على اختلاف أمزجة السعوديات، ظهرت في الآونة الأخيرة ظاهرة جديدة في بعض الأوساط النسائية المجتمعية في المنطقة الشرقية، وهي الهوس «بالاقتراض» من كل من هبَّ ودبَّ لأجل السفر خلال الإجازات متذرعات بمقولة «أنفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب»، على الرغم من كون بعضهن موظفات وأخريات غير قادرات على السفر، وإن كان بدرجات متفاوتة...
«سيدتي» رصدت تلك الظاهرة التي يرفضها الكثيرون؛ لما لها من آثار سلبية اجتماعياً واقتصادياً.
من أجل العرسان
ترفض جوزاء المشعان، موظفة في مستشفى الجبيل العام، هذه الأساليب أو الطرق قائلة: أنا ﻻ أستلف من أجل السفر، ويمكنني ترتيب سفرة مرتبة (حسب تعبيرها) هذا العام وعدم السفر العام المقبل؛ لأجمع مبلغاً للعام الذي يليه، وهكذا.. ولكن لديّ إحدى معارفي، والتي ﻻبد من سفرها كل عام، وتأخذ قرضاً من البنك بما يوازي 60 إلى 70 ألفاً، بضمانة راتبها، وتصرفها كلها في السفر، وترجع لتقسيطها كل شهر حتى يحين موعد الإجازة الصيفية، الذي هو موعد القرض، وتسافر لتعود للتسديد..!
وأشارت جوزاء إلى أن خلاصة الفلسفة الحكيمة التي من الممكن أن يتحلى بها الذي يريد السفر سنوياً «أن نصف الرزق حُسْن التدبير» حيث إن هناك نظام الجمعيات، وهو مفيد جداً في حالة أخذ الدور الأخير أو قبله، وكذلك البعض يسافرون قبل نزول الراتب بيوم أو اثنين، ويعودون عند نهاية الشهر لاستلام الراتب الجديد، وبذلك ﻻ يضطرون للاستلاف ومشاكله.
رفض الأسلوب
فيما تقول نوال العنزي، ربة منزل: أنا ﻻ أسافر بالاستلاف، ولكن صديقتي تفعل، حيث قامت باستلاف مبلغ 25 ألف ريـال مني للسفر إلى دولة خليجية مجاورة في العطلة، ومن دون علم زوجها، ووعدتني بردها بعد ذلك، ولكن لم تستطع لعدم مقدرتها. متسائلة عن الجدوى من سفر كهذا!
أما عذاري الفهد، أخصائية تجميل في أحد مراكز التجميل بالجبيل، فقالت: أحب السفر مع أخواتي، فأنا (مطلقة مع ولدين)، ولكن في حالة انعدام مقدرتي فأنا أكتفي بأن أكون مع أسرتي في مكان واحد في مدينتي، وﻻ داعي للسفر بالدين.
وتقول راضية حسن، ربة منزل: أكتفي بعدم السفر، لكن يمكن أن أدخل في جمعية، ويمكن أيضاً أن أستبدل دوري فيها وفقاً لموعد سفري، ولكن أن أقترض مبالغ مالية ﻷصرفها على سياحة فهذا ما ﻻ أحبذه؛ ﻷني ﻻ أضمن العودة سالمة.
ﻻ يجوز الاستلاف
ويرى الدكتور عبدالعزيز المشيقح، عضو هيئة التدريس بقسم الاجتماعيات بجامعة القصيم، أن السفر إلى الخارج له أبعاد دينية اقتصادية، ودينية اجتماعية على الأسرة، منها خروج المرأة لبلاد غير المسلمين بحكم أن الدول العربية حالياً تعذر السفر السياحي لها بسبب الظروف السياسية، فلم يتبق غير الأجنبية للسياحة، وفي غالب الأحوال تتعرض المرأة السعودية لضغوط لتقدم تنازلات عن حجابها وقيمها.
وبالنسبة للجانب الديني الاقتصادي، فحين تسافر المرأة لغير التعليم أو العلاج أو العمل أو الدعوة وفي غير استطاعة وتضطر للاستدانة، فهذا يدخل في باب الإسراف «وﻻ تسرفوا» وفي باب التبذير «إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين» فهو للتباهي والتفاخر فقط، وهذا مما لم ينزل الله به من سلطان.
