الإيثار فضيلة أخلاقية ومذهب قيمي يرى أفراده أن لديهم التزاماً أخلاقيّاً لمساعدة الآخرين أو خدمتهم أو نفعهم. وفيه يدعو الفيلسوف الفرنسي أوغست كونت المؤِثرين إلى العيش من أجل الآخرين، وفي ديننا الإسلامي فالإيثَار مِن محاسن الأخلاق ، ويعد منزلة عظيمة مِن منازل العطاء، لذا أثنى الله على أصحابه، ومدح المتحلِّين به، وبيَّن أنَّهم المفلحون في الدُّنْيا والآخرة.. تعرفي على معنى الإيثار من خلال حوارنا مع الشيخ عمرو سيد أحمد الإمام بالأوقاف ومن علماء الأزهر الشريف .
• معنى الإيثار
يقول الشيخ عمرو لسيدتي: الإيثار قيمة من أعظم قيم الإسلام نبه عليها وهو قمة العطاء، ويعني تفضيل الغير على النفس، فأنت تكون في احتياج لشيء ما، ولكن ترى آخر يحتاجها أكثر منك، فتتنازل عن حاجتك لتعطيها له، أي تؤثره وتفضله على نفسك وترجح مصلحته على مصلحتك الشخصية، فهذا شيء عظيم، به تطهير من الأنانية والبخل والشح.
• الإسلام في رؤيته للإيثار
يقول الشيخ عمرو: عندما تنظر لهذا الموضوع ترى أنه يوجد فرق كبير بين الإيثار في الإسلام وعند العلمانيين فالإيثار في الإسلام أن تعطي الغير بدون انتظار مقابل ولكن عند العلمانيين إن أعطيت تنتظر المقابل، وهو ما يسمى بالمنافع المتبادلة، وبهذا الوصف فأنت تفضل غيرك عليك بدون أي مقابل، وقد قال تعالى (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) والخصاصة هي شدة الاحتياج للشيء، فمثلاً: لو معك مائة جنيه، فأعطيت المحتاج عشرة منهم فيكون ذلك عطاءً، ولو أعطيته عشرين يكون هذا كرماً، في حين لو أعطيته ثلاثين يكون سخاءً، ولو أعطيت خمسين يكون جوداً، لكن لو أعطيته هذا كله ولا يبقى شيء رغم احتياجك فهذا هو الإيثار.
تابعي المزيد: شباب وبنات: العطاء مدرسة تعلمنا منها معنى الحياة
• درجات الإيثار
الإيثار هو أعلى منزلة من العطاء والسخاء والجود وهو درجات ثلاث:
- أن تؤثر الخلق على نفسك فيما لا يفسد عليك دينك كأن تطعمهم وتجوع، أو تكسوهم وتعرى.
- إيثار رضا الله على رضا غيره ولو أغضب هذا الخلق وهي درجة عليا للأنبياء والأبرار الصالحين.
- أن تنسب إيثارك إلى الله دون نفسك لأنه سبحانه صاحب النعمة والفضل والشكر.
• فضائل الإيثار
يقول الشيخ عمرو لسيدتي: تكسب الإنسان محبة ومكانة اجتماعية في الدنيا ومنزلة عالية في الآخرة وعكس ذلك من لا يتخلق بخلق الإيثار.. البخل والأنانية والشح ويسمى بالأثرة وهو عكس الإيثار وهو أن يؤثر نفسه على الآخرين أي يفضل نفسه ويتعامل بالأنانية فيصبح مكروهاً من الناس في المجتمع لأنه خلق ذميم وطبعاً يعاقب الله عليه في الآخرة.
• قصة عن الإيثار
جاءت وفود من قبائل بعيدة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن بالبيت طعام فأرسل الرسول الكريم إلى أهله وسألهم هل عندكم طعام؟ قالوا: لا يا رسول الله، فوقف رسول الله ونادى في المسجد يقول هذا ضيفي فمن يضيف ضيف رسول الله، وكان هذا الوقت وقت فاقة وقلة طعام ولكن حب الصحابة وتسابقهم في الإيثار جعل رجل من الأنصار يقول: أنا يا رسول الله، أنا أضيف ضيفك فاصطحبه إلى بيته. فلما رأته زوجته قالت له: ليس لدينا في بيتنا إلا طعام أطفالنا.. فقال لها: دعيهم يتلهون بشيء، فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج، وأريه أننا نأكل، فقعدوا وأكل الضيف، فلما أصبح ذهب لصلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبله مبتسماً وقال له: قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة، وقد أنزل الله فيك قرآنا يتلى وتلا عليه: "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة" صدق الله العظيم.
تابعي المزيد: حنان البخيت: الفرح في عيون المحتاجين منح بيوتنا البركة
• كيف يتحلى الإنسان بالإيثار..؟
قد يكون الإيثار فطرياً وغريزياً، أو مكتسباً، فالغريزي مثل إيثار الوالدين يفضلون أولادهم عنهم، حيث تقول أم المؤمنين السيدة عائشة: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين معها فاطعمتهن ثلاث تمرات أعطت كل واحدة تمرة ورفعت إلى فمها تمرة تأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة وأعطت كل واحدة نصفاً وحرمت نفسها من أجل فتاتيها. وبالنسبة للمكتسب فيكون بالتدرب على التصدق يقول الله تعالى "قد أفلح من زكاها" أي زكى النفس وارتقى بها إلى درجة الإيثار، كما أن الصدقة شرعت لتدريب الإنسان للتطهر من البخل، والرسول الكريم يقول: "إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم والصبر بالتصرف" يعني لو أراد الإنسان أن يدرب نفسه على اكتساب مكارم الأخلاق ومعاليها سيصل إليها إن شاء الله ومن مكاسب الإيثار أنه يطهر الإنسان من مظاهر البخل والشح والأخلاق المذمومة ويرتجي مرضاة الله تعالى.