يحتفل المسلمون بقدوم شهر رمضان في كل عام، إذ يستقبلونه بالعديد من العادات والتقاليد التي يرثها الأبناء عن الآباء والأجداد فتصبح تراثًا متداولًا عبر الأجيال المختلفة على مر العقود، وتختلف تلك التقاليد بين دولة وأخرى، ومنطقة جغرافية إلى أخرى. من هذا المنطلق نستعرض عبر الآتي بعض الطقوس الرمضانية والممارسات المتنوعة من مأكولات ومشروبات وتقاليد يومية يزاولها الأشخاص في كلِ من دول الخليج، بلاد الشام العربي، وكذلك دول شمال إفريقيا.
طقوس رمضانية في دول الخليج العربي
بدون شك أنّ لرمضان طابع خاص في دول الخليج العربي، بدءًا من التجهيز والاستعداد لرمضان في أواخر شهر شعبان من خلال تقليد "الشعبنة"، مرورًا باستقبال رمضان بالزينة والديكور والفوانيس، وفي بعض مناطق المملكة العربية السعودية، يقوم فيها الأهالي بإشعال النيران على الأسطح والمنازل والجبال. ثم الإفطار بعادة "فك ريوق" المشهورة في المملكة العربية السعودية والتي تتضمن تناول الحليب والتمر أو الماء والتمر قبل الشروع في صلاة المغرب، وعادة القهوة السعودية التي تجمع الأصدقاء والأهل والأحبة بعد صلاة التراويح على مائدة من الحلويات والقهوة، وفي جول خليجية أخرى هناك عادة "الغبقة" التي يلتقي فيها الأهل والمقربين بملابسهم الوطنية في أواخر رمضان.
كذلك "القرقيعان"، العادة التي تشتهر بها دول الخليج في منتصف الشهر الفضيل، إذ يتم من خلالها تزيين المنازل بالحلويات الشعبية ويتزين الأطفال بالملابس التراثية ويحملون السلال الصغيرة لجمع الحلويات في جو ملئ بالمحبة، وتشبهها عادة " قرنقشوه" وهي عادة من العادات الموجودة في عمان، حيث يخرج الأطفال مرددين أناشيد قيمة وأدعية، كذلك "الديوانيات" هي العادة الرمضانية المنتشرة في الكويت، وهي بمثابة أماكن يلتقي فيها الرجال في رمضان، يتحولون إلى ألواح للوعظ والنصح والإرشاد ورواية القصص الدينية، ولا يخفى على الكثيرين الخيام الرمضانية المنصوبة في كل مكان.
وفي اليمن، لا تختلف العادات كثيرًا عن تلك المتواجدة في دول الخليج، إلا أنّ الأصناف الغذائية قد تختلف قليلًا، وأشهرها "الشفوت"، "اللحوح"، "المندي"، "الحلبة" وغيرها، كذلك يحرص اليمنيون على إحياء الرقصات الشعبية وإلقاء أهازيج الشعر وإحياء المسابقات المسائية في ليالي رمضان.
بلاد الشام في رمضان
بلاد الشام ليست أقل احتفاءً بالشهر الفضيل، فهناك طعم خاص لتلك الأيام والليالي في دول الشام، بدءًا من الأسواق التقليدية القديمة التي تعرض المأكولات والبهارات وتتردد بها أصوات الباعة، كذلك اجتماع الأشخاص في الجامع الأموي وساحته، ولعلّ أشهر المشروبات التي يتم استهلاكها في سوريا أثناء رمضان هو"العرقسوس" ومن المأكولات خبز المعروك، ومن التقاليد السورية الشائعة، ما يُسمى "السكبة"، ويعني تبادل الأطعمة بين الجيران قبل أذان المغرب، وفي فلسطين تشتهر بعض الفرق التي تجوب الشوارع بعد الإفطار بالأناشيد والأهازيج الرمضانية، والتي يُطلق عليها بـ "الحوّايه" أو "المداحه". وهناك عادة متداولة في لبنان شبيهة بعادة "الشعبنة في الخليج"، حيث يخرج الأهالي والأصدقاء إلى الشواطئ للتجمع على الطعام في آخر يوم من شعبان ترقبًا للشهر الفضيل، كذلك الفرق الصوفية التي تجوب شوار المدن مرددين الابتهالات والمدائح النبوية، ولا ننسى الموائد اللبنانية التي جمعت بين العديد من الحضارات الفينيقية منها والرومانية والعثمانية والفرنسية، ومن أشهر الأطباق هي أطباق "المزات" سواء الباردة منها كورق العنب والطحينة والكبة، أو الساخنة مثل السمبوسك والفطائر وأجنحة الدجاج، ولاتختلف الأردن كثيرًا عن مثيلاتها من دول الشام، إلا انّ عادة المدفع لاتزال حاضرة حتى اليوم، ولعل أشهر الأطعمة التي يتم تداولها هي "القطايف" و "المنسف" و"المفتول" و"المحاشي.