عدم الإسراف
من جانبه قال الدكتور أيوب خالد الأيوب، رئيس نادي الحوار في الكويت: إن الموضوع له عدة أبعاد علينا عند السفر التفكير ملياً فيها، منها الجانب الشرعي المتعلق بعدم الإسراف وتبذير المال.
أما من الجانب النفسي وما يتعلق بضرورة الترويح عن النفس، فالسفر يشبع الحاجة إلى الترفيه والتجديد والتغيير الإيجابي، ومن حيث الجانب الأسري نرى أنه ﻻبد لنا من تدعيم وتعزيز الروابط بين أفراد الأسرة الواحدة، والسفر فرصة رائعة لتحقيق ذلك، ولكن هناك جانباً سلبياً نحصل عليه عند السفر من دون مقدرة، وهو الجانب المتعلق بثقافة المجتمع التي ترسخ التباهي والتفاخر من خلال حرصنا على السفر لمجرد تحسين وتجميل صورتنا، ومن أجل ما يقوله المحيطون بنا أو معارفنا عند السفر، وإجراء المقارنات القاتلة وغير العادلة التي يجلبها بين أسرتين مختلفتين في أمور عديدة، من أهمها المقدرة المادية على السفر.
آثار سلبية على الاستهلاك
من جانبه بيّن الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالوهاب سعيد القحطاني، أستاذ الإدارة الإستراتيجية والموارد البشرية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الدمام، نعرف مدى الحاجة للاقتراض لشراء منزل أو سيارة أو مستلزمات أساسية، لكن الاقتراض للسفر قضية لا يفهمها البعض منا، من حيث الدوافع والفائدة والتبعات السلبية، وذلك نتيجة تراكم الديون على المقترض.
مبدياً استياءه من أن ظاهرة الاقتراض أصبحت ظاهرة من أجل السفر إلى خارج المملكة عقيدة عند البعض في كل إجازة، ما أثقل كاهل الأسر التي لا تستطيع تسديد الديون، وصار لدينا مفهوم اجتماعي متوارث وخاطئ حول الإنفاق والرزق.. جعل البعض من الناس يقولون «أنفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب». وبالتالي أثر هذا في مفهوم الادخار والإقراض الفردي والأسري، بل كان ولايزال له الأثر السلبي الكبير في السلوك الاستهلاكي للكثير من الناس.
خاصة عندما يكون الإنسان مستهلكاً مندفعاً لا يعي العواقب. ونجد بعض النساء من الأسر محدودة الدخل يقلدن غيرهن من نساء الأسر التي مَنَّ الله عليها بالمال والمقدرة على السفر، فيتأثرن بهن، فيقترضن لمجاراتهن، وأيضاً محاكاة الأفراد والأسر لغيرهم جعلهم يعتمدون على الاقتراض للسفر كثيراً.
وبصفة عامة، الاقتراض بهدف السفر قرار خاطئ من الناحية الاقتصادية؛ لأنه يثقل الفرد والأسرة بالديون، ويضعف الادخار الفردي والأسري، ويشكل سلوكاً استهلاكياً مندفعاً غير عقلاني.
لا توجد بلاغات
أفاد العقيد زياد الرقيطي، المتحدث الرسمي لشرطة المنطقة الشرقية، أن الاقتراض أو الاستدانة بوضعها الطبيعي تعدّ أمراً طبيعياً ومجازاً، ولا يصنف كقضية جنائية أو غيرها، ولكن عند التخلف عن السداد فبالتالي يعدّ الأمر مطالبة مالية حقوقية، وتقدم دعاوى المطالبات المالية للمحاكم الشرعية مباشرة، ممثلة بقضاة التنفيذ. وما يصدر من حكم لقاء أي قضية يحال إلى الشرطة لتنفيذ الحكم، ممثلة بإدارة تنفيذ الأحكام الحقوقية، وبحمد الله لم تسجل بلاغات قضايا متعلقة بالاستدانة مؤخراً.