درس المهندس عبدول زبيده العمارة والتصميم الداخلي في «جامعة بيروت العربية»، ثمّ انتقل إلى منطقة الخليج ليضع توقيعه على مشاريع سكنية فخمة تدمج مدارس كلاسيكية ومعاصرة ببعضها البعض، من دون أن تخلو من لمسات جريئة ومرحة. إلى «سيدتي»، يتحدّث المهندس عن تحدّيات العمل وعن كبر وعي الناس بتأثيرات التصميم على حياتهم، كما عن مفهوم الفخامة الذي يُجسده في مشاريعه. صغيراً، كان زبيده يتمنى أن يسأله أحد عن رأيه في الألوان وقطع الأثاث، وكان لمبنى مدرسته دور أكيد في التوجه إلى عوالم التصميم المتشابكة.
قدّم نفسك لقرّاء «سيدتي».
مصمم داخلي من أصل تركي وسوري مقيم في قطر؛ كنت اخترت منطقة الخليج لإطلاق علامتي التجارية في المجال، لإيماني بأن هذه الجغرافيا متطورة وتواكب الحداثة والتقدم في عالم التصميم، الذي أعتقد اعتقاداً راسخاً أنه يمثّل طريقةً للتعبير عن الشخصية وتطوّر الإنسان ومفاهيمه. أهتم بالعصرنة والجرأة والأنوثة في أعمالي، كما أحاول توظيف تجاربي السابقة ومعرفتي، في إطار إعداد مساحات داخلية تعكس شخصيات من يسكنون فيها وتلبي احتياجاتهم ورغباتهم. أرى أن متطلبات التصميم الداخلي، تشتمل على: الرؤية الجريئة والعاطفية والمفعمة بالحياة.. مستعد لتحدي نفسي على الدوام، واستكشاف كل ما هو جديد ومبتكر.
تنوع الثقافات والتقاليد والأذواق يمثل تحدياً أمام مصممي الديكور الداخلي العاملين في المنطقة العربية
يمكن كسر القواعد، بشكل إيجابي، لتحقيق التصميم الجديد والفريد
مبنى مدرستي
هل من سبب محدّد دفع بك إلى دخول عالم التصميم الداخلي؟
منذ سني طفولتي، كان كل من الألوان والأثاث المنزلي يجذبني؛ طالما تمنيت في حياة الطفولة أن أشارك في اختيار كل منهما، في منزلنا. مع مرور الوقت، أدركت أن هذا الاهتمام قابل للتحوّل إلى شغف. لذا، اخترت التصميم مجالاً للدراسة. في هذا الإطار، تهمّني الإشارة إلى أن مبنى مدرستي الذي يتبع الطريقة الفرنسية في العمارة، والمميّز بالأناقة والرقي كان يثير فضولي وهو سبب من الأسباب التي دفعت بي إلى التعمّق في المجال.
ما هو تعريفك للفخامة؛ الصفة التي تحرص على تضمينها مشاريعك؟
أؤمن بأن الفخامة تتجسّد في المزج بين الأناقة والرفاهية والتفاصيل الدقيقة التي تعكس شخصية صاحب المنزل وذوقه الرفيع. وأرى أن التصميم يتصف بالفخم، عندما يحتوي على مجموعة من العناصر الدالّة على هذا المفهوم، من أثاث وإضاءة وأنسجة وتفاصيل دقيقة، مثل: الزجاجات والأدوات المنزلية ووحدات الإنارة وحتى الستائر، من دون الإغفال عن الراحة، كما العمليّة. في مشاريعي، أحرص على تضمين العناصر الدالّة على الفخامة، بطريقة متوازنة ومناسبة للمكان وذوق صاحب المنزل، كما على حسن اختيار الألوان الجريئة والدافئة، مثل: الذهبي والبني والأحمر والأخضر الداكن، بالإضافة إلى الأبيض النقي الذي يعكس النظافة والصفاء.
مع ميل بعض المصممين أو ملّاك المنازل إلى المواد البديلة والمقلّدة (بديل الخشب وبديل الرخام والسيراميك...) لغرض التوفير؛ هل يمكن أن يبدو كل منزل فخماً؟
بالطبع؛ يوفّر استخدام المواد البديلة في التكاليف المرصودة لأي مشروع، لكن يجب أن يكون هناك توازن جيد بين استخدام المواد الأساسية الفاخرة وتلك البديلة الجميلة المنتقاة بصورة ذكية. فقد ينمّ المنزل المعدّ باستخدام المواد البديلة عن الفخامة، من دون أن يكون مريحًا بالضرورة وجذاباً للعيش. المواد جزء مهم من عمل المصمم الداخلي. من ناحيتي، قد أستخدم المواد البديلة، بطريقة ثانوية، مثل: بلاط السيراميك المقلّد لخشب البلوط لتغطية حائط في المطبخ أو تصميم طاولة طعام بصورة غير تقليدية، وذلك لإضفاء لمسات فريدة على العمل.
