عزيز بكاوي، هولندي من أصل مغربي، ترعرع في أحضان هولندا، من أبوين مهاجرين من مدينة بركان شرقي المغرب، عاش طفولته وشبابه بين أحضان الأراضي المنخفضة، التي ألهمته الفن والجمال. اسمه علامة مسجّلة في عالم الموضة العالمية، عُرف بابتكاراته باستعمال الكوفية الفلسطينية، التي أصبحت معه عنوان الأناقة الراقية وأسلوب تواصل مع العالم. الموضة والإبداع حلم الطفولة الذي لم يتخلّ عنه، ليصبح اليوم من أشهر المصممين العالميين. التقته «سيدتي» لنتعرف على مشواره مع الأناقة والهوية.
المغرب | سميرة مغداد Samira Maghdad
كيف دخلت عالم الموضة؟
دخلته إرضاءً لحلم الطفولة الذي نشأ معي، وهو حب الفن والإبداع. كنت أحب أن أصنع أشياء بيدي، وكنت دائماً أفكر في دراسة الهندسة المعمارية، لكنني سرعان ما اكتشفت أنّ عالم الموضة يفتح آفاقاً مباشرة وقوية. تمنح الجامعة دروساً عدة في الفن، بما في ذلك الهندسة المعمارية والفنون السمعية والبصرية. فالموضة بالنسبة لي جلد ثانٍ للإنسان، ولها علاقة مباشرة مع الشخص الذي يرتديها، وهي من تحدّد تواجده داخل الفضاء العام. وهذا الأمر يسعدني كثيراً. فالتنوّع والانفتاح الفكري الذي طوّرته خلال دراستي مكّناني أيضاً من تنمية قدراتي في مجال الهندسة الداخلية، وأغلب الطلبات التي أتلقّاها تأتيني من أماكن فنية تتعلّق بالمسرح والرقص وباقي الفنون. على سبيل المثال، صمّمت الديكور الداخلي لأكبر مركز ثقافي «لامار» في لاهاي.
نحن قصّاصون
ماذا يعني لك أن تكون مصمّم أزياء؟
إذا كانت الصناعة التقليدية مهمة بالنسبة للمصمّم، كذلك هي الرغبة في جعل الأشياء أجمل وأروع . والأهمّ هو نقل حكاية تلهمني شخصياً، والتي يمكنني كمصمّم أن ألهم بها الآخرين، بهذا المعنى نحن كلنا قصّاصون، نحكي حكايات للتاريخ. كلّ الفنانين والمصمّمين والسينمائيين يشبهون بعضهم البعض في سرد حكاية للتاريخ، من خلال موهبة كلّ منهم الشخصية.
هل اعترضتك عراقيل معيّنة كرجل يمثل ثقافة أخرى؟
عشت عراقيل كثيرة من خلال عملي، وحاولت أن أجعل منها تحدّيات. كنت أحاول أن أفهم السبب، وهل هو مرتبط في الأصل، لأواجه الحقائق وأكون أقوى. على كل حال، هذا الأمر يبقى جزءاً من التصوّر أو الرؤية التي أعمل بها.
أي مفهوم تتبعه في الموضة؟
ترتكز هوية عملي على تعلقي الكبير بالطريقة التي يقدم بها الناس أنفسهم في الفضاء العام. في هذا الاتجاه أعتبر السلوك الردائي يلعب دوراً مهماً. كما كان لي دوماً اهتمام بالمظهر، وكوني ترعرعت وسط ثقافات مختلفة شرق أوسطية وغربية، استطعت أن ألعب بكل هذه الاشكال التعبيرية المختلفة. إضافة إلى أنها تمنح غنَى واسعاً، وهذا يمنح حرّية أكبر في الإبداع. فتنت بكل هذه الأشكال التعبيرية المتنوّعة، ولم أرتبط بشكل واحد منها. فلكل منا أسلوبه في التواصل، وهو جانب خاص جدّاً، ولكنّه يسري وسط تصوّر اجتماعي وسياسي، إن صح القول، وهنا يكمن أساس رؤيتي للتصميم.
