لطالما كانت الموسيقى جزءاً لا يتجزأ من البشرية منذ العصور القديمة، وذلك لربطها بين الناس في جميع أنحاء العالم عبر تاريخها الواسع، فكانت اللغة المعبرة عن مختلف المشاعر البشرية، وقد ابتكر الإنسان الأول العديد من الآلات البدائية التي استخدمها ليطرب بها، والتي تطورت بتطور الزمن وتعاقب الحضارات. والموسيقى العربية نشأت في عصر ما قبل الإسلام، حيث تأثرت بالحياة الصحراوية وأسلوب حياة البدو العرب، وكان العرب يمارسون الغناء والرقص ويستخدمون العديد من الآلات الموسيقية التي توافقت مع ذائقتهم وتماهت مع بيئتهم بخصوصيتها، مثل الدف والناي، كما لعب الشعر دوراً مهماً في تطور الموسيقى، فكان الشعراء أغلبهم من الموسيقيين البارعين. بالسياق التالي تعرفي إلى تاريخ الموسيقى العربية، وكيف بدأت؟
الموسيقى العربية تاريخ عريق من التطور والتفاعل مع الحضارات المختلفة
يقول الباحث في التراث الموسيقي عماد الطنيخي لـ"سيدتي": يمتلك العرب تاريخاً موسيقياً قديماً راسخاً ممتد الجذور، حافلاً بالألحان والنغمات والإيقاعات، زاخراً بالمقامات الموسيقية الفريدة المتفردة ذات الطابع المونوفوني الذي بنيت عليه الألحان الميلودية التي اعتمدت فکرة التلوين النغمي، وقد استطاع العرب أن يحفظوا تاريخ موسيقاهم والذي أظهر إبداع الموسيقيين وموهبتهم المتفردة، والتي كانت بأوجها في بلاط الخلفاء وقصور الولاة، وقد تفاعلت الموسيقى العربية مع الحضارات المختلفة، فقد بدا جليّاً تأثرها بالحضارات المصرية القديمة واليونانية والفارسية والكردية وغيرها.
تاريخ ظهور الموسيقى العربيّة وبداياتها
تطوّرت الموسيقى العربية على مرّ العصور كما في التسلسل التالي:
فترة ما قبل الإسلام
ظهرت الموسيقى العربية في عصر الجاهليّة بين القرنين الخامس والسابع الميلادي، ولها جذورٌ عميقةٌ في الشعر العربي، حيث اعتاد الشعراء العرب إلقاء قصائدهم على إيقاعات ونغمات موسيقية عالية، كما لعبت الموسيقى دوراً كبيراً وفق معتقدهم في تنمية غموض طرد الأرواح الشريرة والسحرة، فقد كانوا يعتقدون أن الجن ينزل القصائد للشعراء ويُنزل الألحان الموسيقيّة للموسيقيّين، وكان الشعراء يُلقون قصائدهم في الجوقة التي تُعتبر بمثابة منشأة تعليمية تربويّة، حيث كان الشعراء المتعلمون يتلون قصائدهم، وقد عهد الغناء إلى نساء بأصوات جميلة يُكلّفن بهذه المُهمّة، ويتعلمن طريقة العزف على الآلات الموسيقية المتنوعة، مثل العود والطبل والربابة، لكن الألحان في ذلك الوقت كانت بسيطة للغاية، وكان الغناء يتم في مقام واحد، فقد كانوا يؤدون الأغاني مع احترام الوزن الشعري.
الفترة الإسلامية المبكرة
ظهر المقام العربي، وهو عبارة عن نظام الأنماط اللحنيّة المُستخدم في الموسيقى العربية الكلاسيكية، وكلمة مقام تعني "محطّة" وهي تُشير إلى نوع لحن مبنيّ على مقياس، وتستند جميع المؤلّفات في الموسيقى التقليدية والارتجالات على نظام المقام، ويتم تحقيق المقامات بالآلات الموسيقية أو بالموسيقى الصوتيّة، إذ تمّ تأليف مجموعة من المؤلفات والكُتب الموسيقيّة، ومنها:
مؤلفات الكندي: (801-873 م) وقد كان أوّل مُنظّر للموسيقى العربية، حيث نشر 15 رسالةً في نظريّة الموسيقى، وهو أوّل من استخدم كلمة موسيقى التي أصبحت تدلّ لاحقاً على الموسيقى باللغات العربيّة والفارسيّة والإنجليزيّة والتركية، وعدة لغات أخرى، ولقد اقترح إضافة وتر خامس إلى العود وناقش الدلالات الكونية للموسيقى، وقام بنشر خمس عشرة أطروحة حول نظرية الموسيقى، لكنّ خمساً منها فقط نجت.
- مؤلفات أبي الفرج الأصفهاني: (897-967م) كتب أبو الفرج الأصفهاني كتاب الأغاني الذي يُعتبر موسوعةً من القصائد والأغاني تصل إلى 20 مجلداً في القرنين الثامن والتاسع.
