أينما كان قارئ هذه السطور؛ إذا التفت يميناً أو يساراً، أو نظر إلى الأمام أو الخلف، سيلاحظ أن عدد الألوان المحيطة به كثير. الألوان صفات للأشياء، تُعبّر عما هو أعمق من البائن منها؛ إذ تمتلك دلالات ثقافية وتاريخية، وتثير المشاعر، كما تواكب الواقع وتُحاكي «الترند». في ملف «سيدتي» الأسبوعي، غوص في عالم الألوان، من جوانب مختلفة.
أشرفت على التحقيق وشاركت فيه | نسرين حمود Nisrine Hammoud
بيروت | عفت شهاب الدين Ifate Shehabdine وماغي شمّا Maguy Chamma
تصوير | محمد رحمة Mohamad Rahme
الرباط | سميرة مغداد Samira Maghdad
الرياض | بيريفان علي Berivan Ali
تميز الألوان الناس؛ بشراتهم وشعورهم وعيونهم، والأشياء من أزياء ومقتنيات، والمنازل والأماكن الداخلية والخارجية. هي لغة ذات لهجات معانيها تختلف من جغرافيا إلى أخرى، ومن زمن إلى آخر. وهي ذاتية للغاية؛ لأن كلّاً منا ينظر إليها بصورة مُغايرة عن الآخر، تبعاً للتربية والبيئة والشخصية. هناك ألوان تُحدّد النوع الاجتماعي والسن والطبقة... وألوان تُبرز مشاعر محددة، وتؤثر في استساغة الطعام من عدمه. تقول العرب «العين تأكل قبل الفم». وألوان مرتبطة بدول بعينها، تعبر عنها في أعلامها وأعيادها الوطنية. وهناك ألوان رمز لطقوس محددة اجتماعية أو دينية.
ثقافات
على غرار أي تشكيلي، يهتم هروان ريد، الفنان المغربي المُقيم راهناً في الولايات المتحدة الأميركية بالألوان في لوحاته الفنية. في لقاء مع «سيدتي»، يقول إن «معاني الألوان تختلف باختلاف الثقافات والأزمنة والسياقات»، مُفصّلاً فكرته عبر مجموعة من الأمثلة. حسب التشكيلي، الأبيض، في الثقافة الغربية، يرتبط بالنقاء والبراءة والسلام. لكن، في بعض الثقافات الآسيوية، الأبيض دالّ على الحزن والموت، وهو يُستخدم غالباً في الجنازات. الأحمر، بدوره، في الثقافة الغربية، يُعبّر عن العاطفة والحب والطاقة. أمّا في الصين، الأحمر لون الحظ والازدهار، ويوظّف في الغالب في الاحتفالات. الأسود هو الأناقة والقوة والرقي، في الثقافة الغربية، والحزن والموت في بعض الثقافات الآسيوية، بالتالي يتم تجنبه أثناء الاحتفالات. الأصفر، حسب الثقافة الغربية، دالّ على البهجة والنور والتفاؤل. ومع ذلك، في بعض الثقافات الآسيوية، يرتبط الأصفر بسوء الحظ والخيانة. الأخضر، في الثقافة الغربية، عنوان للطبيعة والنمو والصحة. ومع ذلك، في بعض ثقافات شمال أفريقيا والشرق الأوسط، يرتبط الأخضر بالإسلام. يوضح التشكيلي أن «ما تقدّم ليس سوى غيض من فيض المعاني الثقافية المرتبطة بالألوان».
أزمنة
لناحية الأزمنة، يقول إن «معاني الألوان تطورت مع مرور الوقت، واختلاف العصور أو الثقافات. مثلاً: كان الأزرق يُعدّ لوناً ثانويّاً في اليونان القديمة، ثمّ أصبح ذا قيمة عالية ورمزية في فن عصر النهضة في أوروبا. بالمثل، كان الأخضر يعدّ سلبيّاً في الثقافة الأوروبية، في العصور الوسطى؛ إذ كان مُرتبطاً بالشياطين والسحر، بينما يُنظر إليه اليوم على أنه إيجابي ومهدئ مرتبط بالطبيعة والصحة».
