دون أدنى شك حقق مسلسل "الهيبة – جبل" الذي انتهى عرضه مؤخراً نجاحاً جماهيرياً كبيراً جداً وللأمانة لم يسبقه إليه في الدراما العربية سوى أعمال قليلة جداً كان آخرها المسلسل الشامي الشهير "باب الحارة" الذي حقق نسب متابعة مرتفعة جداً.
في "الهيبة جبل" توجهت الأنظار منذ الحلقة الأولى للمسلسل الذي بدأ بنسق عال جداً خلافاً للأجزاء السابقة التي كانت تتصاعد أحداثها شيئاً فشيئاً.. أما هنا فقد بدأت الحكاية بالدم والنار منذ الحلقة الأولى لتجعل المشاهد يتسمر امام الشاشة حتى لا تضيع منه تفاصيل الحكاية.
فاستفاد صناع المسلسل من تجارب عالمية في الأكشن والتشويق بحيث جعلوا الجمهور ملتصقاً بالحكاية وباحثاً عن تفاصيلها وهو ما استطاع مخرج العمل سامر البرقاوي توظيفه بلغة بصرية غاية في الجمال والإتقان فكانت الكاميرا ودورانها وقطعاته هي حكاية مستقلة بحد ذاتها.. وصف البرقاوي لغة سينمائية رائعة في تحويل الكلام إلى صورة.. لم نشاهد كمتابعين صورة بلا معنى أو لا تخدم الحكاية بل كانت تقطيعات المشهد نفسه تحوي برجل يصنع ويعرف ماذا يصنع.. قيمة البرقاوي الفنية ظهرت جليةً في هذا الجزء فالمخرج قدم نفسه كربان للسفينة لا مجرد محرك لها متكئاً على نص تم تنسيقه وبناؤه بتتابع قصصي مشوق وحدث درامي مبني على تفاصيل متتابعة تخدم الإطار العام للقصة فبدا كأنك تصنع هرماً ولا يجوز أن تضع حجراً مكان حجر.
على المقلب الآخر بات الحديث عن موهبة ونجومية تيم حسن حديثاً لا جديد فيه ولكن الملفت النظر أن موهبة النجم السوري هي موهبة نقية بالمطلق مطاوعة بين يديه لا تنكسر على حافة أو ضربة قاسية.. الرجل يتعامل مع نفسه بموضوعية عالية ويتعامل مع قدرته دون غرور فيصنع الدهشة التي لا يمكن لأي ممثل عادي أن يصنعها.. يدهشك الرجل بأدواته.. هو ليس مجرد ممثل عابر أو رجل وسيم تتغزل به الفتيات هو ممثل من طينة خاصة.. يملك الرجل هيبة ووقار مرعبين يطوعهما بموهبة لا تنضب.. كان لافتاً في هذا الجزء اعتماد تيم على لغة الجسد والعيون والقدرة على المزج مع الأداء الحركي وهي تقنية معقدة في أدوات الممثل حيث أن المزج بين صنفي الأداء يحتاج إلى فصل وتناغم الحواس بنفس الوقت.. باختصار فإن تيم حسن هو رجل الأدوار الصعبة بكل اقتدار.
على النقيض الآخر تبدو الانتقادات لبعض ألفاظ تيم حسن في المسلسل منطقية ولكن إذا أردنا محاكمة المسؤول عنها فلا يجب ان نحاكم تيم حسن بل أن نحاكم جبل ولنطرح السؤال هل "جبل" هو "شكسبير" أم " نيتشه".. الجواب لا هو شخص مهرب ورجل مافيا خارج عن القانون ولكن بمواصفات بطل شعبي فكيف نراه رجل علم ومعرفة وفيلسوف.. هنا يكون المسلسل وصناعه قد ناقضوا انفسهم إن اعتمدوا ذلك وبالتالي من الطبيعي أن نجد شخصية بهذا النوع تتكلم بهذه الطريقة.. عدا عن ذلك فإن المفردات التي انتقاها تيم لشخصية جبل كانت مميزة وصبغت الشخصية بطابع خاص وهو الأمر الذي يميز النجوم بإضفاء لمساتهم على شخصياتهم.
