الفن بالنسبة للتشكيلية السعودية ميرفت الأمير ثقافة، لكنها ليست ثقافة عابرة أو سطحية؛ بل ثقافة فلسفية، فمن ضمن مشروعاتها الفنية أن يتحول الفن البصري إلى ثقافة يتذوقها الجميع مهما كانت أعمارهم ومهما كان مستواهم الاجتماعي والفكري. فالفن لا يقدِّم إلا كل ما هو جميل، ويُعَوَّل عليه في الارتقاء بالذائقة الجمالية، وقد شاركت في معارض عالمية، وترشحت لأهم جوائز الفن في العالم، وأطلقت العديد من المبادرات لنشر وتعليم الفن، وأهمها تأسيس الحملة الدولية «هيا نرسم». في الحوار الآتي نرافقها في رحلة إلى أجواء الفن والألوان.
اللهو بالألوان
متى اكتشفتِ أن الفن هو شغف حياتك؟
بدأت مسيرتي مع الفن مثل أي طفلة تحب أن تلهو وتلعب بالألوان، لكنني كنت في قرارة نفسي أشعر أن الرسم هو شغفي في الحياة؛ فحبي للرسم لم يكن مرحلة وقتية، بل كان مثل النهر يتدفَّق ولا ينضب، وكنت أحرص على أن تصبح رسومي مميزة عن باقي زميلاتي في حصص التربية الفنية، وكثيراً ما كانت رسوماتي تحصل على تقدير وإشادة من معلمي التربية الفنية، فبينما كانت غالبية الطالبات لا يُبدين اهتماماً بحصة الرسم، كنت أبذل أنا جهوداً مضاعفة للاهتمام والعناية بهذه الحصة، وأجتهد من أجل أن أتجهَّز لحصة الرسم بكل جوارحي، وهذا ما عزَّز في داخلي، وعلى مدى سنوات، قدرتي على التعلم السريع للرسم والتعلق به والاهتمام به.
تابعي المزيد: المصمّمة والتشكيليّة رحاب أبوراس: الزخارف التصميميّة تعكس هوية الإنسان
الفن المفاهيمي
ما المدرسة الفنية التي تنتمين لها، وهل ما زال هناك فنانون يلتزمون بمدرسة فنية في كل إبداعاتهم؟
لا أؤمن بالانتماء إلى مدرسة فنية معينة، فلم يعدْ في وقتنا الحالي فنان ينتمي لمدرسة ما، فكل فنان له أسلوبه الخاص، وهذا الأسلوب في الغالب هو مزيج من مدارس فنية مختلفة ومتنوعة. ومن أبرز المدارس الفنية التي حظيت بالانتشار والصدارة كانت مدرسة التجريد، سواء التجريد التعبيري أو التجريد الهندسي أو حتى التجريد الكلاسيكي، فكل هذه المدارس أصبحت متقاربة، ويتم الدمج بين كل هذه المدارس في عمل فني واحد. ومن المدارس التي أثارت الكثير من الجدل، الفن المفاهيمي، والذي يُطْلَقُ عليه أحياناً مفهوم المفاهيم، هو الفن الذي تكون فيه المفاهيم أو الأفكار المشاركة في العمل لها الأسبقية على الشواغل الجمالية والتقنية والمادية التقليدية، ويمكن بناء بعض الأعمال الفنية المفاهيمية التي تُسمى أحياناً المنشآت من قِبَلِ أي شخص ببساطة.
ما المؤشرات الدقيقة لارتقاء الذوق الفني بالمجتمع؟
يبقى الإحساس باللوحة هو المؤشر الأهم في تذوُّق وتلقِّي العمل الفني، وليس المدرسة الفنية التي ينتمي لها العمل الفني أو الفنان التشكيلي.
تابعي المزيد: التشكيلية البحرينية رباب رجب: أعمالي تمـزج الـفن بالتراث
المتاحف العالمية تقتني إبداعات سعودية
ما الشواهد التي تدلِّل على وصول التشكيلي السعودي إلى العالمية؟
أصبح للفنان السعودي والفنانة التشكيلية السعودية خاصة، خلال السنوات الأخيرة، مكانة متميزة بين الفنانين في العالم، وخير دليل اقتناء المتاحف العالمية لأعمال الفنانين السعوديين، كما أن لهم حضوراً رائعاً في المعارض الفنية الدولية. وقد أسهمت رؤية السعودية في مجالات كثيرة في تحقيق تلك الغاية التي كان الفنانون السعوديون والفنانات السعوديات يبحثون عنها منذ عقود وَلَّت. وكان أبرز دعم تمَّ تقديمه للفن من مؤسسة مسك الخيرية، وهي مؤسسة غير ربحية، ولها أنشطة عالمية، وكان لها الفضل في النهوض بالفن وخلق أجيال واعية بأهمية الفن.
