قصائد وردية

د. سعاد الشامسي 
د. سعاد الشامسي
د. سعاد الشامسي

لم يكن الحب دوماً هو الحافِز لاستمرار تلك العلاقات المهترئة، "هو" يظُن أن ما يألفه الإنسان من شعور، وإن كان قادر على تغيير كل ما يعتريه من سقم؛ تنفره نفسه عما قريب، كمن يملأ معدته من الأكلة ذاتها عشية وضحاها. لم يكترث إن كان صائباً أم لا. متعالياً متعجرفاً بما بين يديه أم لا.. كل ما أراده هو التجديد ذاته، إن كان بمن معه أو غيره، أو تغيير حقيقة ما معه. بل – وأحياناً - يكاد يجزم أنه لا يعي ما يريد ويهوى!.

أما "هي" فلم تستشعر حلو الحياة إلا حينما تركن إليه، تتكاتف معه، لا ترى الأخضر إلا إن لامسته يداه، ولا تعرف النوم إلا على أصداء كلماته، ولا ترتشف الماء إلا من شربة هنيئة مريئة منه، تتفتح وتذبل رهن إشارتهِ، بل تكاد تجزم هي الأخرى أنها؛ تحيا في اليوم الذي يهل فيه، وتختنق حد الموت حين يغيب، أو يقرر البعد!

فكما قيل: "ليحب أحدكما الآخر، ولكن لا تجعلا من الحب حداً، بل اجعلاه متدفقاً بين شواطئ روحيكما"..

فما أنبل الحب أن يكون بصورته الانسيابية، أن ترى المحبوب بصورته الطبيعية، تختاره عمن سواه، لا يسارع أحدكما الآخر في تغييره أو تهديده، بل في استرضائه وتلبية حاجته، أن تهرول إليه دوماً؛ لتسكن الآهات. تتناغم روحيكما المتيمة، تزف لحن الخلود في سماء صيفية، شهدت تلك القصائد الوردية..

وما الحب إلا اختيار العقل المتأصل بالقلب، لا ينفك أحدهما عن الآخر. ومن مستنكرات ما جرى من توظيف الحب بغير ما عهد به إلينا، بغير طبيعته المنَزلة من مودة ورحمة، الرحمة في الخطأ غير المفتعل، والود عند التقدير والتقصير اللا مقصود، أعطيك بكل ما أوتيت من جهد، فتغدق عليّ من عطفك وحنان سريرتك، آتيك وأنا هش، فلا أبرح حتى أصبح أشد الناس بأساً. قد تحل علة بك، فلا يرتد طرفي حتى تبرأ، نصبح ونمسي وكل منا يعلم يقيناً قدره عند الآخر، ولا تزيدنا الأيام إلا تلاحماً، كلما اشتدت بعقدتها حول أعناقنا..

وما الحب إلا تلك التفاصيل الصغيرة، دون الكبيرة، حينما يفهم كل منا صمت الآخر، فيحلو الصمت ويقطعه الكلم العذب، لا أخشى من ردة الفعل، ولا من سوء الظن، ولا عدم الاكتراث.. تلك الإيماءات الساكنة، والنظرات العابرة، وتنعم الروح بتحليق في سماوات العشق...

العشق الذي يجعل المرء آمناً مطمئناً، لا يرتاب من تقلبات الزمان، ولا تغيرات الأحداث، لا نرهق أنفسنا بالتوضيح ولا التبرير، لا يأنس أحدنا بقدر ما يأنس للآخر، نعمل على تأمين خطانا سوياً بين طرقات الحياة، إن أغلقت الأبواب أمامنا، عمل كل واحد على خلق باب يعبر منه إليه