لا بد أنك تعرفين ذلك الشعور الذي ينتابك عند التسوق، عندما يخفق قلبك، وترتفع معنوياتك، تلك القشعريرة اللذيذة، لمجرد امتلاكك لشيء كنت تريدينه وترغبين فيه، انه مزيج بين فرحة الامتلاك والسعادة التي تكون حقيقية عند الكثيرات، ثم تبدأ نسبة الرسائل التسويقية بالارتفاع، وكل رسالة تروج لمنتج من أجل حياة مثالية، حتى ازداد إدمان التسوق في ظل انتشار السوشيال ميديا الحديثة بشكل لا يصدق، كيف يؤثر هذا الإدمان في الصورة الذاتية؟ وهل يمكن اعتبار التسوق نوعاً من أنواع الهروب من مشاكل الحياة، أو تشكيل الشخصية؟ ما طريقة تعاملك مع المال؟ هل تستطيعين التفكير بين ما تريدين وما تحتاجين؟ أكثر شيء اشتريته وندمت عليه؟ وكم دفعت فيه؟
أعدت الملف وشاركت فيه | لينا الحوراني Lina Alhorani
تصوير | محمد فوزي Mohammed Fawzy
الرياض | عبير بوحمدان Abeer Bou Hamdan - الشرقية | عواطف الثنيان Awatif Althunayn
المغرب | سميرة مغداد Samira Maghdad - بيروت | عفت شهاب الدين Ifate Shehabdine
القاهرة | أيمن خطاب Ayman Khattab
الابتعاد عن التعميم، هو أسلوب دبلوماسي اتبعته المشاركات، عندما يتعلق الأمر بالتسوق، وكان لكل ضيفة تعليقاتها ونصائحها، التي اعترف بعضهن أنهن لا ينفذنها. فماذا قلن حسب حجم أسواق التجارة الإلكترونية في بلدانهم؟
متعة لا تأبه للإدمان
العنود عبدالحكيم: التجربة الفعلية تبعدنا عن السطحية التي نعيشها وراء شاشاتنا
تأتي المملكة في المرتبة الـ 25 في قائمة ترتيب أكبر أسواق التجارة الإلكترونية حول العالم، بحجم عائدات وصل إلى 7 مليارات دولار أمريكي في عام 2020، وهذا ما تنظر إليه العنود عبدالحكيم، منشدة وممثلة وطالبة في المرحلة الثانوية، على أنه متعة لا تأبه للإدمان، وتساءلت: «مَن منَّا اليوم لا يقضي ساعاتٍ طويلة، ينظر في شاشة جواله، يتصفَّح حسابات العلامات التجارية، ومواقع التسوق، ويتابع الإصدارات الجديدة والتخفيضات»؟.
التسوق الإلكتروني وسيلة تختصرُ المسافات والوقت، وأسهمت في توفير خياراتٍ متعددةٍ للناس بأسهل الطرق حتى صار بعضهم، يصرف أمواله بشكلٍ عشوائي وفي شراء أشياء غير مهمة، كما تجد العنود، وتتابع: «لا يمكن التحدُّثُ عن هذا الأمر من دون ذكر كيف تسعى جهات التسويق إلى استمالة مَن يجلسون خلف الشاشات بشتى الطرق، عبر تقديم صورةٍ مبهرةٍ عن منتجاتها، وتجنُّب ذكر أي عيوبٍ عنها، لدرجةٍ يشعر معها المتلقي بأنه لن يستطيع متابعة يومه دون اقتنائها، لأن الطلب على المنتج سيزداد، ولن يجده لاحقاً، كل هذا بدعم من مؤثري السوشيال ميديا، وعارضي ومصممي الأزياء، ومدوِّني الموضة والجمال مستفيدين في ذلك من منصَّاتهم الافتراضية للوصول إلى المتلقي، ما يخلق حالةً من عدم التوازن النفسي لدى كثيرٍ من الأشخاص، فيصبحون غير قادرين على الموازنة بين إمكاناتهم وحاجاتهم ورغباتهم».
كثيرةٌ هي المنتجات التي ندمت العنود لاحقاً على شرائها، واعتبرته فخّاً، تعلّق: «يجب ألَّا ننسى متعة التسوُّق الفعلي، وأن نحافظ على التجربة الحيَّة المباشرة للأمور كيلا نصبح متلقِّين سطحيين فقط، يتمُّ استدراجنا عبر الشاشات».
تعرّفوا إلى المخاطر
نوف إبراهيم: سيطرة الخوارزميات عن طريق عرض المنتج الذي يفكر به العميل أصبح أمراً كالخيال
يصل حجم سوق التجارة الإلكترونية في الإمارات إلى 33.76 مليار درهم (9.2 مليار دولار) بحلول عام 2026، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 12.6 % خلال الفترة (2022-2026)، حسب تقرير لغرفة تجارة دبي.
