لا جدال في أن كل كلمة تُقال للطفل لها تأثيرها المباشر في تكوين شخصيته، خصوصاً في الفترات المبكرة من حياته؛ فالكلمة الطيبة بعد موقف وتصرف حسن تسعد الطفل، وحتى الكلمة التي تلومين أو تعاتبين بها طفلك لتصرف غير مقبول لا ضرر منها، ولكنّ كثيراً من الآباء يتسببون -من دون قصد- في حدوث مشاكل نفسية لأطفالهم، حتى مع المعاملة الجيدة؛ وذلك بإطلاق الألقاب عليهم، أو تصنيفهم في صفات محددة، سلبية كانت أو إيجابية.
ومع تقرير اليوم، واللقاء مع الدكتورة آية سيد، اختصاصية الصحة النفسية والإرشاد النفسي، نتعرف إلى مفهوم التصنيف، وتأثير إطلاق الألقاب على الطفل؛ مثل: "كسول" أو "غبي"، "عنيد" أو "عصبي"، وتكرارها بشكل دائم، وكأنهم يلصقون الصفة بالطفل دون رغبة في إزالتها!
مفهوم تصنيف الطفل.. وإلقاء الألقاب عليه
إطلاق وصف معين مبالغ فيه على الطفل، يُعد نوعاً من التصنيف والوصف لسلوك معين قام به الطفل؛ مثل إطلاق لفظ "ذكي" على طفل، فهذا يعني بالضرورة أن مستوى ذكائه أكثر من الشخص العادي، والأمر نفسه ينطبق على الصفات السلبية.
وحينما يقوم الآباء أو المدرسون باستخدام تسميات معينة، يكون ذلك بمثابة رسالة ضمنية للجميع (بمن فيهم الطفل ذاته) لوصف هذا الطفل بمضمون هذه الصفة.
وحينما نقول للطفل جملاً مثل: «أنت بطيء جداً»، أو «أنت تخطئ دائماً»، سيكون من الصعب تغيير هذا التصور في مراحل لاحقة، وتلتصق الصفة بالطفل مع الوقت.
تليها بطبيعة الحال أن يُصنف الطفل ضمن الأغبياء أو العصبيين أو الكسولين، وهكذا، ما يسهم في تدني صورة الذات لديه، ويجعله يتعامل مع الأمر كما لو كان حقيقة مؤكدة.
والمعروف أن إطلاق الألقاب في الطفولة يعد خطراً مضاعفاً؛ نظراً لأنها المرحلة التي يحدث فيها تكوين وتطور لشخصية الطفل.
خطورة الألقاب على الطفل مستقبلاً
وهنا تحذر الدكتورة آية سيد، اختصاصية الصحة النفسية والإرشاد النفسي، من خطورة هذه التسميات مستقبلاً، وحتى الإيجابية منها، خاصة عندما يتم تصنيف الأطفال حسب إنجازاتهم.
مثال: أن نقول للطفل جملة: «لقد قمت بعمل جيد في هذا الاختبار لأنك ذكي» ما يجعله يعتقد أن تدني الأداء يعني بالضرورة انخفاضاً في معدل الذكاء لديه، وبالتالي تدني قيمته الذاتية.
ومن الخطأ الاعتقاد بأن إعطاء الأطفال صفات إيجابية بشكل متكرر يساعد على تعزيز احترامهم لنفسهم، فقد ينتهي بهم الأمر ليكونوا أكثر عرضة للإحباط والخوف المرَضي من الفشل.
للكلمات مفعول السحر
وتضيف: نحن نعلم أن المدح يجعل كفاءة الإنسان تزداد وتعلو ثقته بنفسه، وعلى الأبوين أن يكونا داعميْن لأطفالهما بالتشجيع؛ حتى يشعر الطفل بقيمة ذاته.
بينما كثير من الآباء لا يشعرون بحجم الأثر السلبي لأسلوب "تصنيف الطفل"، فالعند، أو إصرار الطفل على القيام بشيء، يعد إحدى سمات مرحلة الطفولة المبكرة، والكارثة حينما تستمر الأم في تصنيف طفلها، حتى يصدق الطفل أنه حقاً عنيد، فيستمر في العند.
وهناك الطفل الذي كثيراً ما يكذب على والديه، فيصفانه دوماً بـ"أنت كذاب"، ويصنف بالكذاب، وبالتالي لا يندهش أحد عندما يكذب؛ فهو مصنف تحت صفة "كذاب".
وأيضاً الطفل الذي يصفه أحد الوالدين بأنه "غبي"، دون مراعاة مدى توافق قدراته العقلية والجسدية لطلباتهم؛ لأنه يقارنه بأقرانه.
