الإنسان في هذه الحياة يعيش دائماً حالة من الصراع سواء مع نفسه، أو مع الآخرين، محاولاً إحداث تغيير أو فرق ليتطور ويرقى ليس بنفسه فقط ولكن لمجتمعه أيضاً. ولعل أعدى أعداء المرء لنفسه هي نفسه، التي بين جنبيه، فإنها تحثه على نيل كل مطلوب والفوز بكل لذة حتى وإن خالفت أمر الله وأمر رسوله، والعبد إذا أطاع نفسه وانقاد لها هلك، أما إن جاهدها وزمهَّا بزمام الإيمان، وألجمها بلجام التقوى، فإنه يحرز بذلك نصراً في ميدان من أعظم ميادين الحياة.
وشهر رمضان فرصة كبيرة للتغيير من خلال حث النفس على الطاعات والابتعاد عن المنكر والسيئات. فكما استطاع الإنسان الامتناع عن الطعام والشراب واللغو، يمكنه أيضاً الامتناع عن الكثير من الأفعال والأمور التي نهى الله عنها، وأن يتحلى بالصفات النبيلة التي أرشدنا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لذلك، فإن محاولة الإنسان للتغيير ليصبح إنساناً مستقيماً وفعالاً هو هدف ليس بالصعب، إنما هو سهل المنال، يُمكن لأي إنسان تحقيقه. وبلقاء "سيدتي" مع الشيخ محمد حسين العالم بالأزهر الشريف والإمام بالأوقاف، فقد وضع بعض النقاط التي من خلالها نستطيع تغيير حياتنا للأفضل بعد رمضان.
صلة الأرحام
لا يوجد أفضل من شهر الرحمة ليتقرب المسلم فيه من ربه بصلة رحمه، ابتغاء مرضاته وعظيم ثوابه، وإزالة لما قد يقع في النفوس من شحناء ، فالمبادرة بالزيارة والصلة وإن كانت شاقة على النفس ولكنها عظيمة القدر عند الله.
صلة الرحم خلق إسلامي رفيع، دعا إليه الإسلام، فهو يربي المسلم على الإحسان إلى الأقارب وصلتهم، وإيصال الخير إليهم، ودفع الشر عنهم، يقول الله تعالى في ذلك: "وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى" إلى آخر الآية سورة النساء آية 36. ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتْ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟، قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ فَهُوَ لَكِ"، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ". متفق عليه.
ترك الغيبة والنميمة
الغيبة هي ذكر الإنسان بما يكره. وهي معصية؛ لقول الله تعالى: "وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا" [الحجرات:12]. وهكذا النميمة والسب والشتم والكذب، كل هذه الصفات تجرح الصوم وتنقص الأجر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" رواه الإمام البخاري في صحيحه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم" متفق عليه.
المواظبة على قراءة القرآن
شهر رمضان ليس شهر الصيام والقيام فحسب، ولكنه كذلك شهر القرآن، فله خصوصية بالقرآن. قال الله عز وجل: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ" [البقرة:١٨٥]، فأنزل القرآن الكريم جملة في هذا الشهر المبارك، وفي ليلة مباركة وهي ليلة القدر، كما قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر:١ – ٤].
والمواظبة على قراءة القرآن تعمل على إصلاح قلوبنا، وإصلاحُ القلب بداية كل إصلاح. تثقيل ميزان الحسنات. زيادة الإيمان. حفظ القرآن؛ فالتلاوة- كما يُقال- وقود الحفظ.
وتأتي المواظبة على قراءة القرآن من خلال تخصيص وقتٍ ثابت لقراءة الورد. قراءة الورد في أوقات الصلوات، بين الأذان والإقامة من كل صلاة. شراء مصحف للجيب، وجعله معكم دائماً، والقراءة فيه في أوقات الانتظار، أو قراءة الورد اليومي من الهاتف المحمول.
المحافظة على السنن والنوافل والعمل الصالح
رب رمضان هو رب شوال وسائر الشهور، لذلك يجب المحافظة على صلاة الجماعة فى المسجد سواء فى رمضان أو غير رمضان، واتباع سنن النبي، صلى الله عليه وسلم، والمحافظة بعد رمضان على ما كنا عليه فى هذا الشهر الكريم من العمل الصالح، والتطوع بصيام السنن المؤكدة بعد انقضاء شهر الصيام. وكذلك إخراج الصدقات وزكاة المال في مواعيدها.
وفي نهاية المقال وجب التنويه إلى أنه لا ينبغي التهاون أو التقصير في العبادة، أو العودة إلى المعاصي بعد رمضان، بل على المسلم أن يداوم على هذه الطاعات بالاستمرار في الذهاب للمسجد وصوم النوافل، والثبات على شرع الله، والاستقامة على دينه، فيعبد الله لأنه يراه في أي وقت وأي زمان، فالعبادة لله لا ترتبط بأزمنة أو بأمكنة، بل يعلم أن ربّ رمضان هو ربّ بقية الشهور والأيام، قال تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَك) آية 112 سورة هود. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرَّم. وأفضل الصَّلاة بعد الفريضة صلاة الليل" أخرجه مسلم.