تقول نوف إبراهيم سالم (25 عاماً)، تنفيذي أول في مؤسسة نماء للمرأة، إن توافر التطبيقات التي زادت من شفافية التسعير من خلال تقديم مقارنة لأسعار المنتجات التي تباع عبر منصات «الإنترنت»، إضافة إلى نمو الوضع الاقتصادي؛ كل هذا دعم الإقبال على التسوق، الذي تسبب بحالة إدمان من الدرجة الأولى، وتتابع: «سيطرة الخوارزميات عن طريق عرض المنتج الذي يفكر به العميل، أصبح أمراً كالخيال. فبمجرد التفكير، وتتبع متجر للعباءات عبر إنستغرام مثلاً، تنهال عليك إعلانات المواقع التي تعرض أجمل عباءاتها، لدرجة قد تسبب الإحباط! والمشكلة في تراكم الشعور بعدم الرضا، عند عدم التمكن من شراء منتجات حصل عليها آخرون بسهولة وبسعر أفضل، والوقوع في فخ المقارنات، والحزن عند رؤية صور أو منشورات لأشخاص آخرين يستمتعون بحياة مثالية، فينعدم تقبل الذات». تربط نوف بين السعادة والتسوق إلى حد ما، فالتسوق الإلكتروني، برأيها، مثل كل شيء في هذا العالم، مليء بالسلبيات والإيجابيات، والمطلوب هو التعرف إلى المخاطر، وإذا كان ما نريده غير متوفر في مدينتنا، فإن التسوق عبر الإنترنت هو الحل.
تبادر إلى ذهن نوف ذلك الفستان الذي اشترته لحضور حفل زفاف عائلي، تعلّق: «ندمت على ما دفعته ثمناً له».
يمكنك الاطلاع على الغنـــي والثـري ما الفرق بينهما وكيف ينفقان؟
أنا مثل الكثيرين
رباب رجب: إذا عاد بي الزمن إلى الوراء، فسأنفق أموالاً أقل على الحقائب والملابس
86 % من المستهلكين في البحرين قد تحولوا إلى عالم التجارة الإلكترونية منذ بدء الجائحة، حسبما أكدت سايتكور، الشركة العالمية البارزة في مجال برمجيات إدارة التجربة الرقمية، وهذه الأرقام تؤكد تأثير إعلانات وسائل التواصل الاجتماعي المستمرة في الطريقة التي يرى فيها الناس أنفسهم، فالحاجة والسعي إلى الكمال، هما ما يشعران المرء بالحاجة إلى التسوّق كما تكشف رباب رجب (26 عاماً)، تشكيلية بحرينية، تتابع قائلة: «الرغبة في البقاء في دائرة الضوء، عامل أساسي للتسوق».
أما شدة التسوق فتعيدها إلى تدني الثقة بالنفس، وخلق تصور سلبي لصورة الجسد عند الكثيرين، فبات جيلنا، يركض وراء صور المؤثرين لتقليدها، حتى أصبح الأمر اضطراباً في حد ذاته.
ومع ذلك، تعترف رباب أنها عندما تتسوق، تجد راحة من التوتر والضغط؛ ما يجعلها تواجه أيامها بشكل أفضل، وهي لا تلوم نفسها على شعور يشترك به الكثيرون، تستدرك قائلة: «أكافئ نفسي من حين إلى آخر بشيء أرغب فيه، لكن إذا عاد بي الزمن إلى الوراء، فسأحاول إنفاق أموال أقل على الحقائب والملابس».
وهم الصورة المثالية
مرام النهدي: عليكم توفير 10-7 % من المدخول الشهري على الأقل
يحتل المغرب المرتبة الخامسة في الدول الأفريقية الأكثر تسوقاً عبر الإنترنت، والعاشرة عربياً، حسب إحصاءات موقع semrush المتخصص في تقديم الخدمات عبر محركات البحث، فقد أصبح الإدمان على التسوق وسيلة للشعور بالتميز والرضا، كما تقول مرام عبد الله النهدي (25 عاماً)، خريجة قانون الأعمال، تستدرك قائلة: «هو في الوقت نفسه، يجعلك تفقد حس الواقعية والمسؤولية، وتضيع في وهم الصورة المثالية، فيصبح لدينا شره ونهم تجاه كل ما نراه، لتحقيق ولو جزء من السعادة».
انطلاقاً من خبرتها في عملها، تنصح مرام الفتيات، بتحديد الالتزامات الضرورية قبل الشراء، ومحاولة توفير 7-10 % من المدخول الشهري على الأقل، ليستطعن التركيز على ما يحتجنه وما يردنه. فهي تؤكد أن تقديم الهدايا لأنفسنا بين الفينة والأخرى شيء جميل ومفرح، تعلّق: «أحرص في الغالب على ضبط عمليات الشراء، وعدم المبالغة في صرف النقود، ولم أندم على شراء شيء، ولم أدفع مبلغاً زائداً لشراء شيء لست بحاجة إليه»، لكنني مررت بلحظات أحسست فيها بأنني قمت بشراء شيء ليس في وقته المناسب».
