في رحلة عبر أعمالها المتنوعة والمتفردة، نذهب مع الفنانة التشكيلية السعودية نور هشام السيف؛ لتحدثنا عن أعمالها البصرية وتجربتها الفنية مع الوسائط، وعن لوحاتها الأخيرة التي تعدها لمعرضها الشخصي قريباً والتي تبرز فيه متلازمة (الإنسان - المكان)، وعلاقتهما بالعالمين الواقعي والافتراضي في زمن الوباء، في روتين ثابت، ومقاومته للقلق والاكتئاب والخوف من المجهول، الذي تراه دافعاً لمعانقة العالم لتعزيز السعادة ومواجهته عبر الحلم والأرض والذاكرة عن الشوارع والمدن من جانب إنساني والحق بوداع الأحبة من خلف الأبواب المؤصدة، ووجوه في الداخل، تتوق للخارج، وتتصالح مع كورونا تستدعيها الفنانة كلها في تكوينات فانتازيا من السرد القصصي و الكوميديا داخل بيت الدمى... وفي ما يأتي نص الحوار:
حوار | عواطف الثنيان Awatif Althunayan
تصوير | أسامة ماهر Osamah Maher
تصميم العباءات | بشاير العلي Bashayer Alali
مساعد التصوير | علي ماهر Ali Maher
بماذا تعرفين نفسك لقراء «سيدتي»، وهل يجب على الفنان التشكيلي أن تكون بداياته على لوحات ناصعة البياض؟
نور هشام السيف، خريجة بكالوريوس تربية فنية جامعة الملك سعود الرياض 2004، حاصلة على دبلوم في التصميم الداخلي في معهد شيفيلد للتصميم والديكور الداخلي بالرياض، حصلت على دورات وورش تدريبية في التشكيل والفنون البصرية في معهد المهارات والفنون الرياض. انطلقت 2010 للممارسة حتى وصلت للاحتراف، شاركت وأقامت العديد من المعارض الشخصية والجماعية. وبالنسبة للرسم على اللوحات ناصعة البياض، من وجهة نظري الشخصية يجب على الفنان التشكيلي أن تكون بداياته على لوحات ناصعة البياض، وأجده أمراً طبيعياً جداً، وذلك لترتيب وتنظيم أفكاره لتتيح له مساحة خالية من الفوضى، ويخلق مساحته وعالمه الخاص، مع الوقت تتبلور أفكاره وهواجسه وأحلامه بصورة منظمة على اللوحة، تمثل خلاصة خبراته، أما إذا كانت لوحته فوضى فلن يستطيع أن يتعامل معها وهي مشوشة والأفضل العمل على بياض حتى تتحمل اللوحة إضافات من بناء وهدم وتصحيح.
هوية فنية بصرية
من كان له التأثير الأكثر في موهبتك الفنية؟
التأثيرات كانت مختلفة المصادر، البذرة الأولى وراثية، فوالدي كان رساماً، ورثت عنه الموهبة، أما التأثر فيعود لمرحلة ما قبل المدرسة، وقد بدأت تلقائياً بالممارسة المكثفة، والسر هو تفاعلي كطفلة بالثقافة البصرية السينمائية والتلفزيونية، ومازلت أؤكد أن المشهدية السينمائية هي من شكلت هويتي البصرية على مدى سنوات وغلب هذا الجانب على تفاعلي ذهنياً، وتشربي من مدارس الفن التشكيلي في البدايات، ثم مررت في مراهقتي بمرحلة التأثر المباشر بالرواد، مثل فريد فاضل، وصلاح طاهر، ومحمود سعيد. ثم تعرفت إلى تاريخ الفن السعودي في المرحلة الجامعية وبعد التخرج مررت بمراحل مختلفة من التغذية البصرية؛ حتى نفضت عني بالتدريج كل المدارس والتيارات الفنية وعملت على بناء الهوية.
