للطراز الصناعي في الديكور، قصّة يرجع تاريخها إلى أوائل القرن العشرين، وتحديداً إلى حقبة إغلاق المصانع في أوروبا الغربيّة (بريطانيا وألمانيا وفرنساو بلجيكا وهولندا واللوكسمبورغ) والولايات المتحدة واليابان. ففي نهاية الثورة الصناعيّة الثانية (أو الثورة التكنولوجيّة)، خلّف إسدال الستار على مصانع بالجملة، العديد من المباني الكبيرة الشاغرة. لكن، شيئاً فشيئاً، مع التوسّع العمراني، عرفت المناطق الصناعية القديمة وظيفة جديدة متمثّلة في التحوّل إلى أحياء سكنية.
مع مرور الوقت طور المصمّمون الطراز الصناعي فهذّبوه وجعلوه أكثر ليونةً
في اختصار لخصائص الشقق القابعة محلّ المصانع المهجورة، يمكن الحديث عن أسقف مرتفعة مستغلّة في تصميم طبقة ثانية لمكتب العمل أو غرفة للأطفال في كل وحدة سكنيّة، ونوافذ ضخمة لا تحجبها الستائر، ومساحات داخليّة شاسعة تداعبها خيوط الشمس وكثيرة وحدات الإضاءة الصناعية، وقليلة الجدران. لا تخفي الشقق هويتها الأساس خلف التشطيبات أو الألوان أو الواجهات الزخرفية، بل على النقيض من ذلك يبرز مهندسو العمارة والمصممون الداخليون أنابيب التهوية والأسلاك والعوارض الخشبية (أو الجملون) في الأسقف والطوب القديم على الجدران، ولا يلجؤون إلى الطلاء سوى نادراً، كما يستخدمون الزجاج أو الأرفف أو العوازل القابلة للطي أو الأثاث أو أنواع مختلفة من تكسية الأرضيات في إنشاء مناطق مختلفة ضمن المساحة الواحدة... باختصار، هم يدمجون مواد البناء بالفضاء الداخلي.
لطالما كانت الشقق المصممة حسب الطراز الصناعي مرغوبة من الفنّانين في كل الميادين
الوظيفة أوّلاً
يقدّم الطراز الصناعي الوظيفة على الشكل، ويستخدم مواد، مثل: الخرسانة في الأرضيات (يستبدل بعضّ الملاك بالخرسانة، لبرودتها، «الباركيه» أو البلاط السيراميك في المطبخ والحمامات أو الرخام)، بالإضافة إلى المعدن والزجاج والطوب والخشب في الجدران والأسقف والرفوف، ويركّز على تاريخ المباني الصناعية المهجورة. يبدو الأثاث، بدوره، حسب الطراز المذكور عمليّاً وبسيطاً وقليل العدد، وهو يوزّع بصورة تبعده عن الجدران، مع تزيينها بالملصقات الإعلانية وفنّ الغرافيتي والصور واللوحات، وتوزيع المنحوتات والتماثيل.
لطالما كانت الشقق المصممة حسب الطراز الصناعي مرغوبة من الفنّانين في كل الميادين، فهي تسمح بالتنقل بحريّة فيها وتجعل الأخيلة تسترسل في الأفكار.
تصميم داخلي أكثر ليونةً
كان المصمّمون طوّروا الطراز الصناعي، مع مرور الوقت، فهذّبوه، وجعلوه أكثر ليونةً، كما أضافوا بعض العناصر إلى هويته التي أمست مركّبة من المظهر الصناعي وطراز الحد الأدنى (المينيمالية)، حتّى أصبح كثيرون يرغبون به وبمساحاته الداخليّة ذات الخطوط «النظيفة»، والقطع القليلة المختارة بعناية والمصمّمة من المعادن خصوصاً، والخشب والجلود، والعمليّة والمريحة، مع اختيار الألوان المحايدة لها.
استلهام من الطراز الصناعي
ربما يصحّ نسب الأثاث الذي يصمّمه راشد سلطان وينفّذه إلى الطراز الصناعي. يعرض المصمّم اللبناني مجموعاته غير التقليديّة بين بيروت وباريس ونيويورك. في الحديث إلى «سيدتي» عن نظرته إلى الطراز الصناعي، وكيفيّة الاستلهام منه والتعبير عنه في أعماله، يقول إن «الأسلوب الصناعي «مينيمالي» وعملي، وهو يتمظهر في أعمالي عبر قطع عالية الجودة وغير مرهونة بزمن محدّد بل على النقيض من ذلك هي قابلة للتوريث من جيل لآخر».
ويضيف أنّه «يدمج المواد الخام، من معادن وخشب مصمت وجلود، بقطع الأثاث، ويبرز الخامات المذكورة بكل بساطتها وعمقها، لتتميز القطع بالجاذبيّة حسبه، خصوصاً أنّها مشغولة يدويّاً، وتتخذ أشكالاً عضوية».
عن التشطيبات والألوان، يقول إن «عمليّات التشطيب والتلميع متعددة، اعتماداً على الأخشاب، مع التجريب ومزج تقنيات مختلفة باستخدام الزيت واللك والورنيش»، لافتاً إلى أنّه يهوى إبراز عروق الخشب الطبيعية، وأنّه ينجذب في الغالب إلى الأصباغ الطبيعية عندما يتعلق الأمر بالألوان.