أصعب وأمر شعور جربته حتى اليوم، وأنا أخطو نحو السابعة والعشرين من عدّاد عمري الذي يصرف أياماً من دون هوادة، هو شعور الوحدة وأنا وسط أهلي، تماماً أمام حنيّة أمي القديمة، قسوة أبي وخوفه الدائم، أكتاف اخوتي المائلة، وحدانية الجرح والطرح..
أنا صورة الطائر المذبوح وسط هذه العائلة، لم يذبحوني، لا، هم أحنّ من هذا، ولكنهم لم يصدقوا أنيني، لا، لم يسمعوه حتى، يدوسون ظلي، يرشون الملح على جراحي من دون أن يقصدوا، يغمدون السيف في قلبي ويقولون: قلبك لا يلين!
أريد أن أوّحد صورة الجرح فينا وأعرض أحزاننا كمسرحية، ستتعاطف أمي وقد تبكي، أما عن أبي فلن يحتمل هذه الميوعة، على حد قوله، سيشك أخي أني قد اطلعت على قلبه وهو نائم واقتبست حكايته، وستمتعض عماتي لأني رددت أحزانهن الشابة في أحضانهن، وأنا بينهن طائر مذبوح يظنونه يستعرض مهاراته في الرقص!
وحدها الجارة التي لا تكاد تثق في اسمي، ستصفق لعرضنا المسرحي الحزين، لأنها هي الوحيدة التي تراني وأنا أعدل وجهي وأنا خارجة من البيت وأعيد ترتيبه وقت العودة..
أتذكر قول الجوكر هنا "يا ليت موتي يكون منطقياً أكثر من حياتي".
يصنع الأحبة ضجة عند الموت، ضجة كان أولى أن تكون حاضرة والإنسان عالق في حزنه، لا ينتشله أحد، ولا يتكلم خوفاً من سوء فهمه، أو الاستهزاء بمشاعره..
ما هو البيت؟
البيت بيت حين يكون فيه متسع لما يحتويه قلبك، لما ينضج في خاطرك من أفكار، لا سرير ومطبخ وحمام يغرق بالدموع الشاردة!
أن يكون لك بيت هو أن تمتلك حرية المشاعر، لا أن تجلدها وتجاهد في دفنها، وتصبح طائراً مذبوحاً تُفرفر روحه من التعب، وكل من حولك يظنونك راقص جيد أو إنسان تافه!
قف وقل الحقيقة لأنهم يحبونك ولكنهم لا يفكرون أنهم يقدمون أذيتهم على طاولة الطعام، ويطعنونك بالأمثال ويتناولون قلبك كطعم، قل: أنا متعب كشلال ماء تعب من ترديد أمواجه والأقدام السابحة في مياهه الثائرة.
هل تعلم ما المشكلة تحديداً التي نُعاني منها جميعاً، أن الأهل لا يراعون الروح فينا، هم فقط يراعون الجسد، يخشون أن تخزنا شوكة، يصرّون على أن الألم له شكل واحد، وهو الجسد، يا ظلامنا من هذا الفكر، إن الروح تفنى من أحزانها..!