لم يتمكَّن الفنَّانُ التشكيلي إبراهيم الألمعي من مقاومةِ جمالِ الطبيعة، والمباني القديمةِ في منطقةِ عسير، التي نشأ وترعرعَ بين تضاريسها وعماراتها الأثريَّة الجميلة، فاندفعَ منذ الصغرِ للتعبيرِ بأدواتٍ بسيطةٍ عن عشقه للصورِ الجماليَّة المحيطةِ التي يراها يومياً في كلِّ جوانبها وجهاتها. واستمرَّ معه هذا الشغفُ في شبابه، إذ يرسمُ، ويوثِّقُ الطبيعةَ الخلَّابةَ، والتراثَ العسيري الفريدَ بطريقته الإبداعيَّة الخاصَّة.
«سيدتي» التقت الألمعي، فحدَّثنا بحبٍّ عن تعلُّقه بالوطن، ونقله جمالَ منطقةِ عسير وتراثها عبر عدسته ولوحاته التشكيليَّة.
الفنَّانُ التشكيلي إبراهيم الألمعي
كيف تُعرِّف قرَّاء مجلةِ «سيدتي» على الفنَّانِ التشكيلي إبراهيم الألمعي؟
إبراهيم الألمعي من سكانِ مدينةِ أبها، فنَّانٌ تشكيلي منذ الطفولة، وعاشقٌ للتراثِ، والتصويرِ، وتوثيقِ المواقعِ والبيوتِ القديمة، والجمالِ، والفنِّ الذي تحمله تلك البيوتُ بشكلٍ خاصٍّ.
حدِّثنا عن بداياتك مع الفنِّ التشكيلي، كيف جاءت؟
بداياتي مع الفنِّ التشكيلي، جاءت، مثل غيري من الفنَّانين، بالهوايةِ، والشغفِ منذ الطفولة، كما تأثَّرتُ بوالدي، حفظه الله، إذ يعشقُ الفنَّ والعملَ اليدوي. عندما كنا أطفالاً، كان والدي، يساعدنا في تقديمِ اللوحاتِ، والأعمالِ المدرسيَّة الفنيَّة، ما انعكس عليَّ شخصياً بالتعلُّق بالفنِّ التشكيلي. يمكنني التأكيدُ، أن بداياتي، كانت في عمر 11 عاماً حيث اشتغلتُ على نفسي بأقلامِ الرصاصِ، والألوانِ الخشبيَّة دون أي معلوماتٍ عن الفنونِ التشكيليَّة، أو أي درايةٍ بها. ببساطةٍ، كنت أجسِّدُ الأشياءَ الموجودةَ أمامي بتلك الأدواتِ البسيطة.
ما أوَّلُ لوحةٍ رسمتها؟
أوَّلُ لوحةٍ قدَّمتها، كانت وقتَ أزمةِ الخليج. يومها شاركتُ مع المدرسةِ في عملٍ خاصٍّ عن الكويت والعراق، إذ كان مطلوباً من كلِّ شخصٍ موهوبٍ، أو فنَّانٍ أن يشارك بلوحةٍ، أو عملٍ. كتبتُ على لوحتي «الكويت»، ووضعتُ العلمَ على الكتابةِ نفسها بطريقةٍ مختلفةٍ، وأخرجتها بفطرتي بصورةٍ عفويَّةٍ بسيطةٍ.
يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط
تجسيد الإرث
يقالُ الفنُّ رسالةٌ، ما رسالتك من خلال الفنِّ التشكيلي؟
أحاول تجسيدَ إرثنا، وتاريخنا في المملكة العربيَّة السعوديَّة، خاصَّةً أنني أحدُ أبناءِ منطقةِ عسير التي تضمُّ إرثاً كبيراً، وتراثاً أصيلاً. الفنُّ الذي تركه أهالي منطقتنا، رحمهم الله، أحاولُ تقديمه بطريقةٍ فنيَّةٍ جميلةٍ، وبأسلوبي الفنِّي، وبإخراجي وألواني حتى يرى الجميع مدى غنى منطقةِ عسير تراثياً وطبيعياً. أجتهدُ في تقديمِ ما بقي من هذا التراثِ، ونقله للناس، خاصَّةً زوَّارَ المنطقة.
