برعاية الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، وزير الثقافة، يستضيف المتحف الوطني السعودي في الرياض، معرض "عطور الشرق"، في أول محطة دولية له بعد أن نظّمه معهد العالم العربي في باريس، وأطلقه بالشراكة مع وزارة الثقافة السعودية. وذلك لتسليط الضوء على ثقافة العطور المتأصلة في الشرق وقيمتها في التراث العربي والحضارة الإسلامية.
يقدّم المعرض لزواره رحلةً استثنائية وتجرِبة حسية شمية متكاملة، تدغدغ الحواس بروائحها العطرية النادرة والمركزة، وأعمالها الفنية المصممة خصيصاً لتعزيز هذه التجرِبة. وحضر حفل الافتتاح مسؤولو معهد العالم العربي في باريس، وعددٌ من قيادات وزارة الثقافة وهيئة المتاحف، ومجموعةٌ من الفنانين المشاركين في المعرض من المملكة والعالم العربي وفرنسا، بالإضافة إلى شخصيات ثقافية وفنية بارزة.
التقاء حاستَي الشمّ والبصر
من الورد الطائفي وشرائط الياسمين وباقات النرجس وبتلات أزهار البرتقال، ومهنة الصبابات وورش العطارين؛ حيث تختلط رائحة البخور بالعنبر والمسك، إلى فن الضيافة والطبخ وروائح القرفة والعسل والنعناع والتوابل المختلفة، تجربة تأسرك ما أن تدخل من الباب الرئيسي للمتحف لتتعمق أكثر وأكثر داخل أروقة المعرض، وتغرق في متعة استنشاق الروائح المختلفة بطرق غير مسبوقة، وبمساعدة تقنيات تفاعلية حديثة ومتميزة. فحرصاً على تقديم تجرٍبة غامرة للزوار، صُمّم مسار المعرض بشكل يراعي التوازن عند التقاء حاستَي الشمّ والبصر؛ حيث تطلق الأجهزة المبتكرة عطوراً تأخذ الزائر للانغماس في عالم من الروائح التي صنعها مصمّم العطور العالمي كريستوفر شيلدريك خصيصاً للمعرض.
هذا ويحتضن المعرض مجموعة فنية فريدة من أكثر من 200 قطعة أثرية وعمل فني معاصر، تروي بمجملها تاريخ هذه العلاقة الوثيقة والأزلية بين العالم العربي والعطور. وينقسم المعرض إلى ثلاثة أقسام، تقدّم للزوّار فرصةً للتجوّل في فضاءات متنوعة: يستكشف القسم الأول بعنوان: "الطبيعة السامية والسخية" تاريخ العطور منذ لحظة اكتشاف المواد الخام التي تُصنع منها، من زهور وأعشاب وتوابل وراتنجات طبيعية فوّاحة؛ مسلّطاً الضوء على المكوّنات التي تميّزت بها الجزيرة العربية- مثل: اللبّان والعنبر والمُرّ– والتي لعبت دوراً رئيسياً في تركيب العطور. أمّا القسم الثاني فبعنوان: "روائح المدينة"، ويأخذ الزائر في رحلة في مختلف أحياء المدينة؛ لاكتشاف دَور العطور في الأماكن العامة وفي المجتمع؛ حيث يشكّل العطر في الثقافة العربية تجرِبة جماعية؛ إذ يُعَدّ واقعاً مهماً حاضراً في دائرة الأصدقاء والعائلة والأحبة. وأخيراً، في القسم الثالث بعنوان: "ضيافة عطِرَة"، يسلّط المعرض الضوء على التقاليد والعادات الاجتماعية المرتبطة بالعطور في العالم العربي والحضارة الإسلامية، مثل: التطيّب والتبخير وتعطير الضيوف للترحيب بهم.