بالمقابل يبدو حضور عبد المنعم عمايري بهياً حد الدهشة فالرجل جوكر تمثيلي بامتياز.. أستاذ المعهد العالي للفنون المسرحية ليس عابراً على هذه المهنة هو عبقري بأدائه دون تكلف يدرس كل حركة وكل تفصيل فيقدمها بفطرية مفعمة بالعمق والتجرد ليترك انطباعاً لا يمحى من ذاكرة الجمهور.
وكان لافتاً هو التبادل المخيف في لغة العيون وحركات الجسد بين تيم حسن وعبد المنعم عمايري والكيمياء بينهما في الأداء حقيقية لم تصنع في مختبرات كليات العلوم بل كيمياء طبيعية كما وجدت المعادن في الأرض بطبيعتها.
الرجلان قدما دروساً بفن أداء الممثل المبني على موهبة وعلم.. الفطرة والسجية الحقيقية لا المصطنعة فتيم وعبد المنعم هما مثال لفنانين يقدمان دروساً حقيقية في التمثيل بقوة وتنوع الأداء بعيداً عن صخب السوشال ميديا ومطبليها.
وكان لافتاً ودون أداء شك أداء السنديانة السورية منى واصف.. لم تعد تلك الشجرة الباسقة بحاجة لشهادة أحد.. ما يميزها هو تعاملها مع الفن بشغف والبحث عن إثبات الذات كرقم صعب ولنا ان نتخيل أن قيمة فنية بحجم منى واصف تفعل ذلك.. فالنتائج لا تحتاج لشهادة أحد.. هي تماماً مثل شجرة سنديان نادرة فتفوح منها رائحة الوردة الشامية.
" ياسر ترجمله" جملة تتردد الآن بكثرة على ألسنة الجمهور وصاحبها هو الشاب الموهوب "وسيم قزق" ومن لا يعرف وسيم فذلك لأنه لم ينل حقه في السابق فالشاب خريج المعهد العالي للفنون المسرحية ليس مجرد ممثل بسيط يبحث عن فرصة هو صاحب موهبة وحضور وأستاذ ولعل "الهيبة" كان طاقة القدر التي فتحت له ليقول أنا موجود ولينال الفرص التي يستحقها.
وعلى صعيد أداء الممثلين يبدو الشاب سعيد سرحان من الوجوه المميزة التي انجبتها الدراما اللبنانية فهو ليس بطل استعراض او لفت نظر وإنما لفت الأنظار بقوة أدائه.. الشاب موهوب ويكرس موهبته لخدمة ظهوره فكسب محبة واحترام الجمهور وكذلك الأمر بالنسبة للفنان عبدو شاهين الذي قدم واحداً من أجمل ادواره في هذا الجزء أما روزينا لاذقاني فكان هذا الجزء هو أجمل الأجزاء الذي حضرت فيه على صعيد الدور وتقديم نفسها بصورة مختلفة فكسبت الرهان وقدمت تنوعاً بأدائها يحسب لها.
وكان واضحاً الجهد الذي بذلته الفنانة إيميه صياح فاستحقت الفرصة التي نالتها وقدمت نفسها كممثلة بعيداً عن البهرجة أو التصنع فكانت حاضرة بشكل جيد جداً قياساً لحجم تجاربها أو تراكم خبرتها فالإعلامية الأنيقة لم تدخل لتستعرض وإنما لتمثل وهي بداية طريق النجاح.
بكل تأكيد كل ذلك لم يكن ليتم لولا شركة إنتاج آمنت بأن صناعة الدراما ليس مجرد هواية أو تسلية فقدمت للمشروع كل سبل النجاح و التفرد سواء من حيث اتاحة الوقت الكافي لتصويره أو التحضير له وكذلك توفير الميزانيات التي توفر له النجاح وهو ما بدا واضحاً ان نجاح المنتج صادق الصباح ليس وليد لحظة أو مفاجأة فكل أعمال شركته تلقى الصدى الكبير وتترك أثرها لدى الجمهور أما الحظ او الصدفة فيأتيان مرة واحدة أو مرتين ولا يستمران.
باختصار يمكن أن نتفق مع الهيبة أو نختلف معه كفكرة ولكن إذا أردنا محاكمته من الناحية الفنية والتمثيلية فهو عمل متقن استحوذ على مساحة واسعة من البحث والنقاش والاتفاق والاختلاف ولعل أهميته تنبع من هذه النقطة فالاعمال التي لا تثير الجدل مكانها رفوف النسيان.
لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا "انستغرام سيدتي"
ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر تويتر "سيدتي فن"