كم مرة شعرنا فيها بالنقص لدى رؤية وجوه وأجسام على منصات العروض، لا تشبهنا بشيء، ولا تمت إلى الواقع بصلة؟ لقد حان الوقت لتستدرك شركات الأزياء النقص الحاصل في الأسواق التجارية، ولتعيد ترتيب أولوياتها، في محاولة منها لاستقطاب فئات مهمشة لم تكن تجد ضالتها من التصاميم الموجودة في المتاجر. فما الذي حصل ليجعل تلك العلامات تستدرك أخطاءها؟ وما المساعي والخطط التي وضعتها لترتيب سلم أولوياتها لتكون ماركة أزياء متنوعة وشاملة؟ سنحاول الإضاءة على هذا الموضوع الحيوي بمختلف جوانبه، بدءاً بالمصمم الراحل ألبير إلباز Albert Elbaz، الذي ابتكر تقنية AnatoKnit الثورية، وسنتوقف عند تجارب كل من خبيرة الأزياء لدى المشاهير، جوني متى، ومصممة الأزياء الشاملة ديما عياد، لنكتشف أين نحن من مسألة الخصوصية في التصميم Inclusivity.
Marketing Game
حملات الترويج وخدعة التسويق الرقمي
لطالما خدعتنا جلسات التصوير التسويقية والحملات الإعلانية لدور الأزياء، والتي كانت تصور لنا عارضات بأجسام متناسقة خالية من الشوائب، فنحار ما العمل؟ أنبدأ بوجه خالٍ من الشوائب، أم بقوام منحوت كدمية «باربي»؟ لقد لزمنا الكثير من الوقت لنعي أن ما نراه يخضع لتقنيات وتطبيقات رقمية لتحسين الصور وإخفاء العيوب.
لقد روّجت مواقع التواصل مثل إنستغرام Instagram وتيك توك Tik Tok فلاتر التجميل Beauty Filters التي زادت المشكلة سوءاً؛ فلم يعد يجرؤ أي مستخدم على الظهور من دون فلتر، أطلقته المؤثرات العالميات اللواتي جاهرن بملايين المتابعات اللواتي حمّلنه على الهواتف، وبتن لا يستغنين عنه، ما حمل البعض منهن إلى تنظيم حملات مضادة كتحدّي No Filter أو تحدّي Instagram V/S Reality. وبدأت المسألة تأخذ بعداً قانونياً في كل من بريطانيا والسويد، عبر الإعلان عن قوانين تحرم استخدام الفلاتر في الحملات الإعلانية، وتغرّم مرتكبيها بمبالغ طائلة، وهي أول خطوة جدية لتقنين التسويق الرقمي.
فكرة الإدماج والشمول بدأت بخجل مع بعض الماركات، مثل علامة أدولفو دومينغيز Adolfo Domínguez التي انطلقت عام 1950، فلا ترضى العلامة إلا باستخدام الأقمشة والمواد العضوية، وتلتزم بمبادئ الاستدامة. وانطلاقاً من تمسّكها بمفهوم الموضة المسؤولة، انضمّت العلامة إلى مشروع The Climate Project الذي أطلقه آل غور Al Gore الحائز على جائزة نوبل عام 2007. نذكر أنّ من أهمّ عشّاق العلامة ليتيزيا، ملكة إسبانيا.
وسرعان ما أدركت بعض الدور التي اشتهرت باستخدام فتيات يتمتعن بأجسام متناسقة، مثل فكتوريا سيكريت Victoria Secret، صعوبة الاستمرار من دون دمج فتيات على مختلف ألوان بشرتهن ومقاييسهن، وبدأت تدريجياً تعتمد في حملاتها التسويقية فتيات ممتلئات. وبعكس الفكرة التي روجت لها لعقود مضت تحت اسم «ملائكة فكتورياز»، فالعارضات يجب أن يجسّدن الواقع، ولذا أطلقت الدار تصاميم بقياسات مختلفة ضمن المجموعة نفسها، وليست منفصلة؛ فالتسويق الرقمي الجديد يفترض دمج التصاميم المختلفة في مجموعة واحدة، وليس تغذية فكرة الاختلاف عن طريق إطلاق خطٍ منفصل من التصاميم.
تعرّفي إلى مجموعات الريزورت بمفاهيم العصر Reedited Resort
Fashion Houses
من جهة أخرى، فرضت الجائحة التي أرخت بثقلها في العام 2019 نمطاً جديداً من التفكير واللباس أكثر عملانية وواقعية، فأطلقت المؤثرة كيم كارداشيان ماركتها سكيمز Skims، التي تشمل أسلوب Lounge Wear، وسبقها زوجها السابق كانيي وست، الذي أطلق أزياء بطابع لاونج وير، ومن مواد مستدامة، عرفت باسم ييزي Yeezy. وتطور الأمر إلى حد دمج ملابس اللاونج وير Lounge Wear وإشراكها في عرض واحد من الأزياء الجاهزة، إلى جانب البدلات وفساتين السهرة، كما حصل مع ماركة فلاينغ سولو Flying Solo في مجموعتها لصيف 2023.
