في بيان تأسيسي كتبت 3 إماراتيات شغوفات يقلن: "غاف" شجرة وأكثر، فهي تمثل جذور رحلة البدء على الأرض، غرس الإنسان نفسه فيها، وامتدت جذوره في كل مكان، وارتقى بفكره وعلمه مثل ساقها التي تعانق السماء.
وكالغاف، شجرة الصحراء الإماراتية، نقف معكم وبكم بجذور راسخة تتعايش مع كل الظروف والمتغيرات؛ لتحقيق ديمومة القراءة وحب الكلمة وبوصلة الاكتشاف وشغف المعنى الأول لروح الإبداع الإنساني".... فما هي قصة "غاف" ومن أين بدأت وعلى ماذا سيكون استمرارها؟
"غاف" مكتبة إلكترونية ودار نشر يعمل فريقها على بيع كل ما يثري الفكر العربي من كتب منتقاة، وإعادة نشر المخزون الثقافي المنسي لإحيائه. بالإضافة إلى التوزيع العادل للكتب وجعلها في متناول اليد.
وعن الرابط الذي يجمع الاسم بنوعية الكتب المختارة للنشر، تقول أميرة بن كدرة، كاتبة، وإحدى مُؤسسات الدار: "غاف شجرة قوية ومعمرة تقاوم ظروف الصحراء وتتمسك بجذورها العميقة التي تضرب في باطن الأرض بقوة؛ ونحن في "غاف" نحاول أن نوفر من الإصدارات في الأدب والفكر ما هو أصيل ومتجذر وفي الوقت نفسه ما هو حديث وقيّم" .
"قبل أن نكون شريكات في العمل"، نحن صديقات جمعنا حب الكتاب، كما تقول عفراء محمود، شريكة مؤسسة، تتابع: "أنا وأميرة كاتبتان، وبدور البدور قارئة، مميزة، ولها اختياراتها". وقد سبق وجمعنا ناد للقراءة اسمه "استراحة سيدات" نجتمع فيه لمراجعة ومناقشة الكتب، حتى أنشأنا الدار، نحن نعمل بشكل مشترك ونتقاسم المسؤوليات بيننا من خلال قراءة الأعمال واختيارها وفي النهاية طباعتها".
تعرّفي إلى المزيد: معرض الألوان المائية للأمير تشارلز بكنيسة عتيقة
سنة كورونا كانت التحدي الأكبر
نساء "غاف" لا ينتجن الكتب الإلكترونية، بل يشجعن على اقتناء الكتب الورقية تماماً، لكنهنّ باتفاق تام أكدن أنهن لم يمررن بمصاعب تحديات كبيرة، تستدرك بدور البدور، شريكة وقارئة: "البدء بالمشروع في أول سنة 2021 وهي سنة تحدٍّ للعالم أجمع، نهاية الكورونا، والحديث عن فيروسات ومتحولات أخرى هي الصعوبة التي واجهناها. غير ذلك نحن لم نختلف بوجهات نظرنا على كتاب قمنا بنشره، فالكتب عادة لا تصنع خلافات بل تبني وجهات نظر".
أصوات شعرية وسردية
قامت "غاف" بإعادة نشر كتب لعدد من الرموز والأصوات الشعرية والسردية، التي حققت بصمة واضحة في المشهد الثقافي الإماراتي، تستدرك أميرة: "مثل الأعمال الشعرية للأديب الإماراتي عبدالعزيز جاسم، وهو شاعر مهم وقد نُشرت له أعمال سابقاً في الوطن العربي ولكن لم يسبق له النشر في دولة الإمارات العربية المتحدة. نشرنا حالياً أعماله الشعرية الجزء الأول، وستتوالى تتمة أجزائه الأخرى في المستقبل".
تعرّفي إلى المزيد: سيدات المهن الصعبة.. نماذج للتحدي والتجارب الناجحة
هل تبيعون الغاف؟
هناك قصة تكررت مع بعض الزبائن في معرض الشارقة الدولي للكتاب، تضحك أميرة وترويها لنا: "بعضهم أقبلوا على قسمنا وهم يقرؤون اسم "غاف" متسائلين إن كان لدينا شجيرات الغاف للبيع. قبل أن ينتبهوا بأننا نبيع الكتب لا الغاف".
وتعتبر أميرة أثمن كتاب تم نشره وبيعه هو ديوان الشاعر الإماراتي الراحل محمد بن حاضر، تتابع أميرة: "هو أديب مهم أضاف لحركة الثقافة في الإمارات الكثير. ويتميز شعره الفصيح بالعذوبة والسلاسة، لكن لم تحظ أعماله في السابق بالنشر إلا بعض الأعمال في الجرائد والدوريات المحلية ".
ترى الشريكات الثلاثة أن المشهد الأدبي في الإمارات والوطن العربي في الحاضر، يشهد حركة مستمرة، تعلّق بدور: "نحن بحاجة دائمة إلى أفكار مبدعة ونقاد حقيقيين من أجل تحقيق المزيد من الارتقاء في الأدب الإماراتي".
القراءة تشكل مواقفنا
تجد أميرة بن كدرة أننا بحاجة في المستقبل لزيادة الإقبال على القراءة؛ لأنها من أهم الوسائل لبناء شخصيّة الإنسان وتشكيل مواقفه وعاداته وقيمه، تتابع قائلة: "يجب أن يكون الأهل القدوة الحسنة في الاهتمام بالقراءة بتوفير مكتبة بيتية غنية بالكتب. وعلى الجميع حضور الأنشطة الاجتماعية في النوادي القرائية".
في نهاية اللقاء سألنا مؤسسات "غاف"، لو أتيح لهن كتابة رواية تجمعهن، فبأي اتجاه ستكون. وما عنوانها؟
هنّ يرين أن الأعمال الكتابية المشتركة صعبة وبحاجة لسنوات من الخبرة والمران؛ حتى يكون العمل قريباً للقراءة وغير مفتعل، تعلّق عفراء: "من الخيال أن يوجد هذا العمل".
وتأمل منشورات "غاف" أن تكون نافذة مثابرة إلى الكلمة الإمارتية وكاتبها، وشاهد على ما كُتب لحفظ تراثه الأدبي. ودليل الباحثين عن طاقة الجمال في الصورة والكلمة وتناغم الماضي مع الحاضر لمواجهة المستقبل، من خلال كل ما ستقدمه مكتبة "غاف" من حروفيات كتابية تقترب كثيراً من ثنائية الإبداع والتفرد.