أحلام رخامية

د. سعاد الشامسي 
د. سعاد الشامسي
د. سعاد الشامسي

لي حبيبة ذات ضلع مكسور، كلما حضنتها صرخت بألم وقالت لي عد في الغد، وجرب حظك، أرحل مكسور الخاطر، والأفكار تتسرب إلى داخلي، على ناصية الشارع، يُلفتني حضور الشمس بقوة، على الرغم من عزة نفسها، أفكر في الشمس، وكل الأحبة الذين غابوا، وتمنيت موتاً مسرحياً وسط الطريق وأنا أقطعه، يقطع خيالاتي رجل كبير في السن، يأمرني بالتوقف، ثم يطرح سؤالاً: أين ظلك يا بني؟ أظنه مجنوناً فأنظر للإشارة المرورية التي تُعبىء لونها من دماء المارة، فآخذ بيده ونعبر الطريق، ثم أتركه يعاصر خيالات تُخيّب الواقع الذي درسه.

كان علينا أن ندرس الخيال، أن نتعلم كل شيء حوله، لنبرع أكثر في أحزاننا، لا أن نُعيد منهجة الواقع كأنه يُصنع من جديد، ونحن نعلم أنها أسطوانة قديمة، نُعيد خربشاتنا عليها مع الشياطين التي تلاحقنا ونلاحقها، ليس الذنب كله على الشيطان، فالإنسان يبرع الآن في نحت كيانه على هيئة إبليس والعودة لصورته الطينية، تذكرت مرة حين قلت لأبي إن الطين يُشكل، وبإمكانك تشكيلي كيفما شئت، قال لي إن روحي من رخام.

عُدت قاطعاً الطريق كما هو سيراً على الأقدام، ووقفت أمامها أنتظر أن تفتح لي، وما إن فتحت حتى قلت:

لنتزوج وننجب طفلاً نعلمه الخيال، ألا يذهب للمدرسة ليتعلم معادلات رياضية لن تُفيده حين يجمع أحبته ويطرحهم امام نوائب الزمن، ولن يُفيده الشعر أمام رخام قبور الأحبة، سنعلمه أن الله يُحبنا أن نذهب إليه، أن نعلمه الدهشة فقط، وأن الاعتياد جرم يؤثم عليه..

تنظر لي بعيون قاتلة وتقول: لن أنجب الأطفال، وقدري متخفٍ.

قلت: أقدارنا كتبت وعلينا تحقيقها.

ضحكت وقالت: لن آتي بأطفال والعالم مكسور خاطره، لم يعد حديقة مثلما علمتني أمي، بل بات سجناً كبيراً وأحببنا قيدنا..

صمتنا سوياً، وحين قاربت على الحديث، كأنها حسبت موعد صمتي قالت: أن تنجب يعني أن تحضر طفلاً لمشاهدة فيلم، تذهب معه للمباريات، تضمه كلما خاف وبكى، وتحضر له المسليات أيضاً..

تخيل معي لو أنجبنا طفلاً ولم أكن قادرة على احتضانه، ويراك أنت من دون ظل، ويدرك بعد عمر أننا نشارك في بث فيلم الرعب يعرض ليس فقط على موقع تواصل اجتماعي واحد، بل واقع، يعرض كل شيء أمامه..

اهدأ ودعني على أمل أن يصحو النائمون ويغيرون موجة أفلام الرعب إلى أفلام تسر القلب والعقل كأفلام الماضي الجميل بعيداً عن خدش الحياء، بعيداً عن الخوف، بعيداً عن الخيال.. لنتزوج وننجب طفلاً من دون الخوف.