أما بالنسبة للمصممة ستيلا مكارتني Stella McCartney، فسياسة الاستدامة تدخل ضمن هويتها الأصلية، وقد عززتها باستخدام مواد طورتها في مختبراتها الخاصة لرفع جودة المواد التي تصمم منها، عدا عن تعاونها مع ماركات رياضية لإطلاق أحذية وبزات رياضية وأزياء لاونج وير تواكب متطلبات المرأة العصرية، التي باتت اليوم تفتش عن راحتها. وتلتقي معها دار أيه زي مارياس AZ Marias البرازيلية، المعروفة باستخدام مواد معادة التدوير، وبتركيزها على إشراك عارضات ملونات وبمقاييس جسدية ممتلئة، لتقدم تشكيلة متنوعة ترضي كل الأذواق والحاجات، فالموضة ليست حكراً على النحيفات أو البيضاوات.
Fits for All
معاً نعيد اعتبار المقاييس
«لقد ولى الزمن الذي كان القياس 8 مطلباً أساسياً»، بحسب المصمم الراحل ألبير الباز الذي خدم الموضة تحت لواء لانفان Lanvin لمدة 14 عاماً، وأنهى مسيرته بعد أن أطلق ماركة آي زي فاكتوري AZ Factory التي تحتفل بالتصاميم المعدة لمختلف القياسات. والمصمم الذي شارك ضمن لجنة تحكيم جوائز فاشون ترست أرابيا Fashion Trust Arabia في قطر، كان يؤكد أنّه يستحيل إنشاء ماركة بعد العام 2020 لا تلحظ اختلاف المقاييس وتعدّد الأذواق واختلاف مفاهيم الجمال. وفي العام 2021 أطلق المصمم الراحل ثوبه الشهير My Body وفق تقنية AnatoKnit Technology التي نفذت قماشاً يعانق الجسم ولا يحشره، منفّذاً مجموعة أزياء بتسعة قياسات تتراوح من XXS إلى 4XL.
لعلّ أفضل مثال على أن الدار التي تحترم الشمولية والتعدد مشروع تجاري ناجح هي 11Honoré التي أطلقها الأميركي باتريد هنرينغ Patrick Henring في العام 2017. تحتوي هذه الماركة على أزياء راقية منفذة من قياسات 12 إلى 24 وهي القياسات التي لم تراعها الدور العريقة من قبل، فقد كانت تتوقف عند القياس 12 في تصاميمها. واستطاعت الدار تحقيق مبيعات هائلة في السوق الأميركية التي تسجل نحو 68% من النساء من فئة قياس 12+.
وفي ظرف أربع سنوات تمكنت الدار من استقطاب الدور الأميركية العريقة، مثل كارولينا هيريرا Carolina Herrera، وماري كترانتزو Mary Katrantzou، ورولان موريه Roland Mouret، وألتوزارا Altuzzara، وتعاقدت معها لإدراج تصاميمها بقياسات كبيرة في متجرها الإلكتروني.
إنّ احترام الخصوصية لا يفترض بها فقط الاعتناء بالقياسات، بل إطلاق تصاميم موحّدة للجنسين، وتبنّي عارضات متقدّمات في السن، كما تفعل ماركة إيمرجنسي روم Emergency Room اللبنانية، فالهدف هو ابتكار تصاميم عابرة للحدود الضيقة، وللمفاهيم التي كانت معتمدة حتى اليوم انطلاقاً من شعار «الموضة للجميع» Fits for all. وانطلاقاً من هذا المفهوم يمكننا تقدير جهود التعاون التي يبذلها المصممون المستقلون عن المجموعات العملاقة، بهدف ابتكار تصاميم موحدة للأجيال والأجناس والحضارات تحت شعار «الحفاظ على البيئة»، كحقائب Tote Bags التي نفذها المصمم اللبناني العالمي زهير مراد Zuhair Murad من مواد نباتية، ويعود ريعها لدعم الماركات التي تراعي استراتيجية الاستدامة.
يمكننا فهم الشمولية ليس فقط باحترام المقاييس الكبيرة، بل التقاليد والحضارات المختلفة والأزياء التراثية الخاصة بكل بلد، ومنها على سبيل المثال تنفيذ دور عريقة أزياء محتشمة، كما هي الحال مع مجموعة دار باكو رابان Paco Rabanne الجديدة لصيف 2023، ودار أوف وايت Off White التي حرصت على إشراك عارضات ممتلئات وملوّنات.
ننصحكِ بالاطلاع على السينما والأزياء .. إلهام متبادل Cinema & Fashion
Ask the DESIGNER
«لأجل كل النساء أصمم، لأن لا أحد يريد أن يصمّم لي»
تقول المصممة ديما عياد: «أنا طويلة وممتلئة، ولم أكن أجد في السوق ما أحب أن أرتديه من تصاميم، فالموديلات المتوافرة كانت تشعرني بالغبن والإحباط، وهي تستهدف الأكبر سناً، وتفتقر إلى الطابع العصري الحيوي، لذا قررت بأنه طالما لا أحد يريد أن يصمم لي ولمثيلاتي، فلأقم بهذه المهمة بنفسي، ولكنني لن أصمم فقط لنفسي، بل للنساء كلهن».
