شهر رمضان شهر التوبة والغفران لكل شعوب الأمة الإسلامية، يتميز هذا الشهر الكريم؛ فضلاً عن زيادة رغبة الروح في التعبد والإقبال على طلب المغفرة، بعادات وتقاليد خاصة بكل شعب وبكل دولة إسلامية؛ بل والأكثر من هذا تختلف العادات والتقاليد في هذا الشهر الكريم بين كل مدينة وأخرى في نفس الدولة.
في النرويج ومعظم الدول الإسكندنافية تطول ساعات الصيام في الدول الإسكندنافية خاصة النرويج؛ إذ يصل عدد ساعات الصيام إلى 22 ساعة؛ مما يضع مشقة كبيرة وضغطاً على أجسام الصائمين؛ خاصة وقد يبدو الصوم في المناطق القطبية بالنرويج أكثر صعوبة؛ حيث لا يمكن الحديث عن فترة محددة لبزوغ الشمس وبقائها؛ بل قد لا تغيب فيها الشمس في فصل الصيف، وفي أفضل الحالات تتأخر بعض الوقت.
وينطبق هذا الأمر على مقاطعات شمال النرويج الثلاث، وهي فينمارك وترومس ونورلان، والتي تشكل نحو 35 في المائة من المساحة الإجمالية للبلاد، وتقطنها جاليات مسلمة قادمة على الخصوص من أفغانستان وسورية والعراق والصومال؛ إذ يتزامن رمضان لهذه السنة مع الليالي البيضاء التي لا تغيب فيها الشمس إلا لفترة قصيرة قد تصل لنحو ساعة فقط؛ أي أن النهار يستمر فيها لأكثر من 23 ساعة.
حرص على إحياء الشهر الكريم
يقول عبدالرحمن ديريي، رئيس المجلس الإسلامي في النرويج: من يذهب إلى النرويج في شهر رمضان سوف يشعر بأنه لم يبتعد عن بلاده العربية؛ فالمسلمون هناك يحرصون على إحياء شعائر الشهر الكريم هناك؛ فالمسلمون في النرويج يحرصون على دعوة مشايخ من مصر والدول العربية لإحياء شعائر الشهر الكريم معهم ومساعدتهم على عبادات الشهر، كما يهتمون بالمظاهر الاجتماعية التي اعتاد المسلمون عليها في بلادهم.
يمثل المسلمون القطاع الأكبر من الجاليات الأجنبية في النرويح، البالغ تعدادهم (61774) نسمة.. وتحتل الجالية الباكستانية المرتبة الأولى، تليها الجالية الصومالية، والعراقية، ثم الجنسيات الأخرى.
نتيجة للموقع الجغرافي للنرويج -في أقصى شمال الكرة الأرضية- فإننا نجد مفارقات مناخية غاية في الغرابة، وبالذات في أقصى شمال النرويج الذي يقع داخل الدائرة القطبية.. حيث يطول النهار في الصيف جداً فيأخذ أغلب ساعات اليوم؛ بل إن الشمس -في بعض المناطق- لا تغرب لحوالي الشهر، كما يقصر النهار جداً -لبضع ساعات- في فصل الشتاء.. بل إن الشمس في بعض المناطق لا تشرق لمدة شهر كذلك.
هذه البلبلة المناخية تجعل المسلمين في حيرة من أمرهم عندما يطول عليهم نهار الصيف، وفي حيرة أخرى في الشتاء عندما لا تتعدى لحظات النهار بضع ساعات، أو عدة دقائق؛ فيهرع المسلمون إلى العلماء والفقهاء؛ ليفتوهم في أمر دينهم.. وتظهر سماحة الإسلام، مواكبته لكل زمان ومكان.. وأذكر زيارات لعدد من العلماء السودانيين للنرويج، أبرزهم فضيلة الشيخ د. عبدالحي يوسف، والشيخ محمد عبدالكريم؛ مما كان له وقع عظيم لدى الجالية المسلمة.
