيال وعشق الفن والبيئة، يتحقق حلم سيد الرؤى، عاشق الطبيعة وفنان البيئة البلغاري الشهير كريستو، وزوجته الفرنسية جين كلود بتغليف قوس النصر فى باريس بالأقمشة الزرقاء والفضية..
حلم بدأت إرهاصاته الأولى بستينات القرن الماضي
لطالما مثّل تغطية قوس النصر بباريس حلما أثيرا لدى الفنان التشكيلي وزوجته جان كلود ، حيث كان الثنائي الفني خططا لأول مرة لتغليف المعلم الباريسي الشهير الكائن بشارع الشانيزلزيه بستينات القرن الماضي، حيث قاما بوضع الرسومات التنفيذية والهندسية المعمارية الخاصة بالمشروع، ليظل قابعا بين جدران مكتب كريستو ليتحقق أخيرا عقب رحليه تكريما له.
حسب موقع christojeanneclaude تعمل السلطات الفرنسية على تغطية قوس النصر في باريس ، والذي يعد أحد أهم المواقع التاريخية والأثرية في البلاد، حيث بدأت الاستعدادات لتنفيذ مخطط كريستو الهندسي الفني في نهاية يونيو الجاري، تحت إشراف فلاديمير جافاشيف، ابن شقيق كريستو ، تحقيقًا لرغبات عمه الدقيقة ، وبدعم من مركز الآثار الوطنية في فرنسا.
المشروع ، الذي تبلغ تكلفته 14 مليون يورو ، ممول ذاتيًا بالكامل بفضل بيع الأعمال الأصلية لكريستو والرسومات والهدايا التذكارية والطباعة الحجرية، حيث يتم لف القوس بأكمله ب 270 ألف قدم مربع من القماش بتوقيع الفنان البلغاري الذي توفي العام الماضي.
وفي المرحلة الأخيرة من المشروع يتم التركيب الفني لقطع من قماش زرقاء وفضية مصنوعة من مادة البولي بروبيلين القابلة لإعادة التدوير، والتى يتم تثبيتها بحبل أحمر بطول 3000 متر من أعلى النصب التذكاري في شارع الشانزليزيه الشهير.
تابعوا المزيد: سعودية تشكيلية تهدي الإمارات أكبر لوحة بالعالم بمناسبة عيدها الوطني 49
نشأة فنية مبكرة وشغف مدهش بالأقمشة
"كريستو" هو نحات ومُصوِر وفنان تشكيلي أميركي من أصل بلغاري، واسمه كريستو فلاديميروف خافاشيف Christo Vladimirov Javacheff ، ولد عام 1935، في بلغاريا، وقد حظي بنشأة فنية منذ نعومة أظافره. ظهرت اهتماماته الفنية في سن مبكرة، إذ تجلى شغفه بالأقمشة في مصنع والده. أما والدته كانت تعمل أمينة عامة لأكاديمية الفنون الجميلة في صوفيا، وتعلم منها الرسم والتلوين، فر كريستو مع عائلته خلال الحقبة الشيوعية إلى براغ ثم باريس، حيث التقى بزوجته الفرنسية جين كلود دينات دي غيلبون " جين كلود" ، وجمعتهما قصة حب طويلة ملهمة حيث ظلا شريكين فنيين استثنائيين، ليشكلا معاً ثنائياً بارزاً في أوساط الفن المعاصر.
فن تغليف المساحات بالأقمشة فن استثنائي
برع التشكيلي الاستثنائي في ابتكار أحد أشكال الفنون غير التقليدية، وهو "فن تغليف المساحات بالأقمشة"، حيث أمكنه تغليف الطبيعة كأحد الهدايا القيمة للبشرية.
ارتبط كريستو بالطبيعة بعلاقة فلسفية وقرر التمرد على جدران المتاحف والقاعات الفنية ليطلق فنه بين أحضان الطبيعة، ليكون متاحا لكل الناس، فلطالما عمد لتبديد أسطورة "خلود الفن"، فالأقمشة ترمز إلى صفة التغير والهشاشة وعدم الديمومة المنتجة لكل جديد.
تابعوا المزيد: التشكيلية صالحة تاج : أدمج بين الفنون للترويج لتراث وطني
تغليف المساحات عملاقة
يعد "الستار الحديدي - جدار براميل النفط" في باريس الذي أقامه عام 1962 أول أعماله مع زوجته، حيث تألف الجدار من 89 برميل نفط ووقود، وجاء تعبيرا عن سقوط جدار برلين، وفي عام 1991 أقام ما يعرف بـ"طريق المظلات" في الولايات المتحدة واليابان، والذي تألف من 3100 مظلة تم نصبها في كل من كاليفورنيا واليابان كـ"منشأة متزامنة"، كما قام بتغطية جسر "Pont-Neuf" أحد أشهر الجسور على نهر السين في باريس بالعام .
من أهم اعمال كريستو كذلك تغليف مبنى البرلمان الألماني "رايخستاج Reichstag" الذى تم تنفيذه عام 1995، حيث قام بتغطية المبنى التاريخى العريق بقماش البولي بروبيلين الفضي المتلألئ الذي بلغت مساحته مائة ألف متر مربع، كما قام كذلك بتدشين مشروع "الجسور العائمة" الذي دشنه على بحيرة "أيسيو" الإيطالية قبالة جبال الألب على امتداد 3 كيلومترات. مستخدما 200 ألف متر مكعب من مادة البولييثيلين ذات الكثافة العالية، وقد حقق المشروع توافداً سياحياً خرافياً، فيما كان تغليف النُصب التاريخي الشهير "قوس النصر" في باريس آخر مشاريع "كريستو" التي عزم على تنفيذه، لكنه تأجل بسبب ظروف جائجة كورونا، ليتوفى كريستو ويظل مشروعه الحلم عالقا بين جدران مكتبه إلا أن الحكومة الفرنسية قررت تنفيذ المشروع تكريما لروحه ومكانته الفنية الأثيرة ليكشف الستار عنه خلال الفترة من 18 سبتمبر إلى 3 أكتوبر 2021.
تابعوا المزيد: نحات سعودي يحول الأحجار إلى أدوات للطهي باحترافية عالية