إقرئي المزيد عن حياتنا الصحية والنفسية هل يمكن الحفاظ عليها بأقل تكلفة؟
أتسوّق بهدف التسلية
منار سليم: لا أشعر بالندم عندما أكتشف شراء منتج لست بحاجة إليه
ليس هناك ما يدل على إحصاءات واضحة ومؤكدة تخص قيمة التسوق بكل أنواعه في لبنان، لكن جميعها تشير إلى تدهور اقتصادي؛ أدى إلى انكماش القدرة التسوقية، سواء كان ذلك عبر الإنترنت أو غيره، وفي بداية عام 2022، تم إقفال أكثر من 12 ألف متجر للألبسة والأحذية، حسب جريدة «الشرق الأوسط»، بسبب ارتفاع أسعار الدولار، وتحول من تمكن من البقاء إلى البيع عبر تطبيقات السوشيال ميديا، كما تشير منار عباس سليم (25 عاماً)، رئيسة قسم محاسبة. وتتابع: «أسلوب الحياة الذي نعيشه اليوم والسائد في المجتمع اللبناني مع الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي؛ فرض علينا متابعة كل ما هو جديد في صيحات الموضة، وأنا مثل الكثيرات، أهتم بمتابعة ما هو جديد، ومن دون أن أدري يتحول اهتمامي إلى رغبة قوية في الشراء».
تقصد منار، أحياناً، المراكز التجارية لشراء حاجة معينة، ثم تعود إلى المنزل ومعها ما يثقل حمله، تعلّق: «80 % من الملابس المُنتجة تنتهي في مكبات القمامة؛ حيث تتحلل أو تُحرق، ومع أن هذه الإحصائية تخيفني، فإنني في بعض الأحيان أقوم بشراء ملابس للصباح والمساء بألوان مختلفة، وأعود وأكتشف بعد فترة أنني لست بحاجة إليها؛ لأنها لا تناسب شخصيتي، فملكية الأشياء أصبحت ما يهمنا، حتى بتنا نشتري ما لسنا بحاجة إليه ولا يليق بنا فقط بهدف التسلية».
منار لا تشعر بالندم عندما تكتشف شراءها لمنتج ليست بحاجة إليه، مع أنها لا تجد مناسبة لارتدائه، ما دامت العملية برمتها قد خففت من توترها.
اسألوا الخبير!
سلمى عمرو: أتجاوز نصائح والديّ بضرورة تحديد الأولويات والبحث عن موارد أفضل
وفقاً لموقع آر تو إس للوجستيات، بلغ حجم التجارة الإلكترونية في مصر في عام 2021 حوالي 100 مليار دولار، وفي عام 2022 بزيادة وصلت نسبتها إلى 30 %، والملابس هي الأكثر مبيعاً، وهذا ما ترجعه سلمى عمرو، طالبة بكلية التربية جامعة القاهرة، إلى الصورة الاجتماعية المطلوبة التي تنشرها السوشيال ميديا، توهمنا بارتفاع القيمة الذاتية عند شراء منتج ما، تتابع قائلة: «يتم تحفيز الأفراد على المشاركة في النشاطات الاجتماعية المتعلقة بالمنتجات المروجة، وهذا ما يوقع الكثيرين في فخ الخداع عندما يتم تضخيم مزايا المنتجات المعروضة على السوشيال ميديا، ويؤدي إلى الشعور بخيبة الأمل؛ ما يؤثر في تشكيل الشخصية وقدرتها على التمييز بينها».
تجد سلمى ضرورة البحث عن الدعم النفسي والتوجيه من الخبراء، لاستيعاب أن الهدف الأساسي من التعامل مع المال هو تحسين جودة الحياة، وذلك من خلال التوازن بين الإنفاق والادخار والاستثمار بشكل صحيح، وتقول عن نفسها: «أنفق المال عند رغبتي في اقتناء الأشياء، متجاوزة نصائح والديّ بضرورة تحديد الأولويات، وأهمية البحث عن الدعم والموارد التي قد تساعد على تلبية هذه الحاجات، كالتعلم من خبرات الأصدقاء وأفراد العائلة الشرائية، فقد تكون لديهم نصائح وأدوات مفيدة يمكن استخدامها في حياتنا اليومية».
تتذكر سلمى تلك المرة التي ندمت فيها على شراء مستحضر تجميل غالي الثمن، ولم يكن بالجودة التي قالوا عنه وروجوا له، وهو فخ يقع فيه الكثيرون؛ لأن المنتجات تبقى افتراضية إلى حين استلامها.
سوق التجارة الإلكترونية
وفقاً لتقرير حديث صادر عن «إي زي دبي»، المنطقة المخصصة بالكامل للتجارة الإلكترونية:
- 37 مليار دولار حجم سوق التجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط لعام 2022
- 53.8 % نسبة النمو السنوي
- 5.2 مليار دولار، ما يعادل 42.5% من إجمالي حجم السوق بالنسبة إلى الإلكترونيات
- 60 % من المستهلكين في المنطقة العربية اليوم يدفعون عبر القنوات الرقمية عند التسوق عبر الإنترنت
- 57 مليار دولار أميركي حجم سوق التجارة الإلكترونية في المنطقة لعام 2026
يمكنك الاطلاع على السعادة مفردة بمعان كثيرة