من دعمك في البداية؟
العائلة كانت داعمي الأكبر، وزميلي السابق ومرشدي سيرج زالوف، حين كنت أعمل في أتلنتس دبي، والذي شجعني على متابعة حلمي وتجسيده واقعاً. كما إنني ممتنة للصحافة الإقليمية التي تفهمت هواجسي، وتشربت روح الدار لتنقل تصاميمي وتصل بها إلى المستهلك من بوابة واسعة.
هل أنت راضية عما أنجزته؟
أجل، وهناك الكثير بعد بصدد التفكير به، كتوسيع التصاميم لتشمل الإكسسوارات وليس فقط الملابس، وخطط الانتشار والتوسع بالآفاق نحو العالمية لتغدو الدار أكثر شمولاً.
كيف تختارين العارضات اللواتي سيشاركن في الحملات؟
أنظر إليهن بمنظار مختلف، فهن وجه الدار وأريد منهن أن يمثلن نساء الواقع، وأختار العارضات اللواتي يتمتعن بجسم صحي ممتلئ، لكي تتماهى النساء مع صورة حقيقية، وأحب التنويع فلا أختار الحنطيات أو ذوات البشرة الفاتحة فقط.
نخطّط للحملات التسويقية لدينا كفريق متكامل، ونبني الحملة على أساس نوع المجموعة، صيفية أم شتوية، ومحورها، أي الرسالة التي نريد إيصالها، والفكرة الأساسية التي بنيت التصاميم على أساسها.
Ask the STYLIST
تنسيق الأزياء للممتلئات هل بات أسهل من قبل؟
رغم كل الحملات الداعمة لكسر هذه الصورة النمطية عن السيدات النحيفات، وعن محاولات دور الأزياء الترويج للتصاميم التي تليق بالممتلئات، في محاولة منها لكسب شريحة مهمة من المجتمع، لا تتمتع بالمقاييس المثالية، ترى خبيرة الأزياء لدى المشاهير، جوني متى، أن ما تطلقه الدور للنساء الممتلئات لا يغطي الاحتياجات، ولا يرضي هذه الفئة من النساء اللواتي يشعرن بالغبن، نظراً لعدم قدرة الماركات على تغطية احتياجاتهن من أزياء وإكسسوارات، وخاصة في عالمنا العربي، حيث كمية الملابس الجميلة والمخصصة للقياسات الكبيرة لا تكفي. وتتابع بالقول: «نواجه صعوبة كبرى في إيجاد ملابس جذابة وجميلة للممتلئات، إن كان لجلسات التصوير، أو الحفلات على السجادة الحمراء والمهرجانات، أو حتى لحضور مناسبات مهمة كحفلات الزفاف، فنضطر إلى تنفيذ تصاميم معدة للطلب، بسبب النقص الحاصل لدى الماركات التي تحصر اهتمامها بالأجسام الصغيرة».
كيف تتعاملين مع هذه المشاكل إذا كان الوقت ضيقاً ولا يتسع لتصميم خاص، ولديك سيدة ممتلئة تريد حضور مناسبة مهمة؟
لقد بات المصممون اليوم أكثر وعياً لهذه المشكلة، ويحاولون التنويع في القياسات المتوافرة، وقام المصمم جورج حبيقة بإشراك العارضة أماني إسيبي في عرضه الراقي لخريف 2023 في باريس، ولكنها مجرد خطوات خجولة، لذا لا بد لنا كمنسقي أزياء من الاستعاضة بقصات واسعة معينة تلائم جسمها، ويمكن الاستعانة بكاب أو معطف يضفي الرونق على إطلالتها. الكاب أو المعطف قطعة أساسية ومتوافرة لدى كل الماركات، ويمكن الاستعانة بها كحل ذكي لتمويه ما نرغب به لدى تنسيق المظهر. إن غنى التصاميم يمنحنا فرصة أكبر لإبراز جمال جزء من القوام وإخفاء الجزء الذي نرغب به. كما إن العباءة والقفطان يشكّلان حلاً مثالياً وراقياً لهذه المشكلة، خاصة في المهرجانات الدولية، إذ تأتي مزيجاً من التكريم للتراث ولفتة ذكية على السجادة الحمراء.
ما المعايير التي تأخذينها لدى تنسيق إطلالة لسيدة ممتلئة؟
أركز على الأكمام القصيرة أو الطويلة، وعلى الفساتين الداكنة الموحدة، أو الفساتين المطبعة برسوم ونقشات منمقة وليست كبيرة، وأبتعد عن تحديد الخصر وعن قصات التنانير الضيقة والقصيرة.
يمكنك الاطلاع على إيقاع الشرق Orientalism
**ملاحظة: صور عروض من Launchmetrics/Spotlight©