مشاعر
علاوة على ذلك، يضرب الفنان التشكيلي بعض الأمثلة عن استخدام الألوان للتعبير عن مجموعة واسعة من المشاعر، وذلك في سياقات مختلفة، مثل: الموضة والتصميم الداخلي والفن والتواصل المرئي:
للفرح والتفاؤل، تبدو الألوان الزاهية والمشرقة، مثل: الأصفر والبرتقالي والوردي، مناسبة.
للغضب أو الإحباط، يمكن استخدام الألوان الداكنة، مثل: الأحمر الداكن أو الأسود.
للصفاء أو الاسترخاء، الألوان الناعمة والمهدئة، مثل: الأزرق الفاتح والأخضر والبنفسجي، مُلائمة.
للإبداع، الألوان الزاهية والنابضة بالحياة، مثل: الفوشيا أو الفيروزي أو البرتقالي الزاهي.
للحزن، ثمة ألوان داكنة وأخرى باردة، مثل: الأزرق الداكن أو الرمادي.
يمكنك الاطلاع على الألوان وتأثيرها النفسي.. اكتشفي الفوائد التي تفوق التوقعات
الثقافة الإسلامية
عن الألوان ودلالاتها في الثقافة الإسلامية، تقول لبنى باحيدرة، الفنّانة التشكيلية ومعلمة التربية الفنية، إن «الفنان المسلم ورث تقاليد الفن الشرقي القديم وتقنياته وألوانه، فأبدع في أعماله»، موضحةً أن «الألوان في الفن الإسلامي تحترم الأذواق ومخزون الذاكرة والموروث من الثقافات القديمة التي تتداخل فيها الأديان والأعراف وأساطير المجتمعات، من دون أن يلغي ذلك الألوان المُستقاة مباشرةً من العقيدة الإسلامية، التي جاءت بدلالات رمزية وحسّية وجمالية، تمثِّل العلاقة بين الفن والعقيدة». وتضيف أنه «في الاحتفالات الدينية والاجتماعية الإسلامية، تختلف الألوان الموظفة، حسب الثقافات والتقاليد المنتشرة في البلدان العربية، لكن الشائع منها، الأحمر الذي يرمز إلى الحماسة والبهجة، ويُستخدم في الزفاف؛ والأخضر الدالّ على الحياة والطبيعة والموظف في المناسبات الدينية والاحتفالات الاجتماعية؛ والأبيض المُرادف للنقاء والبراءة والموظّف في المناسبات الدينية والاحتفالات الرسمية، إضافةً إلى الذهبي الذي يرمز إلى الثراء والرفاهية والمُستخدم في المناسبات الرسمية والاحتفالات الكبرى. هناك أيضاً الأزرق، الذي يعني الهدوء والسكينة، ويُستخدم في المناسبات الدينية والاجتماعية، والأسود الذي يرمز إلى الحزن والحداد والجنازات».
«خرافة»؟!
من ناحية ثانية، بخلاف الرأي القائل إن دلالات الألوان النفسية ما هي إلا «خرافة»، تعتقد الفنانة أن «الألوان، لا تعدّ مُجرد مثيرات بصرية؛ إذ هي تموجُ بتأثيرات وانعكاسات هائلة على نفسيات البشر، في الظروف المختلفة، كما تفيد دراسات؛ إذ تُستخدم الألوان، في العموم، في تفسير ودراسة حالة كل مرء، وتحديد ميوله وشخصيته، وحتى في علاجه. فقد يُنصح المكتئب مثلاً بالتركيز على ارتداء الألوان الفاتحة، وتجنّب الغامقة منها من أجل تعديل مزاجه».
تقول لبنى: «للألوان طاقة تأثيرية في الحالة النفسية؛ إذ يمكن أن يبعث أحدها القوة، كما يمكن للآخر أن يُحرّض ويثير أو يهدّئ ويُسكّن الشخص، أو يُشعره بالدفء أو البرودة، فيما تمنح ألوان أخرى السعادة والصحة النفسية حيناً، أو على النقيض من ذلك قد تعني البؤس في حين آخر».
