مهما امتد الزمن وتغير، فلشهر رمضان المبارك نكهته الخاصة، وطقوسه الجميلة، ونفحاته الإيمانية المثلى، كما أن لطقوسه وقعاً خاصاً في النفوس، فهي تجمع العائلة وتقرب الناس من بعضهم البعض، وتعيد إلى الأذهان ذكريات مليئة بالسعادة والسرور.. ولكن، كيف يقضي الطلاب المبتعثون شهر رمضان في الغربة، وما طقوسهم اليومية؟ وهل يحنون إلى حضن العائلة في هذا الشهر الكريم؟.. جولة مع عدد من المبتعثين للتعرف إلى ذلك.
الرياض | أمامة إبراهيم Omama Ibrahim - جدّة | أماني السراج Amani Alsarraj
الشرقية | سمية آلخير Somia Alkhair - القاهرة | أيمن خطاب Ayman Khattab
تونس | منية كوّاش Monia Kaouach - بيروت | عفت شهاب الدين Ifate Shehabdine
استراحة على الطراز السعودي
عبدالعزيز الخروف: ترابط الطلبة المبتعثين مع بعضهم البعض من خلال اجتماعهم على مائدة الإفطار والسحور خفف من وطأة الغربة
أكد عبدالعزيز الخروف المبتعث لدراسة الماجستير في الهندسة المعمارية في الصين، أن شهر رمضان هو شهر اللمة والاجتماع مع الأهل والأحباب، فطقوسه تكاد لا تكتمل إلا بهذه الصورة الجميلة، ولذة أطباق فطوره وسحوره تتحقق بوجود العائلة معاً، وأداء صلاة التراويح والقيام، هذه هي الصورة التي اعتاد أن يعيش لحظاتها في شهر رمضان إلى أن اضطر للابتعاث لدولة الصين، وأن يعيش تجربة صعبة ومختلفة.
مواجهة الصعوبات
وبين عبدالعزيز أنه وخلال الشهر الفضيل تبدأ مشاعر الحنين إلى العائلة وإلى الأطعمة التي اعتدنا على تناولها طيلة أيام رمضان، ولعل ترابط الطلبة المبتعثين مع بعضهم البعض من خلال اجتماعهم على مائدة الإفطار والسحور خفف من وطأة الغربة. يوضح: «مثلاً أنا وبعض المبتعثين خصصنا مكاناً يشبه الاستراحة وصممناه على الطراز السعودي، وكنا نجتمع فيه بشكل يومي لنمارس طبخ معظم الأصناف التي نحبها ونشتاق لها مثل السمبوسة والكبسة والشوربات والمعكرونة. أما بالنسبة للصلاة فلله الحمد كنا نصلي جماعة، ومن ثم نتابع بعض المسلسلات العربية حتى نعيش تفاصيل الأجواء الرمضانية».
ويؤكد عبدالعزيز بأنّ التكنولوجيا سهلت على المبتعثين والمبتعثات الكثير، حيث يسرت تواصلهم مع أهلهم وخففت من ألم الشوق والحنين، فبمجرد أن نشتاق للأهل والأصدقاء ما علينا إلا أن نجري اتصالاً مرئيّاً يشعرنا بالقرب ممن نحب.
روحانية شهر رمضان
نهى البادي: عند بدء الشهر الفضيل نحاول قدر المستطاع صنع أجواء رمضانية بسيطة كتعليق الفوانيس والزينة
تفتقد نهى البادي، مرشحة دكتوراه في جامعة كولورادو بولدر، لذة شهر رمضان الكريم وروحانيته في هذه الرقعة من الأرض؛ حيث تروي لنا معاناتها قائلة: «لا نستطيع تمييز أيام شهر رمضان المبارك عن باقي الأيام، وقد ننسى أحياناً أننا فيه، ونحِنُ كثيراً إلى الأجواء الرمضانية التي تميز هذا الشهر عن غيره، فمثلاً نفتقد الأهل على مائدة الإفطار، ونفتقد الاجتماعات وصلة الرحم، وكذلك صوت القرآن في صلاة التراويح الذي يملأ فضاء وطننا الغالي، كما أني لا أستطيع صبراً لتناول المأكولات ِالرمضانية التي تعدها والدتي في هذا الشهر، وتتميز بها مائدة الإفطار، كطبق الفول والشوربة وسمبوسك (البف) وعصير التوت، ولكن مع كل شيء يظل رمضان هو الشهر المميز، وعند دخوله نحاول قدر المستطاع صنع أجواء رمضانية بسيطة، كتعليق الفوانيس والزينة في منازلنا، ووقت الفطور نجتمع مع صديقات الغربة، ونتشارك في إعداد وجبة الإفطار، وتحضير الأطباق الرمضانية في محاولة لتعويض «سفرة الأهل» التي نفتقدها».
