الشعور والعاطفة هما تجربة مميزة وغنية في عمقها واتساعها؛ حيث تختلف في قوَّتها وشدتها ومدتها وعمقها من إنسان إلى آخر.وتدخل المشاعر والأحاسيس الإنسانية في شحن أو تفريغ طاقتنا، ومن ثمَّ تتدخل تدخُّلاً رئيساً وهاماً في قدرتنا على العمل والإبداع والابتكار، سواء كان ذلك بصورة إرادية أم غير إرادية. تقول الدكتورة أميرة حبارير الخبيرة النفسية لسيدتي:تؤثر هذه المشاعر في الأفكار التي نكوِّنها عن الأشياء التي نراها، ونظرتنا للواقع، وتحليلنا لعناصره، ومن ثمَّ تتدخل تدخُّلاً هاماً في جميع أفعالنا وتصرُّفاتنا وسلوكياتنا؛ وهذا يعني أنَّ المشاعر تؤثر في قراراتنا المصيرية والحاسمة.
العاطفة
إنَّ العاطفة كما يعرِّفها علم النفس، هي حالة نفسية معقدة، لها ثلاثة مكونات أساسية؛ وهي: الخبرة الذاتية، والاستجابة الفيزيولوجية، وردود الفعل التعبيرية والسلوكية، وهي قادرة على إحداث تغيرات جسدية أو سلوكية أو نفسية أو كل ما سبق، بشكل يؤثر تأثيراً هاماً في أفكارنا وتصرفاتنا وقراراتنا. ويمكن تعريف العاطفة، على أنَّها نتاج تفاعل عدد من العناصر النفسية التي تتكون منها النفس البشرية، وهي الطبع، والمزاج، والشخصية، والمحفزات، ولكي نفهم عواطفنا ومشاعرنا ونستوعبها ثم نتقبلها، علينا في البداية أن نفهم طبيعة التفاعلات والتداخلات بين تلك العناصر السابقة.
كيف تحدث المشاعر؟
نحن نشعر بالفرح والسعادة لأنَّنا نضحك وليس العكس. أي إنَّ الانفعال الشعوري يحدث عندما يتعرَّض الإنسان لمُحرِّض من البيئة الخارجية المحيطة به، والذي بدوره يُسبِّب رد فعل أو لنسميها استجابة فيزيولوجية، يفسرها الجهاز النفسي بمشاعر أو أحاسيس معينة. على سبيل المثال: لنفرض أنَّك تسير في غابة وصادفتَ كلباً؛ إنَّ رد الفعل الطبيعي أن يرتجف جسدك، وربما تتسارع دقات قلبك بشكلٍ صريح؛ حيث إنَّ ردود فعلك واستجاباتك الفيزيولوجية اللاشعورية وهي الارتجاف وتسارُع دقات القلب، هي السبب في إحساسك بالذعر والخوف؛ بمعنى آخر، أنتَ خائف لأنَّك ترتجف، وليس العكس.
عندما ينضج الإنسان فإنَّه يصبح قادراً، على أن يُعرِّف مشاعره من خلال استخدام الكلمات أو المصطلحات، ومع اتساع ثقافته ومستوى وعيه بنفسه، يصبح أكثر قدرة على تحديد مسببات أو منابع تلك المشاعر، وهو ما يسميه خبراء علم النفس، الإدراك الشعوري.
*فن إدارة المشاعر:
إنَّ الإدراك الشعوري لا يتعلق فقط بفهم المشاعر؛ وإنَّما يتجاوز هذا الحد إلى مرحلة الإدارة الدقيقة لجميع أنواع المشاعر ومحاولة تعديل أو إلغاء غير المناسب منها حتى لا نقع في مشكلة.
إنَّ موضوع إدارة العواطف والمشاعر، هو من الأمور الهامة ويجب التعامل معه بمنتهى الحذر؛ وذلك لأنَّه سيحدد فيما إذا كنت ناجحاً أم لا في علاقاتك الاجتماعية والمهنية، وإذا تركتَ مشاعرك وعواطفك دون إدارة، فمن الممكن جداً أن تتسبَّب في ردود فعل غير مناسبة تجعل المجتمع في حالة نفور منك. فعلى سبيل المثال: تقوم أنت وصديقك بالذهاب إلى مقابلة عمل في شركة ما، فيما بعد يصلك خبر رفضك في المقابلة في حين أنَّ صديقك قُبِل للعمل لديها، إنَّ أول المشاعر التي تنتابك هي مشاعر الغضب والاستياء تجاه صديقك الذي قُبِل، أما إدارتك لمشاعرك فتدفعك إلى التروي قليلاً، وتقول لنفسك إنَّه مجرد رفض في عمل واحد، وهي ليست نهاية العالم، ويجب عليك أن تستمر في حياتك الطبيعية، وربما البحث عن عمل آخر يكون أفضل من الوظيفة التي كنتَ قد تقدَّمتَ إليها. في الحقيقة، إنَّ الإنسان لا يستطيع التحكم بالظروف الخارجية، لكنَّه وبكل بساطة قادر على ضبط استجابته أو رد فعله تجاه هذه الظروف؛ لذا يجب عليك أن تتمهَّل وتفكِّر جيداً في كل تصرُّف ستُقدِم عليه؛ وذلك لأنَّه سيؤثر في حياتك ومستقبلك عموماً.
*أمور عن المشاعر يجب عليك معرفتها:
-يجب أن نعلم أنَّ العواطف متقلِّبة ومتغيرة باستمرار، لأنَّ المشاعر هي مرحلة زمنية قصيرة، قد تستمر دقائق أو ساعات، ومن بعدها ستنتهي حتماً.
-تتباين طبيعة أو قوة المشاعر من شخص إلى آخر، ومن وقت إلى آخر، فهناك المشاعر الخفيفة والمتوسطة والشديدة، ويُعبَّر عن كل واحدة منها حسب الحالة النفسية للشخص في تلك اللحظة، وحسب الموقف الذي تعرَّض له، ومتغيرات عدة أخرى.
-يُعَدُّ التدريب على مهارة التحكم بالمشاعر وضبطها وتعديلها، أمراً في غاية الأهمية؛ حيث لا توجد مشاعر جميلة وأخرى سيئة؛ بل يوجد أسلوب جميل في التعبير عن المشاعر وأسلوب سيئ أو غير مناسب.
-إنَّ المشاعر كلها مشاعر طبيعية وعادية، ويجب أن نعلم أنَّه من حق النفس البشرية أن تختبر أو تجرِّب كل هذه المشاعر حتى لو كانت مشاعر سلبية مثل الخوف أو القلق أو الكره أو التوتر، أو مشاعر جميلة مثل الحب أو الامتنان أو الشوق أو الشغف أو الحماسة؛ لأنَّ ذلك أمر ضروري من أجل بلوغ مرحلة النضج العاطفي، والمتابعة في اكتساب الخبرات في إدارة هذه العواطف.
-المشاعر السيئة التي نشعر بها أحياناً، تكون ناجمة عن مواقف معينة أنشأت في دواخلنا هذا الشعور السلبي، ومن ثمَّ فإنَّ التخلص منه لا يتم إلا عبر تحديد الموقف الذي سبَّبه ومعرفة جذوره وتحليله.