تختلف الأنظمة الغذائية لدى مسلمي النرويج باختلاف الجاليات؛ فالجالية الباكستانية تفضل الأكل الحار، كثير البهار والشطة.. بينما يفضل الصوماليون “المكرونة الاسباقتة”، والموز، ويدخل الموز تقريباً في جميع الوجبات.. أما الإرتريون فيفطرون على العصير و “السامبوكسة”، وإنك لتحسب أن ذلك هو كل الإفطار؛ لتفاجأ بعد قليل بالمائدة الكبرى من جديد.. المغاربة يحبون “الكسكسي” الذي هو أشبه بالبرغل، ويطبخ مع القرع والكوسة والجزر، وهو وجبة دسمة للغاية.
المراكز الإسلامية والمساجد في النرويج يربو عددها على الـ(40) مسجداً ومركزاً.. فالمراكز الإسلامية والمساجد تمثل منطلقاً للدعوة، ومقراً يلتقي منه المسلمون؛ فتقام فيه الشعائر، وتتوطد أواصر المحبة والتكافل، وبالذات في شهر رمضان، وتقام صلاة التراويح والتهجد في كثير من المساجد، وهناك عدد كبير من حفظة القرآن الكريم، من الصومال، والباكستان، على الرغم من أعجميتهم.
يأتي شهر رمضان على المسلمين المقيمين في خارج بلادهم- وبخاصة في البلاد الأجنبية - كوسيلة تذكِّرهم بالمجتمعات التي تركوها خلفهم، وكذلك بالقيم الروحانية للدين الاسلامي، وفي النرويج لا يختلف الحال كثيراً؛ حيث يترقّب المسلمون الشهر الكريم للتزوّد بالنفحات الإيمانية، ويواجه المسلمون مشكلات في تحديد موعد بدء الشهر الكريم بالنظر إلى صعوبة الطقس وانتشار الضباب وتساقط الجليد طوال العام؛ فيتم اللجوء لموعد بدء الشهر الفضيل في أي بلد في العالم، وبعد ذلك يتم تعميم الموعد على جميع المساجد في النرويج، وبذلك نجد أن المسلمين في النرويج يصومون معاً، وهو ما لا يتوافر في أي بلد غربي آخر تقريباً، كما يواجه المسلمون مشكلة أخرى في أيام الصيف، وهي طول فترة النهار في هذه البلاد؛ حيث سيطول النهار إلى فترات قد يصل فيها الصيام إلى 20 ساعة، وذلك بسبب الموقع الجغرافي للنرويج.
* احتفالات المسلمين بالنرويج
ويحتفل المسلمون بشهر رمضان على طريقتين: الأولى هي العبادات، والثانية هي المظاهر الاجتماعية وتحضير المأكولات، من الناحية الأولى نجد المسلمين في هذه البلاد يستقدمون الأئمة والمشايخ من الدول الاسلامية، وبخاصة مصر بلد الأزهر الشريف، ونجدهم يعملون على تهيئة المساجد بحيث تستوعب الأعداد الكبيرة من المصلين، الذين يأتون من أجل أداء صلاة التراويح التي تتخللها دروس ومواعظ رمضانية، وفي شأن مواعيد العمل يتم تنظيم العمل؛ بحيث يعمل المرء أقلّ من المعتاد في الشهر الكريم، على أن يعوِّضه بعد ذلك بعد انتهاء الشهر، إلا أن بعض المتعنتين ضد الاسلام يرفضون ذلك التنسيق.
أيضاً في شهر رمضان تنتشر الخدمات الخيرية؛ حيث تنظم المساجد موائد الرحمن لأجل تنمية المشاعر الدينية الراقية في نفوس المسلمين، وبخاصة الجيل الثاني، وفي ناحية الأطعمة نجد أن المسلمين ينقلون معهم عاداتهم التي توارثوها في مجتمعاتهم الأصلية؛ فنجد مثلاً انتشار الأكلات المصرية بين المسلمين المصريين، هكذا وتحرص المتاجر التي يمتلكها مسلمون على تقديم احتياجات الصائمين من المواد الغذائية طوال الشهر الكريم، الذي جعله الله تعالى فرصة للتقرب له، وللعمل على إحياء المشاعر الإسلامية الراقية ونقلها إلى غير المسلمين في بلاد المهجر.