يعدُّ الفن بالنسبة إلى الفنانة التشكيلية السعودية صالحة تاج، المعروفة بـ "مس تاج"، "عبارة عن قيثارةٍ، نعزف بها أجمل المشاعر، ونقدِّم أروع الأفكار، ونحوِّل الخيال بحبٍّ وشغفٍ إلى أعمالٍ واقعيةٍ، تُطرب النفوس، وترتقي بالأحاسيس، فتُسعدها بلمساتٍ، تلامس الروح، مع اتخاذ منحنى فني فريدٍ، يمزج بين فن الديكوباج والتراث السعودي من أجل الخروج بقطعٍ فنيةٍ إبداعيةٍ، تعكس التراث والعادات في مناطق البلاد المختلفة".
"سيدتي" التقت الفنانة صالحة تاج، فتنقَّلنا معها عبر أبرز محطاتها الفنية، بدءاً من تشكُّل ملامحها الفنية وحتى تمثيل السعودية في أهم المعارض العالمية.
بداية الشغف الفني
المحطة الأولى للفنانة "مس تاج"، كانت في طفولتها المبكرة، فبغض النظر عن تأثير الوراثة في اتجاهها للفن، ودعم الأهل، كانت "مس تاج" دائماً ما تشعر بانجذابٍ قوي للفن، وعن ذلك قالت: "كنت أشعر بأن هناك قوى خفيةً تشدُّني للفن للتنعُّم بتأثيره الإيجابي في النفسية والحياة. بذرة الفن الإبداعي موجودةٌ في عائلتي، إذ إن اثنين من إخوتي يعملان في المجال، ولا شكَّ أن دعم الأسرة مهمٌّ للارتقاء فنياً، وتكوين شخصية الفنان".
ولم تكتفِ "مس تاج" بموهبتها، ودعم أسرتها لها، إذ تسلَّحت أيضاً بدراسة المجال والتخصُّص فيه، فحصلت على البكالوريوس من جامعة الملك عبدالعزيز في جدة، ثم الماجستير في الفنون التشكيلية من جامعة دوفر الأمريكية.
ولتميُّزها ومهارتها الفنية، حصدت كذلك شهادات دكتوراه فخرية في الفن التشكيلي على فتراتٍ متتاليةٍ، هي الدكتوراه الفخرية في الفنون التشكيلية من أكاديمية مصر للتدريب والتنمية، وجامعة دوفر الأمريكية، والاتحاد الدولي للمثقفين العرب، والأكاديمية السويسرية والرابطة المغربية المصرية.
التوجُّه للتراث
من اللافت للنظر في أعمال "مس تاج" اتجاهها للتراث، ليصبح مصدر إلهامٍ لها، تأخذ منه أفكارها، وتعكس من خلاله عادات وتقاليد المناطق السعودية المختلفة. حول ذلك أشارت إلى أن "الفنان ابن بيئته، ولطالما جذبتني الأعمال الحرفية اليدوية، مثل الخزفيات والخوص، مع الاطلاع في الوقت ذاته على مستجدات الأعمال الحرفية الفنية، المحلية والعالمية، عبر قنوات التواصل، ومن هنا جاءت فكرة إنتاج قطعٍ فنيةٍ، تعكس ثقافة وحضارة وتراث المجتمع السعودي بدمج عددٍ من الفنون البصرية مع بعضها، مثل الرسم، والنحت، والديكوباج، والريزن، وتشكيل العجين، والفخار بصورةٍ مبتكرةٍ"، وقالت: "يتمُّ تنفيذ العمل غالباً على الفخار برسم ودكبجة القطع بمناظر من مختلف مناطق مملكتنا الحبيبة، من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، علما بأن التطبيق الفني على خامة الخوص. والحق أنها تجربةٌ فنيةٌ ممتعةٌ على الرغم من صعوبة الرسم والتلوين على سطحٍ متعرجٍ"، وبعد الانتهاء من الرسم يتم وضع طبقة حماية للألوان، ثم تأتي مرحلة تصميم الإكسسوارات يدويا وهي مستوحاة من البيئة حتى تضيف لمسة جمال للقطع.
وبسؤالها عن فكرة الدمج بين التراث وفن الديكوباج بشكلٍ خاصٍّ، أجابت "مس تاج": "لفت نظري فن Sospeso art الإيطالي لجماله، ولم أكن قد تعاملت معه من قبل، لذا، ومن أجل تعلُّمه، كان من الواجب علي تعلُّم فن الديكوباج، وهذا ما حدث عام 2017، حيث بدأت الانطلاقة بدمج الديكوباج بالتراث".