ترتبط الكوفية بالعادات
كيف فكرت في الاشتغال على الكوفية الفلسطينية؟
كنت ولا أزال مغرماً بالصناعة التقليدية. من أين يأتي الشيء؟ وكيف ولماذا صنع؟ من جهة أخرى، أي قطعة نسيج ليست مجرّد قطعة، بل هي تحكي حكاية. فالأنسجة بدون قصة وتاريخ هي فارغة وبلا روح وبلا أهمية، وهي يمكن أن تحكي تاريخاً مباشراً، وتعوّض عن 1000 كلمة. والكوفية قطعة قماش تتواصل وتقول لنا أشياء منذ قرون مضت. تحكي مقاومة الشعب الفلسطيني. قطعة النسيج هذه لها سلطة كبرى مرتبطة بالعادات والحرف التقليدية. قمت بأبحاث عن الكوفية، وأعدت صنعها بمعية متحف النسيج بهولندا. نسجنا منها عدداً من الأثواب، خيطاً بخيط، من الكشمير والصوف، حسب العادات والخبرة، وكأننا ننسج قصيدة.
ما الذكرى التي احتفظت بها عن أول عرض لك؟
أتذكر العرض جيداً منذ أكثر من 25 سنة، فقد حدث بعد سلسلة من التصوّرات والتجارب والأفكار. ولا تزال نظرات الإعجاب خلال العرض والإلهام الذي رأيته في عيون الناس، تلهمني وتمنحني قوة الاستمرار.
تابعي المزيد: المصممة ليلى موسى: أستمتع بتصميم الثوب النجدي بأسلوب معاصر
حاجة التجديد
ما العرض الذي يعدّ بالنسبة لك نبضة قلب حقيقية؟
لا يتعلق الأمر بالنسبة لي بشيء معيّن أو بزيّ بعينه، بل بالجودة التي أبحث عنها. وتكمن في درجة الرواج الذي سيعرفه التصميم. يجب أن يمنح التصميم الانطباع بأنه كان دائماً موجوداً، وإن كان جديداً تماماً. تصاميمي كلّها تلبّي حاجة التجديد لدى الناس، وفي الوقت نفسه أريدها أن تمنح انطباعا بأنها كانت موجودة دائماً. هذا على الأقل ما يحفزني للاشتغال دون تفضيل شيء معيّن على الآخر. هذا ما أسميه هوسي المفضل.
كيف تستلهم تصاميمك عادة؟
يأتي الإلهام مما يحدث في المجتمع. هنا والآن على المستوى المحلي والعالمي. أنا فضولي ومنفتح، أفكر في التصميم وأشكله بطريقتي وفق التطوّرات العالمية والمجتمع المعاصر. أحب الاستمرارية حين يتعلق الأمر بالأدوات وبمبدأ الاستدامة غير الملموسة، مثل نقل التاريخ والعادات. أنا مصمّم مستقلّ، أمثل روح العصر، وأتفاعل وأعبر عن هذه الروح. أستلهم من الموضة وآخر صيحاتها، وأيضاً من كلّ الأحداث التي تجري حولي في العالم.
متأثر بعز الدين علية
هل تأثرت بمصمّمين آخرين من العرب؟
المصمّم العالمي عز الدين علية Azzedine Alaïa بالطبع. التقيته مرة، وأعتبره أحد أهم المصمّمين الملهمين في العالم. وبما أنني كنت أبحث عن الإبداع حتى عندما كنت أفكّر بدراسة الهندسة المعمارية، وجدت فيه (أي عليّة) الجانب الفني المعماري والنحتي. كان المصمّم التونسي الراحل فريداً بلمسته الخاصة، وبابتكاره صورة مختلفة ومميزة للموضة.
ما هي الرسالة التي تود نقلها للشباب التوّاقين للموضة؟
أقول للشباب: كونوا قريبين من أنفسكم ومن آفاقكم وتصوّراتكم للعالم، ومن أفكاركم وأحاسيسكم، ولا تتركوا عالم الموضة يملي عليكم ما ستفعلون وما ستبدعون، ولا تتبعوا صيحات الموضة. إن جاريتم «الترندات» ستتحوّلون أنتم أيضاً إلى موجة عابرة. اهتمّوا بما تشعرون به وما تلاحظونه، هنا تكمن القوة ومن هنا ستصنعون تاريخكم.