شمال إفريقيا والمشرق العربي
بدءًا من مصر ذات الجذور الضاربة في التاريخ، حيث الكثير من الطقوس والعادات التي يتداولها الشعب، منها "المسحراتي" الذي يوقظ الناس بالطبول لوجبة السحور، وكذلك الأغاني الرمضانية المخصصة لاستقبال الشهر والتي أصبحت اليوم تقليدًا متعارفًا مثل "وحوي ياوحوي" وزيارة بعض المناطق ذات الطابع الديني، كما وتنتشر الليالي الرمضانية التي يتم إحياء بعض الفنون الشعبية التراثية من خلالها. وتشتهر مصر بصناعة الفوانيس الرمضانية بشكل محلي من الزجاج الملون، إذ يتداول الأشخاص الكثير من الأشكال المختلفة، إضافة الى الحرص على تنوع الأطباق الرمضانية بالمحاشي والملوخية والبامية وأنواع الرقاق المختلفة، والحلويات مثل الكنافة وأم علي.
في السودان، يتميز السودانيون بعادة "برش رمضان"، وهي عبارة عن سجاد شعبي يصنع من سعف النخيل، واليوم بات السجاد العصري بديلًا لذلك، حيث يتم استخدامه كمكان الإفطار الجماعي، ولعل العصيدة هي من أشهر الأطباق الشائعة، كذلك "ملاح" والذي هو بمثابة تقليه تتكون من اللحمة المفرومة أو المجففة ويضاف إليها الصلصة والبهارات، ومشروب "الحلو مر" و"الآبري"، في حين أنّ العادة المتوارثة لدى السودانيين هي عادة قطع طرق السفر قبل الإفطار للفت أنظار المسافرين بإصرار على الفطور والتزود من الموائد وهي عادة توجد في جميع أنحاء الدولة.
وفي دول المغرب العربي، تحديدًا الجزائر يحرص الأفراد على طلاء المنازل بالأبيض خاصة المطابخ، وشراء الأواني المنزلية الجديدة او استخدام أواني خاصة بشهر رمضان، كذلك تشتهر لديهم عدة "الوزيغة" التي تُعنى بالتكاتف الاجتماعي بين الأفراد، ومن أشهر الحلويات لديهم هي " قلب اللوز" و"الزلابية" و"السيقار"، ويتجمع الأهل والأصدقاء في عادة اجتماعية تُسمى "الدايّر". ولايختلف كثيرًا رمضان في تونس عن سابقتها، إذ تلجأ العائلات إلى تبييض المنازل وتنظيفها وتخصيص الأواني، كذلك "ليلة الڨرش" المشهورة وهي الليلة الأخيرة في شعبان، والتي يُعدون فيها طبق "المدموجة" و"الفطائر" ، ومن أشهر المأكولات التونسية هي "المخارق" و"الزلابية" و " حساء شربة الشعير".
أخيرًا، في المغرب يُردد المغربيون عبارة " مبروك عواشرك" تعبيرًا على التهنئة بالشهر الفضيل، ويحتفي المغربيين بصيام الأطفال ويحثونهم على ذلك من خلال عادة "تخياط النهار"، وهي العادة التي تُستخدم لتشجيعهم على صيام شهر رمضان، حيث يصوم الطفل نصف اليوم ويفطر، ثم يصوم نصف اليوم التالي، كذلك يُعتبر صيام الطفل لأول مرة خلال ليلة السابع والعشرين حدثًا مميزًا داخل الأسر المغربية، يحظى خلاله الصائم الصغير بمعاملة تفضيلية، حيث يُقام احتفال خاص كمكافأة له على الصيام في الليلة المباركة. وأخيرًا أشهر الأطباق المغربية في رمضان الحريرة، الشباكية، الزميطة والكسكسي.