التربية أعظم وأهم مهمة قام بها الإنسان، ينجح فيها القليلون وترهق الكثيرين، والناجحون فيها هم فقط أولئك الذين أدركوا سر التربية، واستنتجوا أن التربية بناء وليست موقفاً عابراً بأهداف قصيرة المدى، أو مجرد تأدية مهمة ووظيفة من أجل راتب شهري وتدرج وظيفي.

حول هذا الموضوع الهام الذي تحتاجه كل معلمة وتربوية، يخبرنا المستشار التربوي الدكتور مكارم الفتحي، مدير مركز الاستشارات التربوية والنفسية " EPCC"، بعدة نقاط محورية وهامة بشكل موجز وسريع.

يقول الدكتور مكارم: "بداية دعونا نراقب معلماً ناجحاً يعالج سلوكاً خاطئاً لطالب ما، سنكتشف أن هذا المعلم يجتهد في تقويم سلوك الطالب ليجنبه الخطأ، غير أنه لا يمكن أن يتخذ قراراً يؤدي إلى نفور الطالب منه؛ لأنه يدرك أن هدفه الأساسي المحافظة على علاقة مميزة ودائمة ومحترمة مع طالبه، وليس فقط تصحيح السلوك الحالي الخاطئ، لذلك نجد أن هذا المعلم يصبغ توجيهاته ونصائحه بلون الود والإقناع، ولنراقب على العكس معلماً يعتبر السلوك الخاطئ من الطالب إساءة متعمدة له وللدرس، سنكتشف أنه يضع نصب عينيه هدفاً واحداً، وهو إعادة هذا الطالب إلى الالتزام بقواعد الدرس ولو على حساب العلاقة طويلة الأمد معه، وإذا نجح المعلم في إلزام الطالب بقواعد الدرس مؤقتاً، فإنه يخسر عقله وقلبه وانتباهه، ولك أن تتخيل العملية التربوية كيف ستكون مع هذا النمط من التعامل".

ويضيف: "لذلك فإن المعلم الذي يدرك الفرق بين الأسلوبين هو معلمٌ يستطيع أن يحفر اسمه وملامحه في عقل وقلب وذاكرة طلابه، ويستطيع أن يجعل درسه هادئاً وهادفاً، والمسألة ليست صعبة، لكنها قد تتحول إلى مستحيلة، أو إلى متعة النجاح، فطريقة تفكير المعلم وأسلوب فهمه لدوره تجعل التربية ممتعة له ولطلابه إذا آمن أن رسالته تتمثل بأن يقدم عملية تربوية متكاملة يتعلم فيها طلابه كيفية احترامه واحترام درسه، وذلك من خلال إشعارهم بأن العلاقة بينه وبينهم أكبر من أن يفسدها خطأ هنا أو خطأ هناك، وأن يشعرهم بأنه يتفهم أخطاءهم، وحينها سيتفهم الطلاب حرصه عليهم عندما يلجأ إلى الحزم الهادف والمقنع".

ويختتم حديثه بقوله: "المسألة ليست القرار الذي يتخذه المعلم، وإن كان عليه أن يتخذ قرارات متوازنة، لكنها طريقة تفهم الطلاب وتقبلهم لقرارات معلمهم التي تعتمد على أسلوبه في العملية التربوية، ومن يحقق هذه المعادلة يستطيع أن يقدم تربية متكاملة أخلاقياً وعلمياً".