جالسة في زاوية المقهى، أحصي أحزان العام، أحاول ابتلاع قلبي، إلا أنه في كل مرة يغلبني، حين يغيظني فتى المقهى الذي يُصوب الأغنيات نحو حزني، فأترك الهمّ وحيداً وأحاول أن ألهو بالعمل الذي أهرب منه في البيت، ولكن لا مُحالة، يتردد صدى الأغنية داخلي «صرت امتداداً للحريق» أكررها وأقلب الكلمات في قلبي، أرى حرائق العمر خلفي، أتذكر أن أصدقائي في طريقهم لنروي ابتسامات ذابلة، ألامس وجهي بيدي، هكذا يكون السحر، حين علمتني إياه أمي ذات ليلة اشتد فيها الحزن وتسلق جبهتي، أذكر كيف لمست وجهي وطردت هماً شقياً، قائلة:
«لا ذنب للصباح بما يصنعه الليل»..
وأنا الآن أفعل مثلما علمتني، أمسح عن وجهي الحزن وأطرد الهم، وهو يلمح شعوذتي في تبديل وجه أحزاني في طرفة عين..
دخل الأصدقاء، جالبين لي معهم قلباً جديداً، لم يضخ به دم أحد قبلي، فارغ وجاهز للحب، قدموه لي هدية، وجلسوا بعد أن طردوا أحزاني ومسحوا آثاراً دموع مرة، وطلبوا منه أن يُحضر كعكة صغيرة وليكتب اسمي وعمري، ويجلبها مغنياً كل أغنيات الفرح وليُصفق كأنه يصفع جبلاً، وجاء منفذاً أوامرهم مخترقاً صدري بنظرته هامساً في أذني - أرجوحة في الصحراء، فراشة في صدري - وذهب وسط استغرابي مما سمعت، وسؤال أصدقائي إن كان قد قال شيئاً يؤذيني، قلت لهم:
«لقد تمنى لي عاماً سعيداً، وأنتم أحضرتم لي قلباً جديداً، هيا نقطعه»..
وبدأ عمر جديد من أن أمضي حياتي أبدل وجوهاً، وأستقبل وجوهاً.. ولا أستطيع أن أبادله حباً لأن فوق قلبينا جبال لا تلتقي..
كان حزني في وضع طيران، فاستمر الضحك، حتى ضج صوت الموسيقى فجأة في خلفية المقهى يقول «وحدي في أيامي اللي جاي» لو أقسمت أني سمعت صوت قلبي يتشقق لن يُصدقني أحد، ولكن هذا ما حدث..
وقررت الفرار قبل أن تمللهم أحزاني، وتتفشى الحكايات من جسدي، ويحيي النبع من عيوني، ولا يتوقف قلبي عن قذف كرات نارية، ذهبت ووقفت أمامه، أطالبه بالفاتورة، فسألني: لماذا تكذبين؟
فهمت سؤاله جيداً، ولكني أخذت وقتاً لأستوعب جرأته..
كررها قائلاً: لماذا تُنكرين حزنك كأنه عار يلحق بك، وأنك ماضية نحو الصحراء بقلب يحلم أن يكون فراشة!
ضحكت حتى انتفخ صدري وقلت له:
يخاف الملتحقون بجدية الأفكار، مزاح الآخرين لن أنتحر قبل أن أرى جرأتك في طرح حبك.
د. سعاد الشامسي