ربّما من الصعب الحديث عن سمات موحّدة خاصّة بالعمارة والتصميم في منطقة البحر المتوسط متعدّدة الدول (21 دولة تشغل أجزاءً من 3 قارّات: أوروبا وشبه جزرها الجنوبيّة وجنوب غرب آسيا ومنطقة المغرب العربي في شمال أفريقيا)، لتأثّر البنيان بالمجتمعات مختلفة المشارب والعادات. لكن، هناك مميّزات تختصرها المنازل في بعض مدن المتوسّط حيث تلفح الشمس وجوه البشر، في معظم أيّام العام.
__
تلفت المنازل المتوسّطية المكلّلة بالقرميد الأحمر والمزدانة بالقناطر والواجهات الضخمة، والمحصّنة بالجدران الحجريّة التي تحتفظ بالهواء البارد في الداخل، مع ملاحظة العناية بالمساحات الخارجيّة، سواء كانت عبارة عن حدائق أو أفنية أو «ترّاسات»، فيما التصميم الداخلي يُعانق خيوط الشمس عبر الجدران الزجاجيّة.
الطراز المتوسّطي في سطور
الجدير بالذكر أن العمارة المتوسّطية كانت استلهمت الأقواس والأعمدة من عصر النهضة الإيطاليّة في القرن السادس عشر، كما البساطة والريفيّة من المستوطنين الإسبان في أميركا خلال القرن السادس عشر. ومن الحداثة، كان استلّ الطراز المتوسّطي أسلوب المنتجعات والترفيه المتصل بها، من خلال المخطّط المفتوح والمطبخ الفسيح، والمعيشة في مساحات المنزل الداخلية والخارجية.
المواد الطبيعيّة شائعة الاستخدام في تصميم منازل المتوسّط، على رأسها الحجر والطين والخشب والحديد المطروق (فيرفورجيه)، مع ألوان دافئة، والاكتفاء بالعدد الأقلّ من العناصر. أضف إلى ذلك، يكثر في الدول المذكورة آنفاً الحرفيون المهرة، خصوصاً في جنوب غرب آسيا ومنطقة المغرب العربي، الأمر الذي ينعكس على كيفيّة الاشتغال بالمواد.
عناصر من الطبيعة
عن ربط المساحات الداخليّة بتلك الخارجيّة في المشروع السكني، تقول مهندسة العمارة والتصميم الداخلي والمصمّمة ومؤسسة ومالكة Roba Youssef Architects ربى يوسف لـ «سيدتي» إن «المساحات الخارجيّة تقوم بدور رئيس في تشكيل هويّة المشروع ومنحه التناغم الطبيعي، بصورة عامّة»، مضيفة أن «الطبيعة تحضر أيضاً في المناطق الداخليّة، لجعل الانسجام يسود بين القسمين. لذا، تبدو نظرية «البيوفيليا» (أو التصميم البيئي)، بما تشتمل عليه من أشكال وعناصر مستلّة من الطبيعة مثاليّة لتحقيق الاتصال بين الطبيعة البشر، وتحسين الصحّة العامة والحال النفسيّة للأخيرين». وتركّز المهندسة الحديث عن طراز البحر الأبيض المتوسّط في التصميم، فتوضّح أن «الأخير يقوم على الاستخدام الصحيح للضوء والماء والأشكال المتجانسة المستلّة من الطبيعة والمواد». وتعدّد بعض النصائح لتطبيق النمط المذكور، في حديقة المنزل أو فنائه، منها:
- استخدام أحواض الزرع المعلّقة.
- تصميم مناطق للجلوس، مُظلّلة بالنباتات المتسلّقة الجميلة والعطرة.
- كساء الأرضيّة بالحصى.
- استخدام بلاط البحر الأبيض المتوسّط المنقوش.
- توظيف الألوان الترابيّة الدافئة.
- توظيف عنصر الماء.