كيف وثَّق الفنَّانُ إبراهيم الألمعي التراثَ، والثقافةَ السعوديَّة؟
منذ الطفولةِ، كانت تُثيرني البيوتُ القديمة، والطبيعةُ الخلَّابة، والنقوشُ والحفرُ على الأبواب، إلى جانبِ القطِّ العسيري، والمرو الذي يُوضع خارجَ بيوتِ الحجر بلونه الأبيض. ولأن عيني، تحبُّ كلَّ جميلٍ فقد حاولت تجسيد ما أراه في لوحاتٍ، وصورٍ بكاميرتي. قدَّمتُ خلال مسيرتي كثيراً من اللوحاتِ، والصورِ الفوتوجرافيَّة حيث كنت أتنقَّل من مكانٍ إلى آخر في منطقتنا، وأوثِّقُ جمالها، وتنوُّعها الذي لا يخطرُ على بالِ أحدٍ. من هنا بدأتُ أصيغُ أسلوبي الفنِّي عبر صنعِ لوحاتي، وأعمالي الفنيَّة، ونشرها داخل المنطقةِ وخارجها، وحتى خارج بلادي. ولله الحمد، الكثيرون انبهروا، وتساءلوا عن اللوحاتِ التي رسمتها، والصورِ التي التقطتها، وعن طبيعةِ الأرض، وألوانها، ومدرَّجاتها الزراعيَّة، والطرازِ المعماري في منطقةِ عسير.
ماذا عن الألوانِ في لوحاتك، وأي لونٍ يطغى عليها؟
مثلي غيري من الفنَّانين، ليس هناك لونٌ معيَّنٌ، أعتمده دائماً. في كلِّ لوحةٍ من لوحاتي، تجدون لوناً، يطغى على الآخر. هناك ألوانٌ كثيرةٌ، سيطرت على أعمالي، والسببُ أن منطقةَ عسير ذات تنوُّعٍ خاصٍّ في الطبيعةِ، وانعكاسِ الألوان، فتارةً تُشاهد المنظرَ مع شروقِ الشمس، وفي أخرى مع الضباب، ومرَّةً ثالثةً مع هطولِ المطر. هكذا تُشاهد ذات اللوحةِ الطبيعيَّة بألوانٍ مختلفةٍ على مدارِ اليوم، فالطبيعةُ لدينا، حباها الله بالجمالِ، والإبداعِ، والفنِّ ما أثَّر فينا، وأصبحنا ننوِّع في ألواننا ودرجاتها.
كم الوقتُ الذي تحتاج إليه لرسمِ لوحةٍ، وما اللوحةُ التي استغرقت منك وقتاً طويلاً؟
ليس هناك وقتٌ معيَّنٌ لإنهاءِ لوحةٍ ما. يمكن أن يعمل الفنَّانُ ساعةً واحدةً، ويُنجِزَ خلالها ما قد يستغرقُ منه ساعتَين، أو ثلاث ساعاتٍ، أو أكثر في حالِ ركَّز، وفرَّغ نفسه لهذا العمل، والعكسُ صحيحٌ في بعض الأحيان، فهناك لوحاتٌ، تستغرقُ خمسةَ أيامٍ، ولا أقصدُ هنا خمسةَ أيامٍ عاديَّةً، بل مملوءةً بالجهدِ، والتركيزِ، والانتباه، بما يوازي أسابيعَ عدة، حتى إن لدي أعمالاً، استغرقت مني شهراً ونصف والشهر.
ومن عالم الفن التشكيلي أيضأً اخترنا لك اللقاء مع التشكيليّة والكاتبة هناء حجازي
"أجتهد في تقديم التراث، في طريقة فنية جميلة، وبإخراجي وألواني حتى يرى الجميع مدى غنى منطقة عسير"
مدارس الفن
ما المدرسةُ التي تنتمي إليها، وهل يمكن للفنَّانِ التشكيلي أن يتأثَّر بأكثر من مدرسةٍ فنيَّةٍ؟
أنتمي إلى المدرسةِ الانطباعيَّة والتأثيريَّة، وكذلك التنقيطيَّة. بالفعل، هناك فنَّانون، يتأثَّرون بأكثر من مدرسةٍ، مثلاً «تجريدي رمزي»، أو «تجريدي لوني»، ويمكن أن ينتقلَ إلى التأثيريَّة، أو الانطباعيَّة، أو يرجع إلى الواقعيَّة. أغلب الفنَّانين، تدرَّجوا على تلك المدارس، وهناك مَن ثبت على مدرسةٍ واحدةٍ، فيما جرَّب آخرون أكثر من مدرسةٍ، وهذا يرتبطُ بالميولِ والتفكير.
