إذا نظرت إلى من حولك في بيئة عملك ستجد أن هناك فروقاً كبيرة بين مهارات العاملين، لربما في كثير من الأحيان يمتلكون قدرات متشابهة ولكنهم أيضاً يختلفون في كثيرٍمنها على الرغم من تشابه تخصصاتهم العلمية، ومن أجل تحليل عمليات التوظيف واختيار الموظفين، وفهم نسب البطالة الحالية، يلزمنا تحليل حالة الوظائف الوطنية في بيئات العمل.
يوجد في شتى القطاعات المتنوعة مهن تقتضي مهارات فنية تسهم في عمليات الإنتاج المحلي، إلا أننا قل ما نجد إقبال الشباب عليها، فتركيب المعدات واللحام وقيادة السفن البحرية وغيرها من المهارات تعدّ في لبّ احتياج قطاعات المنظومة الصناعية، ومع ذلك نلحظ تكدس الأغلبية في محاولات دخول الجامعات أوالكليات لدراسة تخصصات أقل حاجةً في المشاريع المستقبلية الواعدة، فرغبة الحصول على الشهادة الجامعية التي يعتقد الأكثرية أنها ضمان للمستقبل الوظيفي هي النظرة المجتمعية السائدة والقاصرة في آنٍ واحد، فبعد النظر عن المشاريع التطويرية في مناطق المملكة المختلفة واحتياج الأيادي الوطنية هو دور استراتيجي في التنمية، ومع ذلك مازالت الوظائف الإدارية وتخصصات الهندسة والطب مكتسحة أحلام الشباب إلى اليوم.
تُعرّف الوظيفة اجتماعياً على أنها ممارسة لنشاط محدد بمكافأة شهرية، أما اقتصادياً فهي العمل المربح مادياً، ولنصل إلى تعريف دقيق يجب أن نحلل نوع الوظائف، فللوظائف مجموعة من المهارات: اللينة والصلبة والتقنية والمتخصصة، وتتباين تلك الاحتياجات وفقاً لسوق العمل، بيد أننا ركزنا في وظائفنا على نوع محدد من الوظائف المتخصصة، وأهملنا أهمية المهارات الحرفية الأخرى، التي لا تقلّ عن ضرورة الأولى، إضافةً إلى ذلك جعلنا الفوارق المادية سبباً في عدم اختيار الأغلبية للتخصصات الحرفية، فترتب عليه اقتصار أحلام الشباب على جانب واحد من التصور الوظيفي، وأسهمنا في زيادة البطالة لقلة الاحتياج للتخصصات العلمية السائدة في الجامعات والكليات اليوم، وبدلاً من زيادة القوى العاملة الوطنية توجهنا لاستقطاب مهارات الدول الأخرى.
ولتحقيق المشاريع الوطنية بأيدٍ وطنية سيلزمنا إعادة النظرة في نوع الوظائف ومسمياتها، والتوسع في المهارات الحرفية المتخصصة واستقطاب الشباب إليها؛ لسد ثغرات البطالة السامة. لعل أول الأمور التي يحبّذ النظر إليها هو تأهيل المسميات الوظيفية بما يناسب أهميتها وتجنب ربطها ضمن التصنيف الدوني، الذي يفتقر الفوائد الاقتصادية أو الحوافز الحكومية المجدية أوالصورة المجتمعية المتألقة، فالسبّاك وحامل المعدات والكهربائي ومشغل المصنع وسائق القطار كل تلك تعدّ وظائف تنموية للدولة، نحن في أمسّ الحاجة إليها قبل حلول 2030، والاستعداد لأصناف المهن الحرفية وربط طموح الشباب بها، فعامل تحضير القهوة قديماً عندما تغيّر مسماه الوظيفي ليصبح "باريستا" أو رسام القهوة، انحاز توجه الشباب إلى تلك المهنة بكثرة، وأصبحت اليوم حرفة تقديم المشروبات في المقاهي من الفنون المهنية التي يتهافت إليها الشباب بشغف، فمسميات الوظائف وفنونها تزيد من جاذبيتها والإقبال عليها.