يمكنك أن ترجع الأشياء لأصلها إذا راودك الفضول حول الأشياء، الورقة، كانت ذاكرة الشجرة يوماً ما، الكهل كان طفلاً يلهو في الحديقة الجانبية للبيت، الكره كان حباً في زمن تاه في جيوب العمر، الذي مهما غسلته الأمهات، سيبقى معطراً بالآهات، البراءة أخت البذاءة المستترة، المستقبل ماضٍ نحو الغد في مركب صنعه الأمس من الذكريات..
والموت أخو الحياة، لولا فرقتهما الحسبة لموازنة الذنوب ومن يغلب في المعركة الدائمة، الخريف ابن الربيع على الرغم من أن الشتاء يُثبت أبوته بقسوة، إلا أن الذاكرة تُنقذ الأمر كل مرة حين يسقط من قلوبنا الأحبة..
الحب أصله الله، ريع الإيمان الصادق، ونحن أبناء العهود.. كنا ذات يوم أطفالاً نلهو في طين لا ينبض، كنا يوماً أطفالاً نغيظ النهر بالحجارة، بتنا اليوم كباراً، نراعي نبض الطين في عروقنا، وعلى أكتافنا شهود على ما نقوم به..
في نظر الأطفال، نحن أبطال خارقين، وقت تشاركهم اللعب وترسل الكرة عالياً وتلتقطها بكل خفة حين تعود، وحين تمازحهم بإلقاء حبة الفشار عالياً ثم تلتقطها في فمك، يصفقون لك مهللين للقدرة فيك، حين يكون في إصبعك جرح وينبهك لوجوده طفل، ويسألك إن كان يؤلمك فتقول: لم أتنبه له لولاك..
حين تصنع من قدميك أرجوحة ليلهو بها الصغار وتتناوب عليهم الأدوار، أنت بطل خارق في نظرهم، وإذا ما نظرنا من زاويتنا نحن الكبار المنهمكين في طوارئ الحياة، فإن الأطفال هم أبناء البراءة الأولى، والدهشة التي كبرت عن مقاس أرواحنا، أو الدهشة التي خلعناها من روحنا استعجالاً لنجرب دور الكبار، وندمنا وشهدت الأمهات على ركض العمر فينا..
أسوأ العمر حين تكتشف أنك ترفض حياة الكبار، وتريد أن تعود طفلاً تعنيك البراءة والطهر الكامل، وتريد أن تُصرح بحاجتك للحب، ولإمساك يدك، ولكنك ملوث بحياة الكبار، تتعبك دورة الأيام، والتماثل للرغبة، والاستسلام..
من سوء الحظ أن عجلة العمر تدور وسيكبر هؤلاء الأطفال ويجربون ما جربنا وجرب آباؤنا، ستلطخهم الحياة ببقعها، وسيصبحون أبطالاً خارقين ملوثين لا مرئيين مثلنا، ونستمر بالتفاؤل الكذاب لجيل جديد، سيفضح تبجح الحياة ونموها في صدورنا بالشوك.
هذا العالم، حكاية رواها الأجداد، أتساءل وأنا أنظر لأبنائي يلهون بطين لا يفجعهم خديعته: هل سنصبح الحكايات التي نسمع عنها؟