"الحب لا يحتاج إلى سبب ليحدث، تماما كما ينمو عشب في الحديقة لم يزرعه أحد"
كان يتصل بها لساعات ليسمع أنفاسها فقط وكانت تفعل ذلك أيضاً. لم يكن ضرورياً أن تتكلم، أن تقول له شيئاً، كانت بشكل ما موجودة معه وهذا كان كافياً. لا أحد بالضبط يعرف ما الذي كان يربط بينهما، حتى القلائل الذين كانوا يعرفون حكايتهما لم يفهما ذلك "الشيء" الذي جمعهما ذات يوم وربما هما نفسيهما لم يفهمانه.
لقد كان شعوراً غامضاً، اتصالاً روحياً، تطابقاً في التوقعات وكأن خيطاً غير مرئي يصلهما الواحد بالآخر. كان يكفي أن تفتح النافذة وتنادي باسمه ليتصل بها أو لتنزل عليها من السماء وردة منه. بل إنها رأته مراراً قبل حتى أن تلتقيه، كانت تعرف صورته وصوته ولون ابتسامته وكأن قلبها كان مرآة لطَيْفِه، تماماً كما تقول أغنية لليلى مراد.
ثم حدث أن التقيا ذات صيف، يمكن أن نقول إنهما التقيا مصادفة أو كان ينبغي أن يلتقيا بشكل أو بآخر، فلابد للأرواح المُحِبّة أن تلتقي ولو في الحلم. ثم إن بعض الأشياء ينبغي أن تحدث لتكون هناك حكاية. كان كل واحد منهما في حاجة إلى الآخر: هو يبحث عن امرأة يستظل بها من حرارة حياة مشتعلة بكل ما لا يحب، وهي تبحث عن معنى شاسع ومتجدد للحب. وربما لم يكن هناك سبب ليقع ما وقع، فالحب لا يحتاج إلى سبب ليحدث، تماماً كما ينمو عشب في الحديقة لم يزرعه أحد أو يمنحك عابر في الشارع ابتسامة لأن "شيئاً" ما جعله يفعل ذلك.
تسربتْ هي إلى حياته كشعاع شمس داعب وجهه في يوم بارد، أحبها من دون أن يعرف إلى أين سيقوده ذلك الطريق المحفوف بالكثير من الجنون، بينما تسلل هو إلى قلبها بخفة، من دون أن تشعر، كقط ناعم مشى على رؤوس أطرافه ولم يحدث صوتاً. دخل قلبها وأشعل الأضواء وعزف لها، فتحول قلبها إلى حفلة من القصائد والأغنيات. لكنها لم تدرك أنها غارقة في الحب إلا عندما رحل. استيقظت في يوم على صورته التي سحبتها من حلمها. لقد أصبحت تحلم به وهذا يعني أنه متجذر في روحها الطرية التي وهبتها له. هي لم تكن تعرف أنها، وفي الليلة نفسها، كانت في الضفة الأخرى من الحلم وأنه هو أيضاً رآها هناك.