الأكثر صعوبة
تكمل ضاحكة: «أما الجزء الأكثر صعوبة وقسوة، فيكمن في عدم شرب القهوة صباحاً مع شم رائحتها في الأرجاء؛ الأمر الذي يصيبني بالدوار والإرهاق والتعب في بعض الأحيان».
وتضيف: «أما عن جدولي الرمضاني، فيبدأ بوقت مبكر بالذهاب إلى الجامعة والبقاء فيها حتى الظهيرة، ثم العودة إلى المنزل والبقاء فيه حتى صلاة العصر، وبعدها أتوجه إلى السوق لشراء مستلزمات الإفطار، ثم إعداد الإفطار والاستعداد لترتيب المائدة في أجواء شبه عائلية، بعدها نلتقي ببعض الصديقات ونتبادل الحديث حتى يحين وقت صلاة العشاء والتراويح التي نحرص على صلاتها».
تابعي المزيد: أهلا رمضان.. عادات الشهر الفضيل بين الأمس واليوم
مشاعر الحنين
رشا اللقماني: أفتقد جمعة الأهل والأحبة في شهر رمضان الكريم والحنين إلى الوطن
حكت رشا اللقماني، المبتعثة السعودية لنيل درجة الدكتوراه في الطفولة المبكرة، ورئيسة النادي السعودي في جامعة أوكلاند بولاية ميتشغان، تجربتها في قضاء شهر رمضان المبارك بالغربة أثناء الابتعاث قائلة: «كثيراً ما تراودني مشاعر الحنين إلى الوطن، وخاصة في شهر رمضان الكريم سنوياً؛ حيث نفتقد جمعة الأهل والأحبة، ونفتقد الشعائر والروحانيات وأصوات الصلاة في المساجد المنتشرة عبر مكبرات الصوت، وزينة شهر رمضان في المحلات التجارية والطرقات، والحيوية في الأسواق التي تسري بين الناس بعد الإفطار».
ساعات الصيام طويلة
أشارت رشا إلى أن الوضع هنا يختلف كثيراُ عن (ديرتنا)؛ حيث ساعات العمل أو الدراسة طويلة، وصعبة خلال شهر رمضان. وواصلت رشا: «أما عني فأنا من الصباح حتى المساء لديّ حصص دراسية مختلفة، لذا فأنا أنظم جدول أسبوعي وأعمل على تنفيذه خلال عطلة نهاية الأسبوع، وأعد بعض الطبخات التي تحتمل التجميد قبل الشهر الفضيل، أما الطبخ لكل يوم فأعده في عطلة نهاية الأسبوع، وأضعه في (الفريزر) بحسب عدد أيام الأسبوع، أما السحور فيكون من الأكل نفسه في أغلب الأحيان، ولا توجد أطباق متعددة إلا في تجمع الطلاب والطالبات».
رمضان السابع
زكريا الصالح: نجتمع في كل يوم رمضاني على لعب كرة الطائرة قبل الإفطار
هنا في الغربة كل الأيام والأشهر مُتشابهة، تخلو من الروح التي كنا نعيشها في بلادنا؛ حيث تتشابه الأيام والأشهر، بهذا بدأ زكريا الصالح، طالب علاقات عامّة، حديثه معنا، يستطرد: «هذا هو رمضاني السابع الذي أقضيه خارج الوطن، وحينما يأتي شهر الخير يجلب لنا معه الحنين والاشتياق إلى الأهل والأحباب؛ حيث العبادات والعادات الاجتماعية الجميلة التي اعتدنا عليها في بلدنا الحبيب المملكة، سوف أفتقد الولائم الكبيرة، وحياة الشوارع والفعاليات، وأكثر ما يؤلمني في رمضان أن أكون وحيداً في وقت الإفطار، ولكن بصفتي رئيس اتحاد النادي السعودي والعربي في ولاية أوريغن الأميركية، فإني أحاول أن أُبذل قصارى جهدي من جمع شتات المبتعثين إلى أسرة واحدة يجمعها الحب والأُلفة، وهذا ما قد فعلته ولله الحمد». رويضيف: «نحن نجتمع في كل يوم رمضاني على لعب الكُرة الطائرة قبل الإفطار بساعة واحدة، وعند الأذان وقت الإفطار تكون هناك مأدبة إفطار صائم كبيرة بمشاركة الجميع، ثم نجتمع لصلاة التراويح وقراءة كتاب الله، كما يوجد بعض الأنشطة الاجتماعية الأُخرى من اجتهادات إخواننا من الجاليات العربية». ويتابع: «هذا هو رمضاننا في بلاد الغربة، وأتمنّى من كل شخص ينتمي إلى بلادنا أرض الخير أن الأجانب والمغتربين عن بلادهم وذويهم بالإفطار والحنان عليهم».