الروشان والدمى التراثية
وكشفت لنا "مس تاج" عن سرِّ تميُّزها في صناعة الدمى التراثية والروشان، ومراحل تنفيذ هذه القطع بالقول: "روشان الضيافة، تأتي ضمن القطع الفنية التي تحمل الطابع الحجازي، وتصمَّم بوصفها محتوى لتقديم الضيافة العربية، ويتمُّ تنفيذها على مراحلَ معينةٍ، تستغرق ثلاثة أيام كحدٍّ أقصى، أما الدمى التراثية، فتصمَّم بزي مناسبٍ للمنطقة المنشودة، فتارةً تكون حجازيةً، وأخرى جنوبيةً، أو نجديةً"، هذا مع الرسم على الوجه لإضافة اللمسات اللازمة و كذلك الإكسسوارات المناسبة للزي و الرأس .
الفنون والفنانون و"رؤية 2030"
وأثنت الفنانة التشكيلية على الدعم الذي تحظى به الثقافة والفنون بأنواعها في السعودية، خاصةً بعد إطلاق "رؤية 2030"، مؤكدةً في هذا الجانب أن "الفن التشكيلي يحظى حالياً باهتمام وزارة الثقافة ، وبدعمٍ متجددٍ من مؤسسة الأمير محمد بن سلمان، مسك الخيرية، كما يسعى معهد مسك للفنون إلى إثراء روح الفنان"، وقالت: "في يومنا الحاضر، نحمل في داخلنا شعوراً عارماً بالاعتزاز والفخر بهذا الوطن الطموح الذي منح المبدعين والمحبين للفن التشكيلي دعماً لا محدوداً للانطلاق محلياً ودولياً في معارضَ ومسابقاتٍ ومهرجاناتٍ، تساعد الفنان التشكيلي في الوصول للعالمية، فأعمالنا سفيرةٌ للوطن، تُعرِّف بطبيعته الجميلة من صحراءَ وخيلٍ وإبلٍ عربي، وعاداتٍ وتقاليدَ عريقةٍ لكافة المناطق السعودية ماضياً وحاضراً".
المشاركة في المعارض الفنية
وأكد "مس تاج"، أن "محطات المشوار الفني لدينا مستمرةٌ بسبب علاقة التوأمة بين الفن والحرفة الفنية الممارسة، فكل عملٍ تشكيلي أقدِّمه، يضيف لرصيدي الكثير من الخبرة والتجربة الفنية، وربما أهم محطةٍ في مشواري المهني المشاركةُ في المعارض الفنية، بدءاً بالظهور الدولي الأول عام 2019 في مصر، لتتالى بعد ذلك مشاركاتي المحلية والعالمية، وتتجاوز 40 معرضاً فنياً في دولٍ عدةٍ، عربية وأجنبية، منها السعودية، مصر، العراق، وسويسرا، وحقاً أفتخر بالمشاركة في معرض be part بروما، العاصمة الإيطالية، الذي أطلقه الفنان جيو موتير مسجلاً رقماً قياسياً عالمياً في موسوعة جنيس عام 2020. كذلك أفتخر باقتناء لوحة الطائف في متحف قرية الورد بالطائف عام 2019".
للمزيد من القصص الملهمة للمرأة السعودية : قصة أسرار الشهري أول حكمة سعودية في الملاكمة التايلندية
روشتة نجاح
واستناداً إلى خبرتها في المجال وما حققته من نجاحاتٍ فنيةٍ، وجَّهت الفنانة التشكيلية نصيحةً للمواهب الشابة في المجال بالقول: "لا مستحيل مع الإصرار والعمل على الوصول إلى النجاح، وأقول لكل موهوبٍ ناشئ: اطَّلع على كل جديدٍ في الساحة الفنية، وتعرَّف على بدايات الفن، واعمل بجدٍّ على تحسين أدواتك، وابتكر أفكاراً جديدةً قبل الظهور في ميادين الفن والمعارض". مضيفةً: "حدِّد أهدافك بوضوحٍ لتحقق النجاح على أسسٍ راسخةٍ، وارتقِ بمستواك الفني الشخصي لتصل إلى الرقي المجتمعي المنشود عبر أعمالٍ تلامس الروح، وهو ما يرمز له شعارنا الفني "it touches your soul".