السعادةُ في الحياة، هل هي في الحُب، في المال؟ فِيمَ تحديداً؟
جميعنا يُهرول وراء شيءٍ مجهول، لا نَعلم شكله أو ماهيتهُ.. كُل ما نعلمهُ أنهُ هُناك..
ينتظرنا.. يُنادينا.. وينصِبُ لنا فخاً مُحكماً.. لن نستطيع مِنهُ إفلاتاً..
طالما أننا تنازلنا عن القناعة والرضا..
طالما أن في داخلنا شيئاً من الطمع، والكِبرياء، وحُب الامتلاك..
طالما أننا نسعى للسيطرة على ما ليس من حقنا.. وأن نَملكَ أكثر مما ينبغي.. حينها فقط.. نَقع فريسة لشيءٍ اسمهُ السعادة..
والحقيقة أن السعادة في داخلنا نَحنُ، وليست هُناك أبداً..
السعادة فيما نملكُه الآن.. بين أيدينا..
السعادة فيما نستطيع تقديمهُ، وليس ما هو خارج عن إمكاناتنا.. نبحثُ عن السعادة في صندوقٍ أسود اسمهُ الحياة.. فتتلاعب بِنا الأقدار.. ومن حقها أن تفعل.. فقد رأتنا ضِعافاً، نتصارع في لهفةٍ للحصول على قدرٍ من السراب.. أن نُصبِحَ سُعداء.. ذاك هو الحُلُم الأوحد.. أن نملِكَ المزيد من المال لنسعد.. أن نسعى إلى الشُهرة.. لنكون سعداء.. أن نُحِب ما لا نستحقهُ.. لنشعر بلذة السعادة..
نتسابق هُنا وهناك، ونتقاتل أحياناً.. نموت ونحيا بين ضفتي الأقدار.. وما زِلنا لم نصل.. نُقدّم أغلى ما نملك.. نتنازل عن ضمائرنا.. نبيعُ إنسانيتنا، ونُتاجر بمشاعر الآخرين..
ندهُس بأقدامنا قلوب الضعفاء، بحثاً عن تِلكَ السعادة الملعونة.. لِكننا ما زِلنا لم نصل!
يفيضُ بِنا الكيل، فيُهيمن علينا الكبرياء.. نتحدى الأقدار، فنُصارع الموت.. ونُضِيع في هذا الزِّحام كُلَّ من نُحبهم، وفي النهاية.. نكتشف أننا كُنا نبحث عن سراب، مجرد سرابٍ عابِر ليس لهُ وجود..
السعادة فقط في أذهاننا، ليست إلا صورة سطحية بعيدة المنال.. صعبة التملُّك.. فتُثيرُ في داخلنا غريزة الامتلاك.. وما زلنا نسعى وراء حُلمٍ نملكُه؟!
كيف نُضيع العُمر في البحث عن الأصعب، والأفضل، والأغلى، ونترك ما بين أيدينا؟
إنهُ لو تعلم أغلى وأهم، إنهُ السعادة الحقيقية وليست السراب.. إنهُ نحنُ وما نملكهُ..
فالسعادة ليست معيارًا ثابتاً.. ليست مقياساً واحداً يُقارن به ومن خلاله الجميع، إنما هي سعادةٌ نسبية.. فتَجِد أحدَهُم فقيراً لَكنهُ سعيد بحياتهِ.. وتَجِد الآخر مُعاقاً.. لَكنِهُ يستمتع بعُمرهِ.. فالسعادة داخلنا وليست شيئاً صعب المنال... وشتان بين الطموح والطمع.. شتان بين السعي لتطوير النفس، وبين الطمع في أشياءٍ لا نملُكها..
وفي وسط بحثنا عن السعادة.. نواجه فِراقاً.. ويا لهُ مِنْ أمرٍ صعب التَحمُّل.. فِراقُ أحِبَّتِنا... فراقُ من قضينا في ظلهم سنوات.. فراق العشاق.. وفراق الأهل.. إنهُ أمرٌ أصعب مما تصفهُ الكلمات.. ألم شديد الحُرقة.. سلاسل من حديد تُقيّدُنا فلا نستطيع فرحاً.. نفقد الشعور بكُل شيء.. نفقد التواصل مع من حولنا..
ما إن نُفارق أحدهم، حتى يتحول طعم الحياة مُرّاً.. ويسيل من نهرها علقم.. وتندثِر الشمس فلا نرى من نورها شيئاً..
فأين ذهبتِ الحياة حين فارقتَ حبيباً، صديقاً، عاشقاً.. حين فارقتَ أحدَهم قريباً أو غريباً.. فارقت أحدهم كان في حياتك؟
كيف اكتست السماء بالسواد، وذهب النور، وانطفأت الأقمار؟
فلم يبقَ سوى ضي شمعةٍ على طاولتي.. بالكاد تُضيء ظِلَّ أناملي..
أسوأ ما في الفِراق ذاك الأثر الذي يتركهُ في داخلنا.. فترى العيونَ ذابلة.. والوجوهَ شاحبة.. والجسد مُنهكاً من التعب..
فلا تنسى ان تهدي من تحب ابتسامة، فرحة قبل رحيلك أو رحيله، فالسعادة في كل ما يسعدك قبل الرحيل.