وتكشف الفنانة التشكيلية أن «فهم طاقة الألوان يفتح بُعداً جديداً في آفاق الوعي، فالسماء بنجومها وكواكبها، والأرض بصحاريها وأشجارها، والنار بلهيبها ودفئها، والماء بتموجاته وتدرج ألوانه؛ كلها تتفاعل مع طاقاتنا ونعيشها في كياننا». وتتحدث عن خصوصية الألوان، لناحية المكانة، فلكل شريحة اجتماعية لونها الذي تُعرف به، خصوصاً في الملبس، كما استُخدمت الألوان في الحضارات بوصفها طاقةً استشفائيةً».
إقرئي المزيد عن تأثير الألوان على حالتك المزاجية وسلوكك غير متوقع
دلالات الألوان في الثقافة الغربية
في الثقافة الغربية، هذه بعض دلالات الألوان، مع مُلاحظة أن المعاني المذكورة أدناه، ليست ثابتة:
الأحمر: يُشير إلى العاطفة والحب والطاقة والخطر والغضب.
البرتقالي: يرمز إلى الدفء والحماسة والإبداع والتفاؤل.
الأصفر: يُرادف الفرح والسعادة والضوء والتحذير والغيرة.
الأخضر: يُحيل إلى الطبيعة والنمو والصحة والانسجام والغيرة (أحياناً).
الأزرق: يُعادل الصفاء والثقة والعمق والاستقرار والحزن (أحياناً).
البنفسجي: يلفت إلى الترف والروحانية والغموض والإبداع والحزن (أحياناً).
الوردي: يُعبّر عن النعومة والرومانسية والأنوثة.
الأبيض: هو النقاء والبراءة والسلام والبساطة.
الأسود: يصف الأناقة والقوة والرقي والموت (أحياناً).
الرمادي: يرمز إلى الحياد والرصانة والحكمة والملل (أحياناً).
الألوان والتسويق
للألوان دور في التسويق، فهي ذات تأثيرات كبيرة، في قرارات المستهلكين، علماً أن تركيز الغالبية منهم ينصب على الشكل البصري للمنتج قبل شرائه. في هذا الإطار، تتحدث كريستال البشعلاني، مؤسسة شركة Advert Agency، لـ«سيدتي» عن دور الألوان في تكوين انطباعات المستهلكين عن أي علامة تجارية أو منتج، فتقول إن «الهوية البصرية نقطة الاتصال الأولى بين المُستهلك والعلامة التجارية، وهي تتضمن العديد من العناصر البصرية، مثل: «اللوغو» وخط الكتابة والألوان وطريقة التصوير، كل العوامل المذكورة يقوم بدور مهمّ في تحفيز المستهلك على حفظ العلامة التجارية». وتضيف أن «للألوان ودرجاتها معاني مختلفة، لذا تختار كل علامة تجارية اللون والدرجة المناسبة منه لتسويق منتجاتها».
عن الألوان الأبرز، في مجال التسويق، توضّح البشعلاني أن «الأحمر يتطابق مع الشعور بالطاقة والسرعة والحماسة والعاطفة، وهو يُستخدم لدفع المستهلك إلى شراء المنتج، بسرعة». وتضيف أن «علامات تجارية عدة، لا سيما تلك المتخصصة في بيع الملابس والأحذية الرياضية وسلاسل تقديم الوجبات السريعة توظّف الأحمر بشكل أساسي، كونه يفتح الشهية، ويدفع المستهلكين إلى شراء أو تناول المزيد من الوجبات». ومن الملاحظ أن شركات الوجبات السريعة تستخدم اللون المشرق المذكور بوصفه جزءاً من هويتها البصرية لجذب المستهلك لشراء الوجبات وتناول المزيد منها، كما منح المرء شعوراً بطلب الأكثر سريعاً. في الوقت عينه.
وتزيد أن «الأصفر يرمز إلى السعادة والتفاؤل والإيجابية؛ ويظهر الأصفر أن العلامة التجارية سعيدة وتتميز بأجواء حيوية. وهناك تطبيقات معينة خاصة بـ«الموبايل» تستخدم الأصفر».