إحساس بالوحدة
من جانبها، عبرت سوسن فضل المولى، معيدة في كلية طب الأسنان بجامعة طيبة، مبتعثة إلى الولايات المتحدة الأمريكية في جامعة بافلو في مدينة بافلو بولاية نيويورك، لدراسة تخصص دقيق في الأسنان عن مشاعرها بقضاء رمضان بالغربة بقولها: «كان رمضان الماضي 2022 هو أول رمضان لي في الغربة في (أميركا)، وفيه شعرت بوحدة شديدة، لم يكن يشبه رمضان الذي تعودت عليه في السعودية، ليس هناك أجواء رمضانية أبداً».
جمعة الأحبة
أضافت سوسن: «كنت جداً حزينة، خاصة في بداية رمضان عندما كنت أرى كيف يتجمع معظم أهلي منذ اليوم الأول تحفهم البهجة والفرحة بقدوم الشهر، وأنا وحدي هنا أتابع احتفالات الناس عبر (السوشيال ميديا) برمضان». تستدرك قائلة: «قررت ألا أحرم نفسي من هذه الأجواء، وأن أحاول أن أعيشها على الرغم من الغربة؛ حيث قمت بطلب زينة رمضان عن طريق الإنترنت، وقمت بتزيين منزلي بالأضواء الرمضانية وهلال ورمضان، وقمت بدعوة المسلمات في مدينتي، وطبخت معظم الأصناف الرمضانية السعودية، واجتمعنا على أحلى مائدة فطور، وتابعنا البرامج الرمضانية وتبادلنا الزيارات فيما بيننا، وكانت ذكرى رائعة وشعوراً جميلاً جداً، فقد أحسسنا معاً بجو رمضان».
تابعي المزيد: رمضان، طقوس وعادات وأطباق خاصة بالشهر الفضيل في الدول العربية
تنظيم الوقت قدر المستطاع
أحمد فتوح: ينقصني وجودي إلى جانب أهلي ومشاركتي فرحة تحضير الإفطار
يشير اللبناني أحمد فتوح (22 عاماً)، سنة سادسة طب في جامعة Paris Descartes، إلى أنه يمضي شهر رمضان في باريس (فرنسا) المتواجد فيها منذ 6 سنوات وحده، لذلك يسعى إلى تنظيم وقته قدر المستطاع بين الجامعة والعمل والدراسة؛ أي إنه يخصّص وقتاً معيناً يتفرّغ فيه للطبخ حتى لا يتناقض هذا الأمر مع باقي واجباته الدراسية.
ويضيف أحمد قائلاً: «مهما قلت إنني تعوّدت على فكرة تمضية شهر رمضان وحدي، فيبقى ينقصني وجودي إلى جانب أهلي ومشاركتي فرحة وعجقة تحضير الإفطار؛ لأن تمضية الشهر الفضيل مع العائلة له مميّزاته الخاصة التي لا نجدها في أي مكان آخر؛ كوننا في الغربة لا نعيش أجواء التحضيرات والاستعدادات بكافة أنواعها وأشكالها المبهجة».
ممارسة الطبخ
يتابع موضحاً: «أقصد السوق للتبضّع، كشراء الخضروات واللحوم... وأحاول ممارسة الطبخ قدر المستطاع، على أن يكون نوع الطبق مخصّصاً ليومين، وأحياناً نتجمّع مع عدد من الأصحاب لتناول الإفطار مرة أسبوعياً، ولا أخفي سراً إذا قلت إن بعض الأصدقاء الفرنسيين يسعدون جداً بمشاركتنا هذه الفرحة، ويعيشون معنا أجواء رمضانية حلوة». وعن الصعوبات التي واجهها عندما سافر إلى فرنسا، يشير أحمد إلى أنه أول ما سافر شعر بصعوبة تمضية شهر رمضان بعيداً عن أهله، إضافة إلى أن فارق التوقيت لموعد الإفطار بين لبنان وفرنسا لعب دوراً كبيراً، خاصة أن الفارق يبلغ 3 ساعات؛ بمعنى أنه متأخر عن لبنان بكثير. ويضيف: «من الأمور التي أواظب على القيام بها خلال هذا الشهر الفضيل التواصل يومياً مع أهلي وأنا أتناول وجبة الإفطار من خلال الفيديو كول، فأنا أعدّ أن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دوراً مهماً جداً خلال رمضان، وحتى باقي الأشهر العادية؛ لأنني أكون قريباً نوعاً ما من أفراد عائلتي».