ما رسالتك التشكيلية؟ وما دور الوسائط في تطوير أعمال الفنان؟ وما الوسائط التي استخدمتها؟
لا أؤمن بوظيفة الرسائل في الفن التشكيلي بشكل مباشر، وإن كان لابد من رسالة هي أن أكون صادقة ومخلصة في أصالة العمل، حالما يصل للناس، ستصبح الرسائل تحصيل حاصل، والأجمل أنها تصل متباينة وفق تباين إحساس ووعي الجمهور. بالنسبة للوسائط لابد للفنان من مواكبة التقنية لتطوير أعماله، وأصبح مجال الابتكار واسعاً في الفن مع تسارع التكنولوجيا انتقلت الفنون الجميلة تحت مظلة الفنون البصرية المعاصرة والتي تشمل الفيديو أرت، وفن الصورة والفن المفاهيمي وغيرها جميعها أدوات تعبيرية عززت الخطاب الفني المستقل، كما تساهم بشكل أفضل بتنشيط الوعي. أما الوسائط التي مارستها في أعمالي فهي: الحفر على السيراميك، الرسم على الزجاج المثلج، التشكيل بألوان الأكريليك والزيت، فيديو أرت، الفن التركيبي، الكولاج، الفحم، والباستيل.
خليط فانتازي ما الذي تودين أن يذكره الناس من أعمالك الفنية؟
من المربك الاستغراق في ردود أفعال الآخرين، الاستغراق يجعلني تحت سطوة الانطباعات وهذا بطبيعة الحال سيخلق سلطة على أفكاري ومساري الفني، أنا أحترم جداً أذواق الناس المتباينة، وضرورتها لخلق التنوع في منجزات الإبداع، من جانب آخر أشعر بالامتنان لمن يرى أنني قادرة على الإتيان بالسحر والإثارة والتساؤلات.
كيف تصنفين لنا أسلوبك التشكيلي؟ وما مصدر إلهامك؟
هو خليط من السرد القصصي الفانتازي، والكوميديا السوداء، مغلفة بكثافة لونية زاهية، كل هذه العناصر أستند عليها لتصدير الشعور بالخفة من ثقل القضايا الحياتية المحاطة بنا. وأستلهم أعمالي من كل شيء مادي ومحسوس، فالإنسان عندما يريد التعبير عن اهتزاز ما في توازنه أو مفارقة في حياته الاجتماعية، سيجد وصفاً لها في السينما والأدب والغناء، كذلك حساسية الفنان تجاه التفاصيل الهامشية الصغيرة قبل الرئيسة هي مصدر غنى وإضافة مخزون.
قائد الذوق يقال إن الفن العظيم هو السهل للناس والصعب للفنان، فهل على الفنان أن يجعل لوحاته مفهومه للناس، وما رأيك؟
الحقيقة التي لا لبس فيها أن الفن عبر التاريخ قائد الذوق، ومجدد الرؤية، وليس في هذا الشأن أي استعلاء أو فضيلة، من جانب آخر لا يوجد أي تعارض في أن يكون الفن مفهوماً ويحمل إفادة فلسفية في آن، كما أن الفهم أو الإدراك سيبقى مسألة نسبية، وليس من وظائف الفنان أن يقوم بالدور التلقيني أو التقريري في كل شيء.
ما أكثر معرض تشكيلي كان بالنسبة لك تحدياً، ولماذا؟ وممن تلقيت الدعم؟
المعرض الشخصي الأول والذي أقيم منذ 8 سنوات، ويعكس من خلاله الآثار النفسية المدمرة من نتاج الحروب والنزوح، كانت حقاً مجازفة تفوق شعور التحدي! كنت أرغب الدخول ببطاقة تعريفية للجمهور من خلال أعمال قد تبدو للوهلة الأولى غير مناسبة للاقتناء، أو بمعنى آخر ليست لتزيين جدران المنازل لكنها في المقابل كانت نابعة من إحساس صادق ومرهف جداً. وقد تلقيت الترحيب من أ. منى القصبي صاحبة غاليري أتيليه جدة، وأود عبر سيدتي أن أجدد شكري لها لتعاونها، والشكر والامتنان أيضاً للمهندس لؤي الحكيم، لدعمه ورعايته الافتتاح وإيمانه بما هو غير مألوف وغير سائد.
