في عصرنا الحالي، لا يمكن لأحد أن ينكر الدور الواضح لوسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل شتى جوانب حياتنا؛ فقد أصبحت هذه الوسائل جزءاً أساسياً من روتيننا اليومي؛ حيث يمكننا التواصل مع الآخرين ومشاركة تجاربنا وأفكارنا بسهولة تامة.. ومن بين الجوانب الرئيسية التي تأثرت بوسائل التواصل الاجتماعي، علاقات الصداقة.
إن العلاقات الصداقية هي أحد أهم عوامل تحسين جودة حياتنا النفسية والاجتماعية.. ومع ذلك، لم يعُد طبيعياً النظر إلى هذه العلاقات بشكل معزول عن تأثيرات التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ يشهد العالم تحولات كبيرة في طبيعة الصداقات، وكيفية تشكُّلها والتفاعل فيها، وذلك نتيجة التغيّرات التي أحدثتها منصات التواصل الاجتماعي.. مثل: فيسبوك، تويتر، إنستجرام، سناب شات، والعديد من التطبيقات الأخرى، التي يمكن للأفراد الآن التواصل بها مع أصدقائهم ومعارفهم في أيّ وقت ومن أيّ مكان.
يقول خبير التنمية البشرية خالد حبيب: نتناول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على علاقات الصداقة بشكل شامل، سواء أكان ذلك التأثير إيجابياً أم سلبياً، ونستكشف كيفية تغيير أنماط التواصل والتفاعل بين الأصدقاء، وكيف يمكن أن يؤثر استخدام هذه الوسائل على القرب أو التباعد بين الأفراد.. ونلقي الضوء على التحديات الجديدة التي يمكن أن تظهر في بناء، والحفاظ على علاقات صداقة قوية في هذا السياق التكنولوجي المتغير.
وبِغض النظر عن الاتجاه الذي يأخذه هذا التأثير؛ فإنه لا يمكن إنكار أن وسائل التواصل الاجتماعي، قد أثّرت على كيفية اكتسابنا للأصدقاء وبناء علاقات دائمة.. سواء أكانت هذه التأثيرات إيجابية تعزز من تواصلنا مع الآخرين، أم سلبية تفرّق بيننا وبين اللحظات الحقيقية والتفاعلات العميقة؛ فإنها تستحق التدقيق والدراسة.
تسلّط هذه الدراسة الضوء على مجموعة من النقاط المهمة والجوانب المثيرة للتأمل؛ مما يساهم في فهمٍ أفضل لتأثير وسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات الصداقية في عالمنا المعاصر.
التأثيرات المحتملة من وسائل التواصل على الصداقة
- الإيجابيات
التواصل المستمر: تمكن وسائل التواصل الاجتماعي الأصدقاء من التواصل والبقاء على اطلاع بأحدث أخبار بعضهم البعض؛ حتى إذا كانوا بعيدين جغرافياً.
توسيع الشبكات الاجتماعية: يمكن للأشخاص أن يتعرفوا على أصدقاء جدد من خلال وسائل التواصل، سواء عبْر منصات التعارف، أو مجموعات الاهتمامات المشتركة.
مشاركة الأوقات الممتعة: يمكن للأصدقاء مشاركة صور ومقاطع فيديو من الأوقات الممتعة والنشاطات؛ مما يعزز الروابط العاطفية.
التواصل السريع: يُمكن للأصدقاء التواصل في الوقت الحقيقي وتبادل الأخبار السريعة، من خلال الرسائل الفورية والمكالمات الصوتية والفيديو.
- السلبيات
تقليل الواقعية:قد يؤدي الانخراط الزائد في وسائل التواصل، إلى إظهار الحياة بصورة أكثر إيجابية مما هي عليه في الواقع؛ مما يؤثر على توقعات الأصدقاء، ويؤدي إلى عدم واقعية العلاقات.
انعزالية:قد يسهم الاعتماد الزائد على وسائل التواصل في خلق انعزالية بين الأصدقاء؛ حيث يمكن للأفراد قضاء وقتهم بشكل أكبر على الإنترنت؛ بدلاً عن الالتقاء والتفاعل في الواقع.
التوتر والسلبية:قد يؤدي الانخراط المستمر في منصات التواصل إلى التعرض للتوتر والسلبية؛ مما يؤثر على المزاج وبالتالي يؤثر على علاقات الصداقة.
فقدان الاتصال العميق: قد يؤدي التواصل الرقمي السطحي إلى فقدان الاتصال العميق بين الأصدقاء؛ حيث يصبح التفاعل محدوداً في تبادل الإعجابات والتعليقات فقط من دون مناقشة أمور هامة.