- جعل الكمّ الكافي من ضوء الشمس يتسلّل إلى المساحة، مع أهمّية الحفاظ على التوازن بين الضوء والظلّ.
الإبداع
تُشدّد المهندسة على أن «نسخ أي أسلوب بحذافيره غير مرغوب في عالم التصميم والتصميم الداخلي، إذ على المصمّم الاستلهام من كل الطرز، الكلاسيكية منها والحديثة والمعاصرة، وإضافة اللمسات العصرية الفريدة إلى المشروع، لأن وظيفة مهندس التصميم الداخلي هي الإبداع وخلق الحلول».
مواد «صديقة» للبيئة
في الإجابة عن سؤال «سيدتي» حول المواد الأكثر استخداماً في التصميم ذي النمط المتوسّطي، تشير المهندسة إلى أن «المواد التقليدية «الصديقة» للبيئة والمتوافرة على الصعيد المحلّي، تحقّق الاستدامة والتجدّد والمساحة الصحّية. في هذا الإطار، يمكن استخدام العديد من المواد الطبيعيّة أو المشغولة يدويّاً (الحجر والخشب والجبس والقشّ والمنسوجات الطبيعيّة...) ، من دون الإغفال عن أهمّية لمسات مهندس التصميم والكيفيّة التي يتبعها في استخدام المواد».
أثاث مريح
يتراوح أثاث المنزل متوسّطي الطراز من البسيط إلى الرسمي بعض الشيء، ويتوزّع في مساحات مفتوحة أقسامها على بعضها البعض ومنسجمة مع بعضها البعض. الأثاث قليل العدد ومريح، لكنّه واضح في مخطّط التصميم. في العموم، يُختار عدد قطع الأثاث بناء على احتياجات العميل، وعدد الأشخاص الذين يعيشون في المنزل والأنشطة المؤداة فيه، حسب المهندسة.
ملامح التصميم المتوسّطي في غرف المنزل
- غرفة المعيشة: حضور الجدار الزجاجي في المنطقة المذكورة كفيل بتوفير الإضاءة النهاريّة، التي تنعكس إيجاباً على الجدران المصبوغة بصباغ ذي لون بيج، وتجعلها مشرقة. ينسحب الأمر على الألوان الترابيّة المستخدمة في المساحة المؤثّثة بأثاث معاصر وغير متكلّف، مع ملاحظة طغيان الأشكال العضويّة المستوحاة من الطبيعة.
- غرفة الاستقبال: يجب أن يكون قسم الاستقبال مفتوحاً ومنسجماً مع التصميم المركزي (منطقة المعيشة).
- المطبخ: لمواد الطبيعة وعناصرها وألوانها دور مهمّ في أسلوب البحر الأبيض المتوسّط التصميمي، لذا على غرار الغرف الأخرى، فإن مصدر مواد المطبخ هو الطبيعة، ومنها: الخشب الصلب للأثاث والأرضيّات. ينسحب الأمر على ألوان الطبيعة وتدرّجاتها الفاتحة والمشرقة والمريحة، مع تمييز المطبخ بقوام واضح وبعض الهدوء.
- الحمّام: لا مانع من استخدام ألوان الطبيعة الجريئة (البرّاقة) بشكل معتدل، جنباً إلى جنب الألوان الترابيّة، في الحمّام الذي يُجهّز حسب أسلوب الحدّ الأدنى Minimalist Style حتّى يبدو بسيط المظهر.
باختصار...
للتعبير عن أسلوب البحر الأبيض المتوسط بالطريقة الأفضل، تدعو المهندسة ربى يوسف إلى التركيز على الطبيعة ومميّزاتها، والإفادة من ضوء الشمس، في مناطق المنزل الداخليّة والخارجيّة، بما في ذلك المساحات المفتوحة، مع ربط الأماكن الداخلية بالخارج باستخدام النهج «المينيماليست»، وخلق التباين والتوازن في الديكور، كما حسن تنسيق الأثاث المناسب وتصميم الجدران.