لم تفرح المهندسة إلهام الناعوري ككل الأمهات بختان ولدها أحمد هاشم، البالغ من العمر ثلاث سنوات، حيث تعرض لعملية بتر لجزء مهم من عضوه التناسلي، الأمر الذي دفعها للجوء إلى القضاء؛ لتطالب بحق ابنها الذي أصبح يعاني من مضايقات كثيرة تهدد حياته كلها.
تحكي إلهام معاناتها لـ«سيدتي» وتقول: حملت ابني أحمد هاشم الرمضاني إلى عيادة طبيب عام في الدار البيضاء لأجل الختان، فطلب مني إجراء فحوصات عرضناها عليه، وكان كل شيء على ما يرام، فتحدد الموعد وجئنا بابننا أنا ووالده، ثم أدخلوه، وبعد نصف ساعة سمعت صراخ طفلي، وخرجت الممرضة وقالت لنا: «مبروك»، وسعدنا.. بعدها قال لنا الطبيب: لا تتفاجآ.. ستجدان غرزاً؛ لأنني وجدت تشوهاً خلقياً يسمى hypospadias، ولقد عالجته وكل شيء على ما يرام.
انتابني حينها شك فيما قاله، خاصة أن أحمد هاشم ولد بكندا، ولم يذكر في التقرير الطبي أنه يعاني من أي شيء، لذا أصابني قلق مفاجئ، فنقلته مباشرة إلى مصحة أطفال خاصة، وعندما فحصه الطبيب المختص، لاحظ أن الأمر غير طبيعي، وأخبرنا بأنه لابد من إجراء عملية عاجلة؛ لأن الخياطة أغلقت المسالك البولية، وهذا خطر يؤدي إلى انحسار البول، ومن ثم يشكل الخطر الأكبر على الكليتين، ويجب إزالتها، وأن عملية الختان شابها خطأ طبي، وأنه لم يعان من أي تشوه خلقي.. لكن لم نرغب في ذلك خشية أن نسقط في مشكلة أخرى تهدد صحة الطفل، وأردنا أن نستقي أكثر من رأي، فعرضناه على طبيبين آخرين، فأكدا أن الطفل لا يعاني من أي تشوه خلقي، وأحدهما منح لنا تقريراً بكون جزءاً من حشفة عضوه الذكري مبتورة بنسبة 20 بالمائة، فيما الآخر رفض خشية أن يقحم في مسؤولية ما، لكنهما نصحانا بضرورة إحالة أحمد هاشم على المختص الأول لفتح المسالك البولية، وفعلاً هذا ما قمنا به، لكنه كتب تقريراً يتحدث فيه عن جراحة سطحية، ولم يذكر أي شيء مما سبق أن قاله لنا؛ وذلك حتى يحمي الطبيب الذي قام بعملية الختان، ما اضطرني إلى كتابة شكوى لدى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالدار البيضاء، ضد الدكتور الذي قام بعملية البتر، كما سافرت إلى فرنسا وكندا، وعرضت طفلي على أطباء مختصين، ومدّوني بتقارير طبية تؤكد أن ابني لم يكن به أي عيب خلقي، كما أفادوا بأن الخطأ الطبي الذي كان ضحية له ستكون له نتائج وخيمة على المدى المتوسط والبعيد، وعززت ملفي القضائي بكل هذه الوثائق، وفتح التحقيق فتوالت جلسات التقاضي، إلى أن صدر الحكم الذي يكن منصفاً؛ حيث حكم على الطبيب بثلاثة أشهر حبساً موقوفة التنفيذ، ومن دون تعويض.
حق المريض
لم تستسلم أم أحمد هاشم، رغم النطق بالحكم الذي اعتبرته غير ملائم لطبيعة الجرم، بل ذهبت قدماً في نضالها لأجل إنصاف ابنها، وأيضاً مؤازرة كل الأمهات والآباء الذين اكتووا بنار الأخطاء الطبية، منهم من فارقوا الحياة، ومنهم يعيش بعاهات مستديمة.
وفي إطار التنسيق بينهم وبين المركز المغربي لحقوق الإنسان وجمعية حق المريض أولاً، تم تنظيم وقفات احتجاجية أمام وزارتي الصحة والعدل في الرباط.
ويقول عبد الرحيم الفكاهي، رئيس جمعية حق المريض أولاً: «تضامنا مع ضحايا الأخطاء الطبية، لاسيما الحالات الصادمة منها كحالات الأطفال ضحايا مصحة جمعية الأعمال الخيرية لعلاج أمراض القلب بالدار البيضاء، التي قدمت في شأنها تقارير حقوقية ومراسلات وشكايات أمام النيابة العامة منذ سنة، وحالة الطفل أحمد هاشم الرمضاني وحالات أخرى عديدة. وتأتي هذه الوقفة كذلك احتجاجاً على عدم تحمل المجالس الجهوية التابعة للهيئة الوطنية للأطباء والطبيبات لمسؤولياتها في مباشرة التحقيقات الجدية وتحريك المتابعات التأديبية كما يفرضها القانون رقم 12-08 المتعلق بالهيئة الوطنية للأطباء والطبيبات، وكذا التقصير في ضبط وتنظيم الممارسة المهنية الطبية وفي توفير المعلومة المتعلقة بها، ومن أجل مطالبة وزارة الصحة بمزيد من الإجراءات والتدابير الرقابية والتنظيمية؛ لضمان شرف وإنسانية وقانونية الممارسة الطبية ببلادنا».
دق ناقوس الخطر
يقول إدريس الوالي، الكاتب العام للمركز المغربي لحقوق الإنسان، إن من الضرورة دق ناقوس الخطر، وتتحمل كل الجهات مسؤوليتها تجاه ما يحدث في الشأن الصحي العام.
ورغم مطالبة المركز المغربي لحقوق الإنسان للسلطات والهيئات العمومية المختصة وهي السلطة القضائية ووزارة العدل، باعتبار أن وزير العدل والحريات هو رئيس النيابة العامة، ووزارة الصحة باعتبارها المكلفة بالسهر عل تطبيق قانون مزاولة الطب، وفتح تحقيق عاجل وشامل ودقيق وشفاف في القضايا، يستنكر المركز المماطلة والتسويف الذي قوبلت به شكايات آباء وأولياء أمور الأطفال المتوفين والمتضررين من الأخطاء الطبية.