- الفارابي: (872-950) ألّف كتاباً بارزاً عن الموسيقى باسم كتاب "الموسيقى الكبير" في القرن الثامن، ولا يزال نظامه النغمي العربي الأصيل مستخدماً في الموسيقى العربية.
- كتب الغزالي (1059-1111م) أطروحة عن الموسيقى في بلاد فارس والتي أعلن فيها أن "النشوة تعني الحالة التي تأتي من الاستماع إلى الموسيقى".
- صفي الدين طور في عام 1252، كتب شكلاً فريداً من أشكال التدوين الموسيقي، حيث تم تمثيل الإيقاعات من خلال التمثيل الهندسي. لم يظهر تمثيل هندسي مماثل في العالم الغربي حتى عام 1987، عندما نشر كجيل جوستافسون طريقة لتمثيل الإيقاع على شكل رسم بياني ثنائي الأبعاد.
قد ترغبين في التعرف إلى هذا العازف الصيني يعزف موسيقى بأوراق الشجر
الموسيقى الكلاسيكية الأندلسية
ظهرت في القرن الحادي عشر، حين أصبحت إسبانيا مركزاً
لتصنيع الأدوات الموسيقية، التي انتشرت تدريجياً في أنحاء فرنسا، مما أثر على الشعراء الموسيقيين الفرنسيين، ووصل في النهاية إلى بقية أوروبا.
الموسيقى العربية في القرن السادس عشر:
نشر بارتول جيورجيو فيتس، في الفترة بين عام (1506-1566م) كتاباً، وهو أحد أوائل الكتب الأوروبية التي تصف الموسيقى في المجتمع الإسلامي. بعد أن أمضى ثلاثة عشر عاماً في الإمبراطورية العثمانيّة.
الموسيقى العربية في الهند:
ظهرت الفرق الموسيقية التي تضمّ مجموعةً من الموسيقيين العرب، كما ظهرت رسوم ودلالات تشير إلى وجود أصل لهذه الموسيقى منذ عام 200 قبل الميلاد، وأيام حكم الأباطرة المغول المسلمين والهندوس.
وإذا تابعت الرابط التالي يمكنك التعرف إلى: الثقافة الموسيقية ماذا تعني وما أهميتها؟
الموسيقى العربية في العصر الحديث
عهد النهضة (1800- 1910م تقريباً)
قبيل النهضة كان الشرق العربي منغلقاً على نفسه، فقد كان تحت سطوة الحكم التركي والفرنسي والبريطاني على الأقطار العربية، وقد قامت الثورات في مصر وسوريا وغيرهما، ونالت حريتها واستقلالها، وكان لابد أن يثمر عهد ما بعد الثورة غلّات من البناء و التجديد والإصلاح، والعلوم بجميع فروعها، والفنون بجميع فروعها، وحظي فن الموسيقى في عهد النهضة العربية باهتمام بالغ، حيث شهد النصف الأول من القرن التاسع عشر نهضة للمدرسة الموسيقية العربية الحديثة، في ميدانها العلمي والنظري، وكانت لها آثار ومؤلفات وأعلام لم يسيروا فقط في ركب الموسيقى العربية، بل في الموسيقى الغربية أيضاً، وكان من رواد هذه المدرسة محمد شهاب الدين صاحب كتاب "سفينة شهاب" الذي يعتبر من دعائم المباحث الموسيقية في القرن التاسع عشر، حيث حمل بين دفتيه ما يقارب ثلاثمائة وخمسين موشحاً مبينة على عدة مقامات وأوزان وقوافي وأساليب تعبيرية. وظهر محمد عبد الرحيم الشهير بالمسلوب، فكان أول من تغنى بـ (الدور).
بعــد عام 1910:
أطل القرن العشرون، وبدأ الوطن العربي يزيح عن منكبيه أثقال الجهل، ووصلت صور الحداثة الغربية إلى الاختراعات والاكتشافات، وحملت نهايات القرن العشرين أولى بوادر اليقظة، فظهرت فرق أداء الموشحات والقصائد والأدوار العربية بأصولها ورونقها، وظهرت المعاهد في سوريا منذ الثلاثينات، وفي مصر منذ العشرينات، ولقد بدأ التدوين الموسيقي الذي يرجعه بعض المؤرخين إلى ثلاثينات القرن الماضي، وكذلك انعقاد أول مؤتمر للموسيقى العربية في مصر عام 1932، لدراسة الأنغام والأوزان وكل ما يتعلق بالموسيقى العربية. ومن أعلام الموسيقى في العصر الحديث: أبو خليل القباني، محمد عثمان، الشيخ عبده الحامولي، وسيد درويش.
وإذا تابعت الرابط التالي ستتعرفين إلى الموسيقي الذي يعزف الموسيقى بالمنشار والسكين