تابعي المزيد: المصممة معصومة هلال: ثقافات مناطق مختلفة غذت شغفي
تغيرات اجتماعية وثقافية
هل تلاحظ أن وعي الناس بأهمية التصميم في مساحاتهم الداخلية يكبر؟ ما هو دورك، في هذا الإطار؟
بالتأكيد، علماً أن ذلك لا يقتصر على التصميم الداخلي فحسب، بل يمتد أيضاً إلى الموضة والأزياء. يرجع الأمر إلى التغيرات الاجتماعية والثقافية التي تشهدها المنطقة، حيث يُتبنّى العديد من الاتجاهات العالمية وتأثيرها على الأسلوب الحياتي للناس. دور المصمم داخلي الأساسي، هو تقديم أفكار وحلول إبداعية وعصرية لتلبية احتياجات العملاء ورغباتهم. لا يمكن أن تتحقق هذه الأفكار والحلول إلا من خلال الجرأة والابتكار. لذا، أسعى لتحقيق هذا الهدف من خلال استخدام الألوان والمواد الجديدة وغير التقليدية والأشكال الجريئة وغيرها من العناصر لإنشاء تجارب متميزة ولا تنسى لعملائي.
هناك جانب مرح في بعض التصاميم؛ هل يعبّر ذلك عن شخصيتك؟
أعتقد أن التصميم ليس عملاً فنّياً فحسب، بل هو أسلوب حياة وتعبير عن الشخصية والمزاج. في هذا الإطار، الجرأة والابتكار، هما جزء من العمل، كما يساعدان على جعل أي مساحة أكثر إشراقاً وحيوية. إلى ذلك، الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة واستخدام المجسمات الفريدة والألوان الجريئة، كلها طرق قد تضفي لمسة من المرح على المكان.
هل تعتقد أن التصميم هو لعبة ذات قواعد محددة لا بد من اتباعها أم أن كسر القواعد يجذبك؟
أرى أن دور القواعد هو التوجيه، وليس التقييد. بالتالي، يمكن كسر القواعد، بشكل إيجابي، لتحقيق تصميم جديد وفريد.. عند مزج القواعد التقليدية ببعض الابتكارات الجريئة، قد يتحقق تصميم مثير وذو ملمس فريد من نوعه يعكس شخصية المالك للمساحة. عن المرح أيضاً وأيضاً، هو يحبب المرء بمساحته ويخلق روحاً لطيفة ويشعر بالراحة والانتعاش. بالتالي، يمكن أن يساعد التصميم الداخلي المرح والجريء على تعزيز التواصل الإيجابي بين الناس والمكان.
تابعي المزيد: المصممة أمل عابد: الاستلهام من تاريخنا يلفت الأنظار إلى حضارتنا
تنوع الثقافات والتقاليد والأذواق
وعي الناس بأهمية التصميم وتأثيره على جودة حياتهم يتزايد
ما هي نظرتك إلى مستقبل التصميم الداخلي، على صعيد المنطقة العربية؟
هناك إمكانات كبيرة لتطور التصميم الداخلي ونموّه، في المنطقة العربية، بفضل وعي الناس المتزايد بأهمية التصميم وتأثيره على جودة حياتهم، كما أسلفت. أتوقع أن تستمر هذه الصيحة، الأمر الذي يتطلب من المصممين الداخليين الاستعداد جيداً وتطوير مهاراتهم وتعميق معرفتهم بالاتجاهات والموضة الحديثة للحفاظ على نجاحهم في المجال. إلى ذلك، في المنطقة العربية، هناك تحد أمام مصممين الديكور الداخلي؛ مصدر التحدي هو تنوع الثقافات والتقاليد والأذواق. لكن هذا التحدي قابل إلى أن يتحول إلى فرصة للإبداع والابتكار، إذ يمكن للمصممين تقديم أعمال تجمع بين العناصر التقليدية والعصرية، بطريقة متناغمة ومتوازنة.
هل من مشاريع محددة كانت تمثّل تحدياً في مسيرتك؟
كل مشروع هو تحدّ تتصل به بحوث وأهداف هي الابتكار والتفاعل مع العميل لتحقيق النتيجة المطلوبة. من بين المشاريع التي توليتها، فتح بعضها مجال التحدي واسعاً، الأمر الذي أعده فرصة للتطور وتعلم الجديد، مثل: إعداد ديكورات عصرية لمتجر يبيع الملابس النسائية، وذلك في منطقة محافظة وتقليدية، ما استدعى احترام الثقافة المحلية من دون القفز عن العصرنة لجذب الزبائن. أضيفي إلى ذلك، هناك مشروع تصميم ديكور شقة في مبنى قديم، توليته، مع وضع نصب عينيّ الحفاظ على العناصر الأصيلة، كما تحديث المساحة لتلبية احتياجات العميل. وهناك مشروع تصميم ديكور فيلّا كبيرة، في منطقة ساحلية. كان مصدر التحدي هو إدماج عناصر طبيعية متوافرة في المنطقة بالمشروع، بالإضافة إلى إنشاء مساحات مريحة ومنعشة تتناسب مع الاستخدام اليومي والاسترخاء.
تابعي المزيد: المصمم زاهر سمير: أصفُّ الصدف الدمشقي وكأني أكتب قصيدة