فكرة ظهرت مع إنشاء المعهد
القيّمة الفنية للمعرض آنياس كارايون، أكّدت في حديث خاص لـ«سيدتي» أن: "التصوُّر الأساسي لهذا المشروع، وُضع منذ البداية لمعهد العالم العربي في باريس؛ لذلك فإن فكرة هذا العرض قديمة جداً صراحة لأننا فكرنا بتنظيمه منذ إنشاء المعهد قبل 30 عاماً؛ لأننا نرى أن العلاقة بين العطور والعالم العربي مهمة جداً؛ مما ألهمنا بهذه الفكرة منذ بدايات المعهد، ولكن تنفيذها كان صعباً للغاية؛ لأنه في ذلك الوقت لم تكن هناك إمكانية لتقديم هذا النمط السردي".
وأضافت: "أما الآن؛ فقد بات أسهل بكثير أن نقترح على الزائر تجرِبة حسية كهذه، وزيارة غامرة بالروائح الزكية. ولهذا السبب اتخذنا القرار منذ ثلاث سنوات للعمل بشكل جِدّي على هذا المشروع وتقديم هذا المعرض بشكل يربط ما بين الإبداع الفني والعطور".
وتحدثت كارايون عن أقسام المعرض قائلة: "لدينا ثلاثة أقسام رئيسية: في الجزء الأول من المعرض يكتشف الزائر المواد الخام الأكثر ارتباطاً من حيث رمزيتها بالعالم العربي وروائحها وأصولها، وهي تُعرض جنباً إلى جنب مع القطع المتحفية. أما الجزء الثاني من المعرض؛ فيدخل فيه الزائر إلى المدينة ليكتشف الاستخدامات المتعددة للعطور في الأماكن العامة. وهناك الجزء الأخير الذي يدور حول المجال الخاص في المنزل، واستخدام العطور مع العائلة والأصدقاء والأشخاص المقربين في إطار أكثر حميمية؛ لذلك نتحدث عن الضيافة والطهي والروائح التي تصدر عنهما".
وعن عملية اختيار الفنانين المشاركين، أشارت القيّمة الفنية إلى أنها غالباً ما تتطلب عملاً طويل الأمد، وأضافت: "قمنا بإجراء العديد من الأبحاث للعثور على الفنانين المناسبين، وذلك بعد أن خرجنا بالفكرة الرئيسية، هناك بعض الفنانين الفرنسيين الذين نعرفهم وعملنا معهم في العالم العربي لفترة طويلة. وبالنسبة للرياض، أردنا أن يكون لدينا بعض الفنانين السعوديين لعرض ثقافة البلاد، وهو أمرٌ مهم للغاية، وقد ساعدَنا المتحفُ الوطني أيضاً في اختيار بعض الفنانين السعوديين".
الياسمين في تشكيلات العروس
الفنانة ريم الناصر من منطقة جازان السعودية، تشارك في المعرض بعمل يحمل اسم رصاص كامل (رصاص الياسمين العربي)، وعن هذا العمل قالت لـ«سيدتي»: "العمل هو عبارة عن تشكيلات العروس الموجودة بمنطقة جازان، عدد زهرات الياسمين المستخدمة ألف شريط رصاص من الياسمين، وقد استغرق تنفيذه من قِبلنا أنا والفريق المكوّن من أربعة أشخاص من جازان، 12 ساعة كاملة، من الساعة السادسة عند المغرب وحتى السادسة صباحاً". وأضافت: "أنا مهتمة جداً بكيفية تطوُّر السلوك من جيل إلى جيل. وبالنسبة لزهرة الياسمين، كان هناك تغيّر بشكلها منذ عشر سنوات إلى اليوم، وهذا الأمر حثّني على التوثيق، ثم أدركت أنه عليّ أن أوثّق أيضاً الزيّ القديم للنساء. أما الرسالة من العمل؛ فتقوم على إبراز الخطوط التي تحتوي عليها النماذج نفسها؛ فكل نموذج يحكي قصةً وأثراً سلوكياً. فمثلاً: الحزام يكون فيه ثلاث دوائر أو ثلاث ورود، وهذه تعكس أن المرأة الآن في حالة زواج؛ لذا فإن عملي يبيّن كيف أنهم من قبلُ كانوا يرسلون رسائل من خلال المظهر".