طابع مختلف
عمر سيد خطاب: أسست رابطة للإفطار مع مسلمي الجامعة طوال الشهر الفضيل
يقول عمر سيد خطاب، طالب مصري مبتعث إلى جامعة فرانكلين آند مارشال، ويدرس علوم الفضاء والفيزياء والفلك بالصف الثاني بولاية بنسلفانيا الأميركية: «شهر رمضان من أكثر الأوقات التي تحرص فيها الأسر المسلمة على الاجتماع، استشعاراً بالقدسية الدينية للصيّام، وحفاظاً على العادات والتقاليد التي تضفي على رمضان نكهةً خاصة. غير أن لرمضان في الغربة طابعاً مختلفاً، خاصةً بالنسبة إلى الطلاب الذين تجبرهم ظروفهم السفر بعيداً عن دفء الأسرة، طلباً للتحصيل والمعرفة».
إقامة مائدة جماعية
يضيف: «كما أنه في الوقت الذي تعتمد المدارس والجامعات في الدّول المسلمة نظاماً يتماشى مع ساعات الصيام، نجد الأمر مختلفاً في الغرب؛ حيث لا تغير الجامعات مواعيد الدّراسة والامتحانات؛ ما قد يطرح صعوبات أمام الطلاّب المسلمين؛ إذ تتزامن ساعات الدّوام المتأخرة مع مواعيد الإفطار، وما يستلزمه الأخير من وقت من أجل تحضيره، خاصّة في غياب دعم الأسرة».
ويستدرك: «أسست مع الزملاء المسلمين في الكلية رابطة تجمع كل الطلاب المسلمين، وبموافقة الجامعة، حتى يتسنى إقامة مائدة جماعية لنا خلال الإفطار بمطعم الجامعة الذي يغلق أبوابه في العادة قبل المغرب، لكن إدارة الجامعة تفاهمت مع ظرف الشعيرة، وسمحت بفتح المطعم بشكل مخصوص للرابطة، وهو ما استحضر لدي كل منا ما كان يتبعه في بلده وسط أسرته».
مشاهدة المسلسلات لمقاومة الغربة
يقول غسّان بالغالي، طالب تّونسيّ مقيم في ألمانيا، يدرس هندسة برمجيات الحاسوب، إنّه يسعى إلى استعادة بعض الأجواء الرّمضانية التي كان يعيشها مع أسرته وأصدقائه في تونس، فينسّق عند حلول شهر رمضان مع ابن عمّه، وهو طالب يسكن قريباً منه، ليقضّيا معاً الشهر الفضيل، فيشتركان في طّبخ بعض المأكولات التّقليديّة، ويجتمعان على مائدة الإفطار.
يستطرد: «أحاول إعداد أكلات رمضانيّة تونسيّة، إلّا أنّني لا أحصل على النّكهة نفسها التي أجدها في مأكولات والدتي، كما أنّني لم أنجح مثلاً في إعداد «البريكة»، وهي أشهر أكلة تونسيّة رمضانيّة، على الرّغم من أنّها سهلة جدّاً، ولا يتطلّب تحضيرها وقتاً طويلاً».
ويشير إلى أن والدته تشجّعه على التّمسّك بالعادات الرّمضانيّة، فتمدّه عند اقتراب شهر رمضان بمستلزمات الأكلات الرّمضانيّة، كالبسيسة والشربة المستحضرة من مادّة الشّعير وحبّات الكسكسي من القمح والهريسة من الفلفل الحارّ، كما تطبخ له بعض الأطعمة وتقوم بتعليبها وتعقيمها لدى شركات مختصّة، ثمّ ترسلها إليه عبر شركات شحن ونقل دوليّة ليستعملها طيلة شهر رمضان المعظّم.
يضيف قائلاً: «ألتقي أيضاً بعض أصدقائي التّونسيين ممّن يزاولون تعليمهم العالي بألمانيا لنتناول إفطارنا معاً ونتسامر ونتحدّث عن ذكرياتنا وأجوائنا الرّمضانيّة في تونس، فنسهر أمام قنوات تلفزيونية لنشاهد بعض المسلسلات التونسيّة الرّمضانيّة ونحن نحتسي قهوة تركيّة».
تابعي المزيد: فوائد العمل التطوعي في رمضان للشباب