تابع المزيد:علامات تكشف أنهم لا يريدون أن يكون أصدقائنا
أنماط التواصل والتفاعل بين الأصدقاء في ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعي
ويشير خالد حبيب إلى أن تغيير أنماط التواصل والتفاعل بين الأصدقاء في ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن أن يسهم في تعزيز العلاقات وجعلها أكثر إيجابية ومفيدة.. إليك بعض الخطوات التي يمكنك اتخاذها لتحقيق ذلك:
- حدد أهدافك الرئيسية:
قبل أن تبدأ في تغيير أنماط التواصل، حدد ما الذي ترغب في تحقيقه من هذا التغيير؟ هل تريد تعزيز التواصل العميق والمعنوي مع الأصدقاء؟ هل ترغب في تقليل الوقت الذي تقضيه على وسائل التواصل الاجتماعي؟
- ضع حدوداً زمنية:
قم بتحديد وقت محدد يومياً أو أسبوعياً لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن أن تساعدك هذه الخطوة على تخصيص الوقت للتواصل الحقيقي خارج الشبكات الاجتماعية.
- التواصل المباشر:
حاول زيادة التواصل المباشر مع أصدقائك خارج وسائل التواصل الاجتماعي، قم بترتيب لقاءات وجهاً لوجه، أو مكالمات هاتفية لتعزيز الاتصال الحقيقي.
- شارك تجاربك وأفكارك بشكل شخصي:
عند استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، حاول الابتعاد عن مشاركة المحتوى العام، والاهتمام بمشاركة تجاربك وأفكارك الشخصية.. هذا يمكن أن يشجع على محادثات أكثر عمقاً.
- اهتم بالاستماع الفعّال:
عند التواصل مع أصدقائك، اهتم بما يقولونه بشكل فعّال واستمع بانتباه.. طرح الأسئلة والاستماع، يمكن أن يقوّي العلاقات.
- اختر منصات تواصل مناسبة:
اختر منصات التواصل الاجتماعي التي تتيح لك التواصل بشكل أكثر تفاعلية وشخصية، قد تجد منصات مثل: الدردشة الصوتية أو التواصل عبر الفيديو، أكثر ملاءمة لبناء علاقات أقوى.
- الابتعاد في بعض الأحيان:
لا تتردد في قضاء بعض الوقت من دون استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، الابتعاد قليلاً يمكن أن يساعد في تجديد طاقتك وتركيزك على أمور أخرى.
- تعزيز الإيجابية والدعم:
استخدم وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز الإيجابية وتقديم الدعم لأصدقائك، قم بمشاركة أخبار سارة وكلمات محفّزة.
- تذكير باللحظات الحقيقية:
عندما تشعر بأنك تنفصل كثيراً عن الواقع بسبب وسائل التواصل، قم بتذكير نفسك بأهمية اللحظات الحقيقية والعلاقات الحقيقية.
التحديات التي تواجه علاقات صداقة في هذا السياق التكنولوجي المتغير
ويري حبيب أنه في ظل السياق التكنولوجي المتغير الذي نعيش فيه اليوم، هناك العديد من التحديات التي يمكن أن تواجه علاقات الصداقة.. إليك بعض هذه التحديات:
- الاتصال الافتراضي الزائد:
تقنيات التواصل عن بُعد ووسائل التواصل الاجتماعي، قد تؤدي إلى زيادة الاتصال الافتراضي على حساب اللقاءات الواقعية.. هذا يمكن أن يقلل من جودة العلاقات، ويؤدي إلى شعور بالعزلة.
- قلة التواصل الحقيقي:
على الرغم من الاتصال الدائم عبْر الإنترنت، قد ينقص التواصل الحقيقي والمعاناة الوجه لوجه.. هذا يمكن أن يؤثر على تطور العلاقات وفهمنا العميق لأصدقائنا.
- تشتت الانتباه:
تنافس التكنولوجيا على انتباهنا يمكن أن يجعل من الصعب إيلاء الاهتمام الكامل للأصدقاء أثناء التفاعل معهم؛ مما يؤثر على الشعور بالاحترام والتقدير.
- التعرض للسلبية عبر الإنترنت:
قد يتعرض الأصدقاء للانتقادات أو التنمر عبْر وسائل التواصل الاجتماعي؛ مما يؤثر على علاقاتهم ويَزيد من الضغوط النفسية.
- انعدام الخصوصية:
التكنولوجيا تجعل من الصعب الحفاظ على الخصوصية، وقد يؤدي ذلك إلى عدم الثقة بين الأصدقاء إذا شعروا بأن معلوماتهم الشخصية قد تكون معرَّضة للخطر.
- اختلاف في استخدام وسائل التواصل:
قد يختلف الأصدقاء في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي؛ مما قد يؤدي إلى تباين في توقعات التواصل والتفاعل، وبالتالي تحدث مشكلات في التواصل.
- التبعية الرقمية:
يمكن أن يؤدي الإدمان على الهواتف الذكية ووسائل التواصل، إلى تقليل الوقت المخصص للتفاعل الاجتماعي؛ مما يؤثر سلباً على الصداقات.
- تحديات التفاهم الرقمي:
قد يحدث سوء تفاهم أو انعدام تواصل بسبب نقص التواجد الجسدي والعواطف الملموسة في التواصل عبر الإنترنت.
تابع المزيد:كيف تعرف أن صديقك لا يريدك؟