أو لأن الآباء ينتظرون منه الكمال، دون مراعاة أنه طفل، وأن الكمال يعتبر مستحيلاً، وأيضاً الطفل الذي يصنفونه بالعصبي، رغم أن العصبية رد فعل طبيعي لنوبات الغضب التي يمر بها الطفل.
طرق لحل المشكلة
أخبري طفلك بأن الجهد أهم من درجات الامتحان
على كل أم أن تدرك أن إطلاق الألقاب في الطفولة له خطر مضاعف في مرحلة تكوّن الشخصية، لهذا ينصح في الحالات الإيجابية أن يتم الثناء على الجهد المبذول بدلاً من التركيز على الدرجة، خاصة في الأداء المدرسي.
ويقول الباحثون إن الهدف من العملية الدراسية هو التعلم وليس التصنيف، ورغم أن فصل الطلاب، حسب القدرة، يمكن أن يمنحهم تعليماً أكثر تخصصاً وأكثر فعالية.
تجنبي التصورات المسبقة عن طفلك
وهناك ثقافة عامة في مجتمعات معينة؛ حيث ينظر فيها الناس بتقدير عالٍ للطلاب الذين يدرسون موادّ علمية، أكبر من الطلاب الذين يدرسون موادّ أدبية.
ويتم إطلاق صفات مثل «عبقري» على شخص لمجرد أنه يدرس مادة علمية معينة، يعزف معظم الطلاب عن دراستها؛ نتيجة للتصور المسبق عنها بأنها تحتاج إلى ذكاء خارق لا يتوفر في معظمهم.
لهذا ينصح بضرورة مقاومة تصنيف الأطفال بصفات نفسية أو بدنية، والأخذ في الاعتبار التأثير الذي يمكن أن تحدثه كل كلمة.
على الآباء أن يساعدوا أبناءهم من دون توجيه النقد لهم، مثال على ذلك: الطفل الذي يترك غرفته غير مرتّبة، يمكن للأم أن تقول له: «سوف أساعدك في ترتيب الغرفة»، بدلاً من قول «أنت فوضوي».
والطفل الذي يعاني من الإقبال على الطعام، يمكن أن يقول له الآباء: «كلنا سوف نتبع نظاماً غذائياً حتى تكون صحتناً أفضل»، هذا بجانب التأكيد على الدعم النفسي بعيداً عن الإنجاز.
بعبارات مثل: «أنت طفل مميز جداً بالنسبة لي» أو «أنا فخور بك» من دون ذكر أسباب، ودائماً يتم الثناء على أي مجهود مبذول، حتى لو كان بسيطاً؛ حتى يدرك الطفل أنه محبوب لذاته.
الآثار المترتبة على تصنيف الطفل
أولاً: ستجد الطفل دوماً يؤكد ما يصنف به ممن حوله، فيزداد عناداً وكذباً ودلالاً وعصبية، وسيحاول أن ينطوي وينعزل مع ذاته؛ لأنه لا يقبل الصور التي يراه بها من حوله.
ثانياً: يمكن أن يصبح الطفل أكثر خجلاً وتظهر لديه مشاكل نفسية، مثل الرهاب الاجتماعي، وسيفقد الطفل الثقة في الوالدين، وخصوصاً الأم، بعدما كانت مصدر الأمان والثقة.
ثالثاً: والأهم أنه سيفقد الثقة بنفسه، لهذا لابد أن نكفّ عن وصف الطفل بكلمات مثل: فاشل، غبي، عنيد، عصبي، خاصة وسط تجمعات الأسرة أو العائلات أو الأصدقاء.
رابعاً: إذا أرادت الأم التحدث عن مشكله تخص ابنها أو ابنتها بحثاً عن حل، لابد أن يكون مع شخص أمين ذي ثقة ويستطيع أن يعطي نصائح مفيدة حقاً.
خامساً: حينما تتحدثين مع ابنك عن سلوك لا يعجبك، لا تصفي ابنك بهذا السلوك، مع ضرورة التفريق جيداً بين شخصية ابنك وبين السلوك الذي لا يعجبك.
مثال: حينما يكذب ابنك، لا تقولي له "أنت كاذب"، بل وضّحي له أن عدم قول الحقيقة يسمى بالكذب، وأننا علينا التحلي بالشجاعة، ونقول الصدق حتى يثق بنا من حولنا.
سادساً: ولتقويم سلوك الطفل -ابنك أو ابنتك- عليكِ أن تمدحي سلوكياته الإيجابية أولاً، فهي مدخل لتقويم أي سلوك سلبي.
بذلك سيثق بنفسه، وسيتقبل منك كل ما تحاولين فعله أو قوله له.
* ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.