الورد الطائفي
عبدالرحمن الدغيلبي وهو مصوّر فوتوغرافي من محافظة الطائف، كانت مشاركته في هذا المعرض مميزة، من خلال 5 لوحات فوتوغرافية، تُبرز الورد الطائفي بصور يميزها الطابع الإنساني. وعن تلك اللوحات قال الدغيلبي: "أعمالي هذه تهدف لتعريف زوّار وروّاد المتحف والمعرض إلى الورد الطائفي وفرحة الناس بموسم الورد الذي مُدته تقريباً 45 يوماً في مدينة الطائف. وقد اخترتها بناءً على توجُّه المعرض الذي يحكي عن عطور الشرق؛ فالطائف تنتج دهن الورد الطائفي الذي يُعتبر أغلى العطور الموجودة في العالم، وقد أطلق الخبراء الفرنسيون على الطائف مسمى مملكة العطور؛ ففيها جودة العطر ومكانته، وتُعتبر وردة الطائف أغلى وردة في العالم". وأشار إلى إحدى اللوحات مفسراً موضوعها بالقول: "هذه لوحة شايب الورد، وهو عبارة عن رجل كبير في السن، - في وقت كانوا يسمونه ذروة الورد، حيث الورد يكون بكميات كبيرة وكميات هائلة- جلس في الورد مستمعاً إلى الموسيقى الصباحية كأغاني فيروز، ومنها نسّم علينا الهوا؛ فنزلت الدموع من عينيه حين تذكر أحد الأشخاص الذين فقدهم أو الأشخاص الذين كانوا معه قبل زمن".
كرم الضيافة وتعاضد النساء
الكاتبة والفنانة إلهام الدوسري تشارك في المعرض بمجموعة صور تسلّط الضوء على مهنة الصبابات السعوديات، وما يمثله ذلك من كرم الضيافة وتعاضد النساء، وقالت: "عملي مبنيٌّ على بحثٍ مصوَّر من 20 صفحة، نطاقه الرياض، عن تاريخ الصبابات من ناحية اجتماعية واقتصادية، وذلك بعد تحوُّلها من مهن فردية إلى شركات. وشاركتُ في المعرض بأربع صور من مجموعة 10 صور تُظهر نساء يقدّمن الضيافة في مناسبات اجتماعية مختلفة في السعودية من ناحية الشاي والقهوة والبخور وغير ذلك".
وأضافت: "هذه المهنة بدأت من عشرات السنين من أيام الملك عبدالعزيز، وفي قصور الشيوخ والأمراء ولاتزال متواجدة ومنتعشة حتى اليوم، وقد توسّعت أعمال الصبابات وتوغلن في المجتمع بين الطبقات الأخرى ولاسيّما الطبقة المتوسطة، وانتشرت هذه الثقافة بشكل كبير".
وأشارت الدوسري إلى أنها وخلال لقاءاتها معهن، أخبرنها عن الصعوبات التي يواجهنها وقالت: "كانت رحلتهن مقترنة ببعض الصعوبات من ناحية احتكار السوق من قِبل شركات الضيافة الكبيرة. ومن هنا جاء اسم البحث أو جزء من اسم البحث، الذي هو تعاضد النساء؛ فهن تعاضدن وتكاتفن مع بعضهن البعض حتى تبقى المهنة بشكلها السعودي الأصيل من ناحية الزي، ومن نواحٍ أخرى كالحضور والهيبة والاحترام وتفاصيل صب القهوة وتقديم البخور".
يُذكر أن المعرض سيستمر باستقبال الزوار حتى 14 سبتمبر 2024، ويأتي ضمن جهود المتحف الوطني السعودي للاحتفاء بالتراث الثقافي السعودي وثراء الحضارة العربية والإسلامية، من خلال تقديم تجربة تثقيفية وتعليمية للجمهور؛ حيث سيترافق المعرض مع مجموعة ورش عمل وندوات تسلّط الضوء على مكوّنات العطور المختلفة، وتستكشف عملية صناعة العطور وتصميم عبواتها المختلفة.
اقرأن معنا أيضاً عن إطلاق عروض "زرقاء اليمامة" الأوبرا السعودية الأولى والأكبر باللغة العربية