لناحية الأزرق، توضّح أن «اللون المذكور كثيف الحضور في الأعمال، التي تُركّز على الخدمات والتواصل، مثل: تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر)، فضلاً عن شركات الطيران والتأمين؛ لأن الأزرق يُشيع الشعور بالطمأنينة والثقة والتواصل».
أما الأخضر فله معنيان مهمان؛ تُشابه الدرجة الفاتحة لون الطبيعة، لذا هي متكررة في العلامات الصديقة للبيئة، أما الأخضر الداكن فيُستخدم في العلامات التجارية الفخمة. بينما يرمز البنفسجي، بدوره، إلى الابتكار والذكاء، فيما الأسود يعبر عن الفخامة والسلطة، ويُستخدم من الشركات الفخمة. ومن المهم معرفة أن الأسود قد يُساهم في نجاح أو فشل العلامة، إذا لم يُستخدم بالشكل الصحيح. مثلاً: لا يصح أن يكون الأسود مُعتمداً من علامة تجارية متوسطة المستوى. الأبيض، بدوره مُعتمد من بعض العلامات التجارية التي تمزجه بالأسود (أو الرمادي الداكن أو السكري، لإراحة عين من يطلع على منتجاتها المتوافرة بنوعية جيدة، والتنويه في الوقت نفسه إلى أنها ليست علامة تجارية فخمة.
حسب كريستال، هناك عوامل عدة لاختيار الألوان في التسويق، تبعاً للجمهور المستهدف؛ أي العمر والجنس والثقافة، وهوية العلامة التجارية، ونوع المنتج، واتجاه السوق، والتأثيرات النفسية.
وتوضح أنه «لا مانع من استخدام ألوان عدة للعلامة التجارية أو المنتج، مع الاتكاء على color wheel strategy؛ أي عجلة الألوان التي تضم كل الأخيرة ودرجاتها، للتأكد من أن الألوان المختارة متناسقة مع بعضها البعض، كما من الضروري مراعاة الانعكاسات النفسية للألوان المستخدمة مع بعضها على المستهلك».
علاج بديل بالألوان
يندرج العلاج بالألوان الذي يُسمّى أيضاً «العلاج بالأضواء الملوّنة»، تحت فئة العلاجات البديلة، وهو يعتمد على تحقيق التوازن بين صحة العقل والجسم عن طريق الألوان. في هذا الإطار، توضح نور عيد، المعالجة النفسية في Brainstation Clinics، أن «العلاج بالألوان الذي يُسمى «العلاج بالكروم» Chromotherapie يقوم على فكرة مفادها أن الألوان تبعث نبضات كهربائية في دماغنا؛ ما يحفز العمليات الهرمونية والكيميائية الحيوية في أجسامنا. بالتالي، تُثيرنا العمليات المذكورة أو تُهدّئنا».
وتضيف أن «لكل شخص تفضيلات لونية محددة، مؤثرة في تصرفاته أو نظرته إلى عدد من الأمور والأفكار؛ أي في الطاقة ومعظم القرارات التي قد يتخذها في حياته».
وتلفت إلى أنه «تحت العلاج بالألوان، هناك أهمية للتعرّض إلى ضوء الشمس؛ لأن ذلك يُشعر المرء بالراحة. وهناك أيضاً، الرسم والتلوين للتعبير عمّا بداخل الإنسان». لكن، تشدد المعالجة أن «هذا النوع من العلاجات لحالات، مثل: الاكتئاب والضغوط الحياتية والقلق، وغيرها... هو مكمّل أو جانبي، كما أسلفت، ولا يمكن بأي حال من الأحوال استخدامه عوضاً عن العلاج الطبي. إلى ذلك، تختلف نتائج هذا العلاج بشكل متفاوت، ولا يمكن ضمان فعاليته، وتعتمد هذه النتائج على طبيعة الفرد». وتُفيد أن «العلاج بالألوان ليس جديداً، بل قائم منذ آلاف السنوات لدى المصريين القدامى الذين كانوا يعتمدون على الألوان في العمارة، لإدراكهم مدى تأثيراتها في نفسياتهم».
يمكنك الاطلاع أيضاً على الألوان.. الوسيلة الجديدة للاسترخاء