تابعي المزيد: التشكيلية نور السيف: أنافس ذاتي لتنمية ريادتها الذهنية
الألوان المائية
أتمنى من الأجيال الجديدة أن تكون أكثر تطلُّعاً لإقامة معارض للألوان المائية على نطاق واسع لنشر هذا الفن الراقي
طالبتِ منذ سنوات بأهمية استخدام الألوان المائية، لماذا؟
للأسف لا يزال هناك تقصير في استخدام الألوان المائية في المعارض الفنية، ولقد طالبتُ من سنوات بضرورة الاهتمام، لكن ما زالت الأعمال التشكيلية المنفَّذة بمادة الأكريليك أو المواد الأخرى أو بالمجسمات الفنية أو غيرها هي المتصدرة للمعارض التي تتم إقامتها. والأسباب تعود إلى أن الأجيال القديمة من الفنانين لم يكن لديها قناعة بأهمية استخدام الألوان المائية، وربما أغلب أصحاب المعارض هم من أصحاب تلك النظرة للألوان، لكنني أتمنى من الأجيال الجديدة أن تكون أكثر تطلُّعاً لإقامة معارض للألوان المائية، وأن يكون تبنِّي ذلك على نطاق واسع؛ لنشر هذا الفن الراقي.
ما أهم الجوائز العالمية التي رُشِّحْتِ للفوز بها؟
حصلت على ترشيح لجوائز الفن العالمي في دبي، وكان من حسن حظي أن أكون من الفنانات الأُوَلِ من السعودية اللاتي حصلن على الترشيح في نسختها الأولى، وكانت تجربة رائعة للمشاركة مع فنانين من مختلف أنحاء العالم.
ما آخر معرض عالمي شاركتِ به؟
كان آخر المعارض التي شاركت بها في باريس، وكان عنوان المعرض PARIS exhibition at the CARROUSEL du Louvre، وكان حضوري للمعرض من أهم المشاركات في حياتي الفنية؛ فقد احتضن المعرض مجموعة من الفنانين العالميين. وأنا أفضِّل المعارض الدولية وخاصةً المعارض الجماعية؛ لاكتساب الخبرات، والتعرف إلى الفنانين العالميين، فتلك المعارض تتيح الفرص لتبادل الخبرات والاطلاع على التجارب الفنية المتميزة.
تابعي المزيد: الطبيبة الفنانة هبة إسماعيل: اللوحة هي عصارة الروح
بين الفن والتجارة
دمجتِ بين الفن والتجارة من خلال تجربة ناجحة، فما تفاصيل هذه التجربة، وأيهما طغى على الآخر: الفن أم التجارة؟
لديَّ تجربة مميزة تدمج ما بين الفن والتجارة، وأعتز بهذه التجربة، والناحية الفنية تطغى لديَّ على الناحية التجارية؛ حيث أقوم بعرض أعمالي على شكل دفاتر ونوتات صغيرة، فلوحاتي تُوضع على أغلفة تلك الدفاتر، وكم أشعر بالسعادة عندما أرى تلك الدفاتر بين أيدي الطالبات في المدارس.
أنت من القلائل الذين اتجهوا إلى توفير دروس مجانية في الفن قبل عقود مضت، فما أهم هذه الدورات والمبادرات التطوعية الفنية؟
قمتُ على مدى سنوات بإعطاء دروس مجانية للمتابعين على مواقع التواصل، وكانت فترة جميلة، واستفاد من هذه الدروس مجموعة كبيرة من الموهوبين، وأكسبتني خبرة طويلة في التدريب واكتشاف المواهب، ولكنني أبحث الآن عن التجديد والتحدي، فخلال هذه الفترة كان لديَّ اهتمام بالموهوبين في الفن التشكيلي، لذا أطلقتُ جوائز لتشجيع المواهب.
وما مشروعاتك المستقبلية؟
أخطِّط الآن لإطلاق مسابقات وفعاليات لخدمة الفن التشكيلي، لكن بصورة أكثر احترافية، كما أن لديَّ العديد من المشاركات التطوعية، وأهمها تأسيس الحملة الدولية «هيا نرسم»، وهي عبارة عن مجموعة متطوعين من الرسامين المحترفين وغير المحترفين لتعليم الدروس وتبادل الخبرات.
تابعي المزيد: الفنانة التشكيلية سلمى المرّي: الأمومة تفاصيل غارقة في الذاكرة