mena-gmtdmp

بين ساجر والرياض وعمّان.. قصة انتصار أسرة سعودية على التوحد

في مجال التوحد تبرز الكثير من القصص الملهمة التي تستحق أن يسلط عليها الضوء، ومنها قصة الزوجين سهل العتيبي ومزنة الحضيني التي احتضنت بدايتها، قرية ساجر الواقعة جنوب الرياض، حيث رزق الزوجان بطفلهما الخامس "بدر"، ومع الشهر الثامن بدآ في البحث عن تفسير لحالة طفلهما مع فقدان المهارات وليحصلا على الإجابة الصادمة بعد أن بلغ طفلهما الثالثة من عمره، حيث تم الجزم بإصابته بالتوحد، حينها وبدون تردد غادر الزوجان قريتهما الصغيرة للاستقرار في العاصمة الرياض ومن ثمّ للعاصمة الأردنية في رحلة للتأهيل والتدريب استمرت لعامين، بدأت معها مواهب بدر في القراءة وحفظ 18 جزءاً من القرآن، وفي الحصول على فرصة للانخراط في سوق العمل، ليقف الزوجان اليوم وبكل فخر في محطة انتصار مهمة من رحلتهما التي امتدت لأكثر من عشرين عاماً، تجاوزا خلالها الكثير من العقبات والنظرات السلبية.

بمناسبة اليوم العالمي للتوحد التقت سيدتي بالزوجين سهل العتيبي ومزنة الحضيني  لتنقل لكم تفاصيل كسبهما الرهان والانتصار على التوحد.

تفاصيل القصة

بدر العتيبي ووالدته مزنة الحضيني


بدأت معاناة الزوجين مع طفلهما الخامس "بدر" عندما بلغ شهره الثامن حين لاحظت والدته اختلافاً عن إخوته في الإدراك والمهارات، فكان سرعان ما يفقد أية مهارة يكتسبها، حتى بات غير قادر على القيام بالمناغاة وإصدار الأصوات التي بدأها منذ الشهر الرابع، وبمجرد وصوله للشهر السادس فقد تلك المهارات، وهنا قرر الوالدان مراجعة المستشفيات في مدينة الرياض في ظل عدم وجود مراكز مؤهلة ومستشفيات متخصصة، ومنها مستشفى الملك فيصل التخصصي ومدينة الأمير سلطان للخدمات الإنسانية لمعرفة الأسباب في هذا التراجع في مهارات بدر.
واستمرت رحلة التشخيص والجلسات لفترة طويلة، وصلت لحوالي 4 سنوت، عانت خلالها الأسرة من كثرة السفر والتنقل بين ساجر والرياض حتى تم تشخيص حالة بدر بالتوحد.

السفر للأردن

وتكمل أم بدر: عندما بلغ بدر من العمر 6 سنوات، كانت بداية مرحلة التأهيل والعلاج، في مركز تنمية الطفل لتعلم المهارات حيث كان يعاني بدر من ضعف التواصل، ومن هنا كان قرار انتقال الأسرة للاستقرار في الرياض، وهو ما اعتبره البعض مجازفة في ترك مسقط رأسنا والأهل ولكن لم تثن تلك الكلمات ونظرة المجتمع الأسرة عن الرجوع بقرارها والتضحية بكل شيء مقابل حصول ابنهم بدر على التدريب والتأهيل.
وجاء قرار السفر للأردن تحديداً نظراً لاحتضانها عدداً من المراكز المتخصصة والمتطورة في مجال التوحد.
بالنسبة للوضع في السعودية في تلك الفنرة كان هناك فرق شاسع في الخدمات الطبية الخاصة بالتوحد قبل 20 سنة بالمقارنة مع الوضع الحالي أو قبل 4 سنوات سواء في القرى أو المدن، وكذلك في نظرة المجتمع للتوحد.
في الأردن التحق بدر بأحد المراكز وبدأ في تعلم الكثير من المهارات، منها مهارة الاعتماد على النفس في تناول الطعام ومهارة الجلوس، وكذلك تنفيذ الأوامر واستخدام دورة المياه والقدرة على مسك القلم، وبعد عامين قضيناها بين الأردن والسعودية كانت العودة للسعودية للاستقرار.