منافسة مع ذاتي هل تسود المنافسة بين الفنانين التشكيليين؟
المنافسة تولد بطبيعة الحال في كل الأوساط الخلاقة، لكن الإشكالية أن عنصر المنافسة يفرض وجوده حتى في حالة عدم الرغبة أو عدم السعي ويعود ذلك لإيقاع السرعة الهائل الذي نعيشه، ومن مضرات هذا الإيقاع أنه يدفع بالفنان لهاجس الصعود؛ كي يضمن مقعد البقاء، قبل اكتمال ونضج تجربته الفنية، أما عن تعاملي الشخصي مع المنافسة فأنا أدرك أن ما أقوله سيبدو مستهلكاً ونمطياً للغاية؛ لكن بكل صدق أنا في منافسة مع ذاتي لتنمية ريادتها الذهنية، وهذا يتطلب جهاداً فسياً كبيراً لا متسع فيه للمزاحمة والانشغال بالآخرين.
يقول أرسطو «الفن شكل من أشكال العلاج»، هل توافقين؟
أتفق بأنه شكل من أشكال العلاج للمتلقي، لكنه ليس دليل العافية للفنان، فمن تجربتي الشخصية مع الفن لم أصل بعد إلى الحالة الشفائية التامة، كون عملية الإنتاج بحاجة إلى خيال لا يخضع للسبات، ومن لوازم إبداعه، الوعي الحاد وهذا يجره نحو دائرة مغلقة من التوتر لا مناص منها! يمكن القول إنه تفريغ لشحنة هائلة من المشاعر المختلطة إيجاباً وسلباً.
لغة متغيرة الفن يمسح عن الروح غبار الحياة اليومي ما رأيك، ولمن ترسمين؟
الإجابة عن هذا السؤال تتغير عبر مرور السنوات، ففي البدء سنتجاوز التسلية لأنها تقع تحت بند الهواية، أما في الاحتراف فأرسم ببساطة لأنه أكثر ما أجيد، وبذات البساطة لأنني أرغب في التعبير، والتعبير ليس بخطاب موحد، فلو كنت أجيد الخطابة الشفهية لما مارست الرسم، أما التعبير البصري، فهو لغة مكثفة تأخذ وقتها في الاختمار، وتمنح هذه اللغة لتجربتي، وعالمي وامتداد عمري لا يقيد بحدود جغرافية، أستطيع من خلالها التحدث عما هو غير معلن ومتاح دائماً، والأهم أنها لغة متغيرة ومتطورة مع تغير الفهم، من قبل الفنان والمجتمع.
الفن شكل من أشكال العلاج «للمتلقي» لكنه ليس دليل العافية «للفنان»
الوسائط الفنية نقلة نوعية تقارب الإنسان الواقعي مقابل الإنسان في العالم الافتراضي
وصف الشاعر «غاستون باكلارد» أن المنزل «أحد أعظم قوى تكامل أفكار الإنسان وذكرياته وأحلامه». إذاً ما طموحاتك و مشاريعك الفنية القادمة التي جسدتها في «بيت الدمى»؟
طموحي هو الديمومة، وأن أنتج دائماً ما يستحق التأمل والبقاء، ومشروعي القادم عبارة عن مجموعة (بيوت الدمى)، تتحدث عن علاقة الإنسان بالمكان والألفة بينهما وإلى أي مدى يمكن للمحيط المكاني أن يعزز الوعي والذاكرة وخصائص كثيرة في التشكيل الوجداني وبناء الإنسان، بسبب أحداث الوباء وتبعاته من عزل وحجر منزلي، خاصة وقد تجاوزت إصابات «كورونا» حول العالم نحو267 مليون حالة، كان المدخل لفكرة بيوت الدمى كصورة مجازية حول علاقتنا بأمكنتنا ومحيطنا القريب ومع الآخرين والأكثر أهمية هي علاقتنا مع أنفسنا في مواجهة ذاتية أمام المجهول، أتناول هذا في سرد قصصي تعبيري فيه الكثير من التأمل والتساؤلات ومرتبط بدلالات وعوامل الزمن والذاكرة والشخصيات والجغرافيا والأرض.