ما الذي يسعدك أو يصنع سعادتك؟
أرى الحياة مثل سفر، وما يجعلني فعلاً سعيداً هم الناس الذين يعانقون تجاربهم كيفما كانت، ويشعّون من خلال هذه التجارب، قاسية كانت أم ممتعة. المهم أن يجعلوا منها إكسير حياة ويتقاسمونه مع الآخرين في أبهى الحلل. أكون سعيداً وأنا محاط بهؤلاء الأشخاص المتميزين الذين جعلوا للوجود معنى.
تابعي المزيد: المصممة السعودية نورة آل الشيخ: الموضة أداة قوية للتواصل بين الثقافات
تعرف ما تريد
ما هي بالتحديد أناقة المرأة؟
عندما تقرّر المرأة بنفسها ما هي أنوثتها، دون أن يملي عليها المجتمع تصرّفها. امرأة تعرف ماذا تريد، وتتحمّل اختياراتها. امرأة تعرف ماذا يناسبها، وترتدي وفق إرادتها ما يليق بها جيّداً، بكل استقلالية عن الموضة الدارجة. امرأة تعترض على عقلية القطيع، ولا تلهث وراء مصمّمين معيّنين أو علامات تجارية بذاتها.
من هي أجمل امرأة في العالم؟
اختار حليمة عدن Halima Aden، فهي امرأة تختار بنفسها ما معنى الجمال. هي التي عثرت على تعريفها الخاص بها للأناقة، والتي لا يملي عليها أحد ما سترتديه في هذا المجال. قادرة أن تصنع لمستها الخاصة ومظهرها.
ما هو أجمل زيّ صمّمته؟
الفستان الذي يطلق عليه Shirt Dress الذي يجمع بين الميزات الخاصة للتي-شيرت وفستان السهرات. هذا التصميم هو نتيجة أبحاثي عن الأزياء المفضّلة ومميزاتها، مثل تي-شيرت القميص الذي يجمع بين الراحة والشكل. أي تصور يجمع بين لباسين ضروريين في لباس واحد ضروري. وهكذا أصبح Shirt Dress أساسياً في كل عروض الموضة تقريباً، وقد ألهم مصمّمين آخرين أيضاً.
احترام النفس
كيف يمكن للموضة أن تساهم في تطوير الآخرين؟
الناس الذين يهتمّون بمظهرهم ويعتنون به يحترمون أنفسهم، وهذا الاحترام ينعكس حتى في احترام الآخر لهم. الاعتناء بالنفس يعني كذلك الاعتناء بالآخر. لذا، فالموضة يمكن أن تكون جسر تواصل بين الثقافات وبين الشعوب. بالموضة نوعّي الناس، ونلمسهم. أكون سعيداً جداً حينما أرى تفاعل الناس مع انتهاء كل عرض بحماس، وأجد أنني ألهمهم لأجل تغيير أشياء ما. أشعر فعلاً أنّني من خلال الموضة أقدم الجمال والوعي.
ما هي أفضل نجاحاتك خلال مسيرتك؟
تشكيلة وعرض «قواعد صور» كانت ملهمة للغاية، حيث جمعنا أساليب وثقافات ومرجعيات متنوّعة من العالم بأسره، بتعارض الديانات والإيديولوجيات والأعراف والتقاليد. كل ذلك جمعناه في العرض، ومشى الجميع يداً في يد بسريان جماعي لخلق أسلوب، وهذا ألهم كثيرين، مثل مصمّم أزياء بيونسي، الذي نسخ 30 تصميماً مباشرة بعد الحفل. كما كانت هناك ردود فعل كثيرة مفعمة بالمشاعر. إنها بالفعل من أهم اللحظات القوية في حياتي.
تابعي المزيد: المصممتان الشيخة نور والشيخة هيا آل خليفة: نسعى لتعزيز مكانة البحرين على خريطة الأزياء العالمية