التعليم والتدريب

بدر ووالده سهل العتيبي


يضيف والد بدر : وبعد أن حصل بدر على قدر لا بأس به من المهارات، كان بحاجة للبدء في مرحلة التعلم، حيث كان اهتمامنا بتعليم بدر بعد أن بلغ سبع سنوات وكان هذا سبب انتقالنا للعيش في مدينة الرياض، وإلحاقة في مركز عزام للتوحد، ثم انتقل لمركز الأمير ناصر للتوحد، وبدأ فيه مرحلة جديدة من التعليم والتدريب، وبقي في المركز إلى سن 15 سنة، وبعدها استمر ولمدة 3 سنوات في التعليم المهني، بعدها انتقل لمؤسسة سعد لتأهيل وتوظيف الأشخاص ذوي الإعاقة، للالتحاق ببرنامج لمدة 3 أشهر للتعليم والتدريب لسوق العمل.

مواهب بدر

وتتشير والدة بدر إلى أنها وصلت في البداية لمرحة اليأس من قدرة بدر على النطق بشكل طبيعي بعد أن وصل لسن السابعة من دون أن يتمكن من نطق كلمة واحدة، فكل ما كان يقوم به هو أن يصدر بعض الأصوات فقط، ونتيجة لميله للعزلة والبقاء بمفرده في غرفته حرص والده على توفير شاشة تلفاز، والتركيز على القنوات التعليمية، وفي إحدى الليالي التي كنت أجلس فيها معه لمشاهدة التلفاز ظهرت كلمة "النهاية" على الشاشة، وبدون أي مقدمات سمعت بدر وهو يقرأها بصوت واضح وصحيح، وعلى الفور أسرعت لإخبار والده، ومن هنا كانت كلمة النهاية هي بداية بدر، وبداية لنا جميعاً.
وتكمل والدة بدر: من أولى الملاحظات التي لفتت نظرنا في بدر هي قدرته على الحفظ وتخزين المعلومات، وبسبب رغبته للعزلة أحضر له والده التلفاز، وكان التركيز على القنوات التعليمية الهادفة.
وأشار والد بدر إلى أنه من المدهش ما يتمتع به بدر من موهبة الحفظ والقراءة، التي امتلكها بدون أي تدخل من أي شخص أو جهة، مضيفا : "حالياً يحفظ أكثر من 18 جزءاً من القرآن وسبق له المشاركة في مسابقة للقرآن منها للأطفال ذوي الإعاقة في حفظ جزء عم، وحصل على المركز الثاني، كما شارك في مسابقة أخرى لـ 16 جزءاً وحصل على المركز الثاني أيضاً، كما أظهر بدر القدرة على حفظ الخطب والشعر".
ومن خلال ملاحظة والد بدر لمواهبه وقدراته الفذة على الحفظ، تولدت لديه الرغبة في احتواء تلك المواهب وتنميتها، وكان ذلك سبباً في حصوله على الماجستير والدكتوراه في الموهبة والإبداع.
ويؤكد والد بدر أن من رزقه الله بطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة فليكن على يقين أن ذلك نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى.

الصبر وعدم اليأس

بدر ووالدته مزنة الحضيني


رسالة أم بدر لأمهات الأطفال من ذوي التوحد هو عدم اليأس، والصبر، وتضيف : "انتظرت ابني بدر لمدة 7 سنوات حتى نطق أول كلمة وهي كلمة "النهاية" وبعد 14 عاماً تمكن بدر من تقبل الأوامر، وبعد 18 تمكن من التأهيل والاندماج في المجتمع، والحمد لله بدر الآن جزء لا يتجزأ من الأسرة، و له دوره في اتخاذ القرار وفي الإنفاق.
وتضيف : "بدر الآن موظف ، يعمل كمراسل في مؤسسة سعي لتأهيل وتوظيف الأشخاص ذوي الإعاقة، الذين أوجه لهم الشكر على دورهم الفاعل في تشجيع القطاع الخاص على تقبل ذوي التوحد.
كما لايفوتني أن أشكر جميع المؤسسات التي ساندت بدر.

اقرأ المزيد من القصص في مجال التوحد : الصبر والإصرار في قصة أم لطفلين من ذوي التوحد