حب الوطن
كيف تصفُ تجربتك مع التصويرِ الضوئي، وأين تجدُ نفسك أكثر في الرسمِ، أم التصوير؟
الرسمُ، والتصويرُ بالنسبةِ لي، كما يقالُ، «عينان في رأسٍ». أهوى الرسمَ، والتصويرَ بشكلٍ كبيرٍ، فالفنُّ التشكيلي، يسيطرُ علي، وله طريقته، وخطُّه في صراعٍ جميلٍ بين دمجِ الألوان، وخلطها. كذلك أمارسُ التصويرَ الفوتوغرافي بوصفه توثيقاً لتراثِ المنطقة، واللحظةِ التي أعيشها. أوثِّقُ أشياءَ جميلةً في منطقةِ عسير منذ 31 عاماً، ولدي مجموعتي الخاصَّة من القطِّ العسيري، والنحتِ على الأبواب، وفنِّ تزيين المرو خارجَ بيوتِ الحجر من زاويتي ورؤيتي.
كيف يُعبِّر الفنَّانُ عن حبِّه للوطنِ من خلال لوحاته؟
الوطنُ في وجداننا جميعاً نحن الفنَّانين وغيرنا. بوصفي فنَّاناً، أعبِّر عن حبِّي للوطن بطرقٍ كثيرةٍ، من بينها تجسيدُ اليوم الوطني، ويوم التأسيس، ويوم العلم بأعمالٍ فنيَّةً، إذ لا يمرُّ حدثٌ إلا وتكون لي مشاركةٌ في حبِّ الوطن بإنجازِ عملٍ فنِّي خاصٍّ به. هذا واجبٌ علينا نحن الفنَّانين بأن نجسِّد حبَّنا للوطن، وأن نفتخر بتاريخه وإنجازاته، وأن نُوثِّق ذلك في لوحاتٍ بأسلوبنا وألواننا.
للتعرف أكثر على تراث السعودية يمكنك الاطلاع على الأبواب القديمة الحارسة للتقاليد والفن
"أوثق أشياء جميلة في منطقة عسير منذ 31 عاماً، ولدي مجموعتي الخاصة من القط العسيري"
منطقة عسير
بإيجازٍ، ما أهمُّ ما ترسمه عن كلِّ منطقةٍ من مناطق البلاد؟
بحكم ارتباطي، وسكني، وحياتي في منطقةِ عسير، جسدَّت أنواعاً كثيرةً من فنونها، من ذلك الرقصاتُ الشعبيَّة، والقطُّ العسيري، والبيوتُ القديمة، والطبيعةُ الخلَّابة، فالفنَّانُ ابن بيئته، لكنْ هذا لا يمنعه من توثيقِ مناطقَ أخرى، وهو ما فعلته، إذ وثَّقت بأعمالٍ مميِّزات المنطقةِ الوسطى بطلبٍ من أشخاصٍ، وكأنَّني في منطقتي. كما ذكرت، لا يوجد أي مانعٍ ليجسِّد الفنَّانُ مَعْلَماً، يشدُّ انتباهه في أي منطقةٍ من وطنه، ومن جهتي، لو عملتُ طوال عمري، لن أنتهي من توثيقِ الفنِّ في عسير ففي المنطقةِ زوايا كثيرةٌ، وعناصرُ أكثر لا تنتهي.
كيف تصفُ الفنَّ التشكيلي اليوم، لا سيما مع دخولِ التكنولوجيا والبرامجِ المتخصِّصة في الرسم؟
لا أعتقدُ أن التكنولوجيا، أثَّرت بشكلٍ قوي في ممارسةِ الفنِّ التشكيلي، والرسمِ باليد، بل على العكسِ تماماً، هناك كثيرٌ من الفنَّانين والفنَّانات الذين يرسمون بطرقٍ تقليديَّةٍ.لكلتا الطريقتَين، نجدُ ممارسين ومحبِّين، وبالتأكيدِ لهما قيمتهما. بالنسبةِ لي، أجدُ متعتي في دمجِ الألوان، وخلطها، وتركيبها مع بعضها فهذه المرحلةُ، وهي الأولى، تمنحني متعةً لا توصف، ثم أدخلُ مرحلةَ البدءِ بوضعِ اللونِ على اللوحة، وحركةِ الفرشاةِ والأدوات. كلُّ خطوةٍ، تُشكِّل لي نغمةً ذات لحنٍ خاصٍّ، لا يشعر به إلا الفنَّان. مع ذلك، لا يمكن أن ننكر فائدةَ التكنولوجيا حيث تختصرُ علينا أموراً كثيرةً، لكنَّها لا تعطينا الإحساسَ نفسه، والقيمة ذاتها عندما نمارسُ الرسمَ بكل أحاسيسنا وأدواتنا.
يمكنك أيضًا الاطلاع على هذا اللقاء مع المصممة والفنانة السعودية ملك مسلاتي