منذ طفولتي، تعلمت أن الخسارة ربح أيضاً، فحين هزمني الأطفال، رأيت فرحهم الماكر يعلو وجوههم، فقررت من حينها: أني لا أريد سوى الخسارة؛ لأن وجهها صادق، وليس مخادعاً، أذكر حين دخلت السينما أول مرة مع حبيبة لم أعرف تفاصيل وجهها جيداً؛ لأني ورثت الخجل من أبي، كان الجوكر يتباهى بخسارته، حين خرجنا افترقنا؛ لأنه لم يعجبها الفيلم، بينما أنا أخذت أقلد رقصة الجوكر والمومسات تحذرني "لن تشعر بالنار، إن عقدت كل صفقاتك في الجليد" كنت مستوعباً لمقصدهن جيداً؛ لأني قرأت الكثير عنهن في المدونات التي تحذر من اصطيادهن لك بأبخس الأثمان، ولكني كنت أحب لهجتهن في الحديث والصراخ، وأحب حسبتهن في الخسارة، وجيوبهن المثقوبة.
حذرتني أمي من الخسارة في التعليم، فنجوت من مللي؛ لأن قواعد اللغة تبعثرني ولا تصنع مني كاتباً جيداً، كبرت وأصبحت شبحاً في حياة الناس، أراهم ولا يرونني، كلما كبرت فلت العمر من جسدي، أصبحت نحيلاً، وعيوني تغرقان على شواطئ خدي، أصافح النار وأنفخ في الجليد، أحب المسجد أكثر من حضن أمي، فأجلس هناك كثيراً، ولكن الإمام يطردني؛ لأن له حسابات ودعوات مع الرب لا يود أن يسمعها مجنون مثلي!
تمر الفرص أمام عيني وأحييها مودعاً إياها، وكأني أخاف تحمل مسؤولية الأشياء.
أنتظر أن يأتيني الموت حراً، وألا أندم على شيء قدمته، لكن الموت لا يأتي، وحده الحب يُغيظ أشخاصاً مثلي، ويصيبهم بالحمى، فهل أكسب قلب امرأة يُعلمني معنى الفوز، أم أخسر قلب كان نصيبه أن يوضع في جسد رجل كبر منذ كان طفلاً!
توجهت نحو الوجه الغجري الذي أدمنته منذ الطفولة، سحبت كرسياً وقلت:
أنا شخص يُجيد اختيار الخسارة بمهارة، ولكنه يُغامر الآن بقلبه أمامك، هلا أحببتني وعلمتني أشياء لم تُجد أمي تعليمي إياها، وتعادلين كل ما خسرته بما سأكسبه من ليالٍ طويلة معك؟
في الحياة كل شيء مكسب إلا في "الرب والقلب والعائلة والنفس" تكن الخسارة، فاحذر أيها ستخسر أولاً!